في خضم الحرب المدمرة التي تدور حاليا، يتابع السودانيون عامة وسكان دارفور على وجه الخصوص بقلق بالغ تطورات الأوضاع في حول مدينة الفاشر العاصمة التاريخية لدارفور الكبرى ونذر المواجهة الدامية التي تلوح في الأفق مهددة بإراقة دماء غزيرة وكارثة إنسانية مأساوية قد تفوق ما شهده السودانيون حتى الآن، إذا قررت قوات الدعم السريع مهاجمة قوات الجيش المتمركزة في الفاشر.
ضغوط على الفاشر
وتتزايد المخاوف مع تصاعد الضغوط على الفاشر بعد ان استولت قوات الدعم السريع على حاميات الجيش في نيالا وزالنجي والجنينة في أواخر أكتوبر الماضي وسيطرتها على الضعين أمس الثلاثاء لتصبح الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور الكبرى.
وبشأن ما يتردد عن هجوم وشيك للدعم السريع على الفاشر، يقول الدكتور موسى خدام مستشار قائد الدعم السريع لراديو دبنقا إنهم لا يستطيعون الإفصاح عن أي خطط عسكرية في هذا الشأن مؤكداً إن قواتهم تهاجم مقرات الجيش وليس المدن. وأكد على مراعاة الدعم السريع للوضع الإنساني والاجتماعي وحقوق حركات الكفاح المسلح في الفاشر. وأكد التزامهم بتنفيذ اتفاق سلام جوبا.
وقلل من التأثير الميداني لإعلان عدد من الحركات التخلي عن الحياد والانحياز للجيش وقال إن قيادات عسكرية رفيعة من حركات الكفاح المسلحة مازالت تلتزم الحياد.
وكانت حركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي أعلنتا الأسبوع الماضي التخلي عن الحياد والانحياز للجيش في الحرب الدائرة.
ونفى الدكتور جبريل ابراهيم في مؤتمر صحفي ببورتسودان الأسبوع الماضي علاقة اعلانهم التخلي عن الحياد بما يتردد عن الهجوم على الفاشر مؤكداً في الوقت ذاته أهمية المدينة ورمزيتها باعتبارها عاصمة اقليم دارفور.
يتجاوز عدد سكان الفاشر حوالى مليون نسمة إضافة لحوالي نصف مليون من النازحين في معسكرات ابوجا وابوشوك وزمزم على اطراف المدينة علاوة على مئات الالاف من النازحين اليها من القرى والمدن المجاورة على رأسها نيالا والجنينة وزالنجي وكتم وكبكابية وحتى الخرطوم بسبب الحرب خلال الأشهر القليلة الماضية.
وقالت مفوضية العون الإنساني في شمال دارفور في تعميم صحفي في بداية نوفمبر إن مدينة الفاشر تحتضن ١٧٥٨١ أسرة (٩١٨٢٠) شخص فارين من الحرب من مختلف المدن.
وأشارت إلى زيادة عدد النازحين يوميا في مراكز الإيواء مع قلة المساعدات الإنسانية، ونوهت إلى نزوح النازحين القدامى من معسكري ابوشوك وابوجا الى مدارس جنوب الفاشر.
وأكدت اكتظاظ جميع المدارس في قطاع الجنوبي لمدينة الفاشر مع تزايد عدد النازحين يومياً وانعدام مواد الإيواء خاصة الخيام. وأشارت المفوضية إلى تأخير المساعدات الإنسانية خاصة مواد الغذائية من قبل برنامج الغذاء العالمي، وقلة المساعدات من قبل المنظمات بسبب إغلاق البنوك.
مواجهة فادحة
ومن المرجح ان تكون المواجهة العسكرية في المدينة، إذا حدثت، فادحة العواقب إنسانيا وسياسيا واقتصاديا وذلك بسبب وجود قوة معتبرة من القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلحة الدارفورية وعلى رأسها قوات حركة تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي الذي قرر مؤخرا التخلي عن موقف الحياد ودخول المعركة الي جانب قوات الجيش.
تتكون غالبية قوات مناوي من إحدى المكونات المحلية المعتبرة بشمال دارفور التي تمثل نسبة مقدرة من سكان مدينة الفاشر مما ينذر بان تتحول معركة الفاشر لمواجهة اهلية من جهة القبائل التي تساند وتشكل معظم قوام قوات الدعم السريع والمكونات المحلية القبلية الأخرى التي تتشكل منها قوات مناوي وحركات الكفاح الأخرى المكونة للقوة المشتركة لشمال دارفور.
وفي مقابلة سابقة أجراها فريق راديو دبنقا، يحذر الدكتور أديب عبد الرحمن، والي وسط دارفور الأسبق ورئيس منظمة الناس بالناس، من اندلاع حرب شاملة في حال هجوم قوات الدعم السريع على الفاشر.
وقال في مقابلة لراديو دبنقا إن مدينة الفاشر بها تقاطعات إثنية يمكن أن تؤدي لانفلات أي مواجهات إلى حرب شاملة. وأوضح إن الفاشر بمثابة شعرة معاوية بين السلام والحرب، وإن الحركات المسلحة الموقعة على السلام لو فقدت الفاشر فإن ذلك يعني نهاية اتفاق جوبا.
من جهته قال توبي هارود نائب منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في السودان إن مئات الآلاف من المدنيين والنازحين يتعرضون لخطر كبير الآن في الفاشر بولاية شمال دارفور، مع تدهور الوضع الأمني، ونقص الغذاء والماء، والخدمات المحدودة.
وحذر في تدوينة على منصة إكس في وقت سابق من العواقب الوخيمة والتأثير الكارثي في حال اندلاع القتل من أجل السيطرة على المدينة، ودعا الأطراف بالالتزام بحماية المدنيين واحترام القانون الدولي الإنساني. وتجنب القتال في الفاشر.
في مواجهة هذا الواقع المعقد القابل للانفجار في اية لحظة، تبذل بعض الشخصيات المجتمعية وقيادات الإدارات الاهلية في المدينة جهودا حثيثة لمنع الانفجار وقد توصلت قبل عدة أسابيع لاتفاق يقضي بوقف الاشتباكات بين الطرفين داخل المدينة على ان تبقى قوات الدعم السريع في الجانب الشرقي من المدينة فيما تتمركز القوات المسلحة السودانية في الجانب الغربي منها حيث يقع مقر الجيش فيما تتولى قوات الحماية المشتركة للحركات المسلحة مسؤولة عن حماية وسط المدينة والأسواق والمؤسسات الحكومية.
ويعول الكثيرون في دارفور على استمرار هذه الجهود الاهلية المجتمعية ونجاحها في التوصل لتفاهمات تقي عاصمة دارفور التاريخية ومركز حركة الامدادات الإنسانية لكل إقليم دارفور الكبرى، شر المواجهة العسكرية الدموية.
لكن مثل هذه الجهود، بحسب التجارب المحلية في نيالا وزالنجي والجنينة والضعين، لم تنجح في حقن الدماء للأسف ولم تؤد إلا لتأخير المواجهة لبضع أيام او أسابيع.
قد يغري تطور الأوضاع العسكرية في عموم السودان إقليم دارفور خاصة قوات الدعم السريع على الإقدام على السيطرة على اخر معاقل القوات الحكومية في دارفور، حينها قد لا تجد قوات مناوي مناصا من الدخول للمعركة ضد قوات الدعم السريع دفاعا عن أهلهم ومصالحهم في الفاشر.
سيعيد مثل هذا التطور المأساوي المحتمل إلى الاذهان، وربما على الأرض أيضا، ما حدث في دارفور بين عامي 2002 إلى 2005 من مواجهات اثنية وعرقية وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وابادة جماعية بطريقة أبشع وأكثر وحشية.