محاصرة بالحرب والفيضان.. من يُنقذ جزيرة توتي السودانية؟
بعد 4 أشهر قضتها تحت نيران الحرب استطاعت إيناس عرابي الخروج من جزيرة توتي التي تتوسط مدن العاصمة السودانية ووصلت إلى مدينة ود مدني وسط البلاد في رحلة نزوح قاسية واجهت خلالها شبح الموت إلى جانب استنزاف مالي كبير.
وتروي إيناس لموقع “سكاي نيوز عربية” فصلا من مآسي تراجيدية يعيشها السكان الذين تركتهم خلفها، فما يزال الجسر الوحيد الذي يربط الجزيرة ببقية مدن العاصمة السودانية مغلقاً أمام حركة المارة مما خلق نقص في السلع الرئيسية وانعدام الخدمات الصحية إذ لا يوجد مشفى أو مركز طبي بتوتي في الوقت الراهن.
وإلى جانب نيران الحرب المشتعلة في جميع اتجاهاتها، باتت جزيرة توتي تواجه شبح الغرق مع حلول موسم فيضان النيل والذي يبلغ ذروته في شهر سبتمبر من كل عام وهو ما يزيد القلق على سكانها.
وتتوسط الجزيرة مدن العاصمة السودانية الثلاث، الخرطوم، بحري، أم درمان ويطل الجزء الجنوبي منها على القصر الرئاسي وتفصلها منه بضع مترات وهي عرض مجرى نهر النيل الأزرق، بينما يحدها من الناحية الغربية مجمع السلاح الطبي التابع للجيش ومن الشمال حلة حمد، وجميعها أماكن ملتهبة بالمعارك العسكرية.
وتتميز توتي التي تبلغ مساحتها نحو 990 ويسكنها حوالي 20 ألف شخص، بمناظرها الطبيعية الخلابة وكانت الوجهة المحببة للسودانيين للاستجمام على مياه النيل وقضاء أوقات ممتعة.
مخاطر عديدة
ورغم قربها من مركز العاصمة السودانية إلا أن الجزيرة تحمل طابع الحياة الريفية البسيطة، كما لدى سكانها طبيعة خاصة جعلتهم يرتبطون بها وجدانياً لحد بعيد فمن المستحيل أن يحتملوا العيش خارجها، وهو ما جعل الآلاف يقبعون داخلها حتى الآن رغم المخاطر المحيطة بها.
ويقول يوسف بشير، أحد سكان جزيرة توتي لموقع “سكاي نيوز عربية” “النيران تحيط بتوتي من كل الاتجاه، وقد تحول الجزء الجنوبي المقابل للقصر الرئاسي إلى ثكنة عسكرية مما اضطر سكانه لمغادرته، بينما لا يزال الجانب الشمالي والشرقي مليء بالسكان الذين فضلوا البقاء في ظل معاناة بالغة”.
ويضيف: “أصبح السكان يعتمدون على المراكب والقوارب عبر منفذ نيلي وحيد يؤدي إلى مدينة بحري للمغادرة النهائية أو بغرض الحصول على المواد الغذائية والاحتياجات الحياتية ومن ثم العودة مجدداً”.
ويشير إلى أن قوات الدعم السريع التي تفرض سيطرتها على الجزيرة قامت بتعيين أحد منسوبيها “عُمدة” على توتي يتولى مهمة إصدار تصاريح مرور ورقية للسكان الراغبين في الخروج من الجزيرة والعودة اليها، وذلك بهدف تسهيل حركتهم وحتى لا يتعرضون لمضايقات في الدوريات العسكرية التابعة لها.
ويتخوف بشير من تأثير واسع على الجزيرة خلال موسم الفيضان الحالي حيث لم يتم عمل التدابير الاحترازية التي يقوم بها السكان في كل عام لمنع تسلل المياه إلى المنازل والمناطق السكنية.
وكان برنامج الأمم المتحدة للحد من المخاطر والكوارث قد اختار في العام 2015 جزيرة توتي ضمن أفضل 8 مناطق على مستوى العالم في استخدام المهارات التقليدية والثقافة المحلية للحد من مخاطر الفيضانات.
خيار البقاء
ورغم المخاطر يتمسك السكان بالبقاء في جزيرة توتي، وتقول إيناس عرابي “والدتي ترفض مغادرة الجزيرة فهي تخشى من أن تذهب إلى وضع غير محسوب في الولايات ومتخوفة من النزوح ومآلاته غير المحسوبة”.
وتضيف: “في كل يوم تزداد تعقيدات الخروج من الجزيرة، لقد استغلنا مركباً بمبلغ مالي عالي ووصلنا إلى الضفة الأخرى في مدينة بحري وتوجهنا جنوبا، كنا خائفين نظراً للانتشار العسكري الكثيف والتفتيش الدقيق”.
وتابعت: “وصلنا إلى السوق المركزي شمبات ومنها إلى منطقة حطاب أقصى شمال العاصمة السودانية، ومن ثم التوجه جنوبا مجددا عبر طريق دائري مؤدي إلى ولاية الجزيرة وسط البلاد، وكانت رحلة شاقة أنفقت خلالها مبالغ طائلة نظير أجرة السيارة فضلاً عن الأذى النفسي جراء مشاعر الرعب والخوف التي لازمتني”.
وأشارت إلى أن جزيرة توتي وصلت مرحلة انعدام المواد الغذائية حتى ملح الطعام خلال الفترة الماضية، قبل أن يتم فتح المنفذ النيلي وصار السكان يحصلون على احتياجاتهم من مدينة بحري، لكن المخاطر تبقى قائمة في ظل احتدام المعارك العسكرية في كافة اتجاهاتها.