الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل
* أثار في نفسي المستشار الإعلامي لشركة تاركو للطيران الأستاذ عثمان النصيح شجونا عميقة، وهو يرسل لي صور لإفطارهم الرمضاني في ميدان الاعتصام العام الماضي الذي كان عنوانا بارزا يجذب إليه الثوار ليس لطيب طعامه بل لبشاشة وتجرد شباب تاركو الذين خاضوا غمار ثورة ديسمبر المجيدة منذ شرارتها الأولي وكانوا في الصفوف الأمامية في المواكب التي خرجت ضد نظام الطاغية عمر البشير، وكان يتقدمهم مدير الشركة الشاب الشمباتي الراكز سعد بابكر الذي لم يكترث كثيرا لأجهزة الإنقاذ الإنتقامية والقمعية فقد خرج من أجل وطنه الذي يعشقه بتجرد.
* وانا أتصفح الصور المعبرة وعميقة الدلالات اجتاحتني الحسرة وظللتني سحب الحزن للنهاية المأساوية والمؤسفة والدموية لاعتصام القيادة العامة الذي كان مدرسة قائمة بذاتها ومثلت منعطفا بالغ الأهمية في تأريخ السودان.
* لم يكن اعتصاما من أجل إنهاء حكم الإسلاميين الظالم ولا سعيا وراء ترسيخ الحكم المدني وحسب، بل كان من أجل تعميق الوطنية ونبذ الجهوية والقبلية، كان مدرسة لتعليم كيف يعشق الشباب أوطانهم بتجرد وإخلاص وكيف يكون الحب في الله والايثار والإخاء الصادق الحقيقي.
* كنت أحرص يوميا علي زيارة ميدان الإعتصام لأتعلم من الشباب الثائر الكثير من الدروس التي لم يجد جيلنا الفرصة لتعلمها بسبب قمع الإنقاذ لنا في الجامعات في عقد التسعينيات من القرن الماضي والتي كانت تمنع حتي تجمعاتنا الإجتماعية في الداخليات، كنت أشعر بسعادة غامرة في ميدان الاعتصام وانا أري شباب غض الإهاب وهو يستميت من أجل قضيته ويقدم في سبيلها المهج والأرواح.
* لم يكن الثوار يعبأون بارتفاع حرارة الطقس ولا بإنعدام وسائل الراحة، ولم يكونوا يكترثون لرصاص قناصة نظام الإخوان المسلمين ولا أساليب غدرهم المألوفة، كانوا كل يوم يجسدون ملامح معركة كرري بكل جسارة، كانوا رجالا مثل الأسود الضارية.
* ليس ذلك وحسب بل يسجل لهم التاريخ بمداد من ذهب وأحرف من نور أنهم خـاضـوا اللـهـيـب وشـتـتـوا كـتـل الكيزان الباغية، ولأنهم قدموا أروع دروس التضحية فإن العدو الذي كان يتربص بهم أعمل فيهم آلة قتله فكان أن طفح النهر بالـضـحايـا بـالـدماء الـقـانـيـة.
* وذات الدماء التي سالت في يوم فض الإعتصام الكريه والبغيض والشؤم كانت عربون حريتنا وانعتاقنا من براثن حكم الكيزان الذين انتهكوا العروض وقتلوا الأنفس ونهبوا موارد البلاد.
* يظل ميدان الاعتصام ذكرى لايمكن أن تغيب عنا لأن ماسطره الشباب كان ملحمة بكل ماتحمل الكلمة من معان، وبقدر اعتزازنا وفخرنا بهذا التاريخ العظيم إلا أننا نشعر بالحزن والأسف علي الطريقة المؤسفة التي أنهت بها القوات الغازية أجمل صفحة وأروع مشاهد، وكم هو مؤسف أن تكون نهاية تلك الملحمة بطريقة دموية خالية من الإنسانية، وليتهم تركوا الميدان في حاله وليتهم تمتعوا بعمق النظر والرؤي فالميدان كان مدرسة في الوطنية والقيم والأخلاق، وبالتأكيد ستظل ذكري الإعتصام متقدة في الدواخل لاتنطفي شمعتها التي تنير لنا الطريق نحو الحرية الكاملة ونحو بناء الوطن الذي نحلم به .. وحنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي وطن شامخ وطن عاتي.
The post السودان: صديق رمضان يكتب: ميدان الاعتصام .. حرام والله appeared first on الانتباهة أون لاين.