الفريق أول محمد حمدان دقلو النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي سافر اليوم إلى موسكو برفقته وفد وزاري من القطاع الاقتصادي يتكون من وزراء المالية و الزراعة و الطاقة والنفط، والمعادن، و وكيل وزارة الخارجية اضافة لرئيس اتحاد الغرف التجارية، طبيعة الوفد تحدد أن الزيارة ذات أهداف اقتصادية في المقام الأول.
العلاقات الثنائية بين الدول تحافظ على الملفات المشتركة حتى ولو تغير النظام السياسي كلياً كما هو الحال في السودان الذي أطاحت فيه الثورة بالنظام الدكتاتوري، وسبق لإيران بعد ثورة الخميني ورغم تقاربها أيديولجياً مع النظام الحاكم في السودان خلال فترة الإنقاذ أن طالبت الحكومة السودانية بسداد قروض تلقاها السودان في عهد نميري من شاه إيران.
في أكتوبر 2015 السيد حسبو عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية المخلوع زار موسكو ووقع على 44 اتفاقاً في مختلف المجالات مع روسيا، بعد حوالى عامين فقط ألغت روسيا 43 منها لعدم توفر الجدية من الجانب السوداني، وعبر الوسائط الدبلوماسية نصحت موسكو الخرطوم بتقليل الزيارات الرسمية إلى روسيا لأنها ( كثيرة و بوفود كبيرة ونتائج صغيرة).
في سياق استكشاف الأسواق الروسية صَدّر السودان في العام 2017 شحنة بطاطس قيمتها حوالى 9 ملايين دولار لقيت ترحيباً من المستهلكين لكنها لم تتكرر لفشل الجانب السوداني في ضمان شحنات منتظمة تحافظ على السوق.
وفي نهاية الأمر توقفت العلاقات التجارية بين البلدين بسبب فشل السودان في الإيفاء بمديونات سهلة ويسيرة لا تتجاوز 12 مليون دولار.
من الصعوبة الحصول على علاقات اقتصادية منتجة مع روسيا أو أية دولة أخرى في العالم في ظل الوضع السياسي الحالي في السودان، فعلاوة على الأزمة السياسية المستحكمة لا يزال السودان متخماً بكلمة “المُكَلَف” في مختلف المناصب من رئيس الوزراء حتى مدراء قطاعات حكومية في أدنى السلم.
فشل الانقلاب العسكري في الإيفاء حتى بماجاء في البيان رقم واحد من تكوين هياكل السلطة الغائبة التي وعد بتكوينها خلال أسبوع واحد فقط، مثل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية ومؤسسات العدالة الأخرى، بل و بعد أكثر من أربعة أشهر السودان بلا رئيس وزراء ولا حكومة ولا مؤسسات تشريعية مرجعية ولا يحزنون.
في مثل هذ الحال من العسير توقع أن تبني دولة في مقام روسيا علاقات جادة مع أي وفد حكومي سوداني مهما كان رفيعاً، لغياب الثقة في استقرار الدولة وهياكل اتخاذ القرار فيها.
والسياسة الخارجية عموماً لا تبنى على أوضاع ظرفية طارئة، بل على منظور استراتيجي يحقق مصالح السودان على المدى القصير والبعيد، فروسيا تتطلع للحصول على قواعد بحرية على سواحل البحر الأحمر، ومثل هذا الأمر لا يمكن القطع فيه إلا في ظل استراتيجية واضحة للدولة السودانية تدرك تماماً أبعاد مثل هذه الخطوة في الوضع الجيوبولتيكي للسودان.
و لبناء علاقات ثنائية أو متعددة دولية يجدر أن يكون هناك جهد بحثي عميق تنجزه المؤسسات الخبيرة المتصلة بالشأن، ففي السياسة الخارجية لا تمثل وزارة الخارجية إلا رأس جبل الجليد لمؤسسات عديدة يجب أن تكون شريكة في صنع استراتيجية السياسة الخارجية عامة والمتصلة بالشأن الثنائي مع أية دولة خاصة، وتمتد هذه المؤسسات لتشمل حتى مراكز الدراسات الاستراتيجية في الجامعات – إن وجدت- والأجهزة الأمنية والعسكرية و غيرها