حمدوك والرقص مع الذئاب
يعيش السودان فترة عصيبة ومنعطف خطير وانشقاقات كبيرة واستقطاب حاد لم يشهده طوال تاريخة الحديث.
لقد خلق سقوط نظام الإنقاذ المفاجئ ما كانت تخشاه الكثير من القوى السياسية المحلية والعالمية والمتابعين للشأن السوداني من حالات التشظي التشرذم واللا إستقرار وشبه الفوضي وتشظى قوي الثورة وتمزقها وتخوين بعضها البعض ومحاولة إقصاء كل للآخر ومحاولة الاستقواء والاستأثار بالسلطة . ولم يسلم من ذلك حتى رجال المقاومة خاصة بعد أن تم إبعادهم من موقع صنع القرار وطبخه.
فقد عادت الديناصورات القديمة للواجهه ومعها بعض الطفيليات والفقاعات وبعض متواليات العهد البائد وكذلك الرأسمالية اللاوطنيه والتي دائما ما تجد لها موقع قدم في أي حقبة ومع أي نظام وكذلك ظهر بعض الإعلاميين الأنبياء الكذبة . وعادت الحركات المسلحة ومعهم بعض تجار الحروب والمرتزقة ونشطاء سياسيين عادوا للوطن ليسددوا لأولياء نعمتهم ثمن ما قبضوة من خيانة الوطن .
فبعد ثلاثينية الإنقاذ التي أشعلت الحروب ومزقت النسيج الإجتماعي واذكت روح العصبية والقبلية والجهوية وكانت سببا في تفشي العنصرية وكانت سببا في خنق البلاد وعزلته دوليا وإقليميا سياسيا وإقتصاديا عادت الأحزاب السياسية.
الأحزاب السياسية ألتي مع الأسف الشديد لم تنضج بعد ولم تتعلم من الماضي ولا تعرف فقه الواقع ولم تواكب تطلعات وآمال وأحلام شباب الثورة ولا يبدو بأنها مستعدة للتعلم في القريب العاجل وعادت حليمة لعادتها القديمة، فأصبح كل همها أن تجد لها مكانا في دولاب الدولة استزوارا أو توظيفا وتمكينا فهي لا تفكر فى الانتخابات ولا يحزنون ربما لأن بعضها يعرف سلفا حجمه بين الجماهير .
جائت ثورة ديسمبر المجيدة لتواجه كل تلك التحديات والعقبات وتلك التركة الثقيلة من مخلفات العهد البائد وذادت الأحزاب من وطئتها بطمعها وأنانيتها ونظرتها الضيقة.
حلم الشباب رغم كل هذا الواقع المرير بمستقبل زاهر وواعد يحقق أحلامهم بوطن الحرية والسلام والعدالة ، فكان أن رأوا في السيد الدكتور عبدالله حمدوك الرجل الذي سيتحقق معه هذا الحلم .
رجل سبقت سمعته وسيرته العطرة ونجاحاته وإنجازاته إقليميا ودوليا قبل أن تتذكره الإنقاذ وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة لينقذ سفينتها من الغرق ولكن بعد فوات الأوان.
فتلقفته أيدي الثوار لقيادة البلاد في أصعب وأهم فترة في تاريخها الحديث. فقبل الرجل التحدي وهو يعلم بعلمه وخبرته ثقل هذه الأمانة وعظمها ويعلم مخاطرها وعقباتها ولكن للاوطان في دم كل حر يد سبقت ودين مستحق . فأراد الرجل تسديد الدين لهذا الوطن العظيم ولهذا الشعب المثابر الصابر .
حمدوك الرجل الأممي العصامي وجد نفسه بين المطرقة والسندان، أشواك وعقبات ومتاريس تضع في طريقه ، فكلما نجا من واحدة وجد أخري، فأن أرضي هذا غضب منه ذاك وإن أرضي ذاك سخط عليه هذا. وظل الرجل بابتسامة وهدوئه وحكمته يحاول أن يمسك العصي من وسطها حتى تعبر الثورة إلي بر الأمان ويرسو بالبلاد إلي حيث ما يحلم به الشباب ويحفظ البلاد من ومآلات ثورات الربيع العربي من الحروب والدمار والخراب والانهيار.
فالرجل يحاول جاهدا رغم الذئاب التي تتربص به بل والبعض ينتظر ويتمني فشله كما هي عادة السياسيين أعداء النجاح فهم يرون أن نجاحه سيكون خصما على شعبيتهم المعدومة أصلا. فالاسلاميين يتهمونه بالعمالة لليسار واليسار يري أنه خان العهد معهم ، وقحت تتهمه بالأنحناء للعسكر والعسكر يرون أنه يستقوي عليهم بالغرب وحركات الكفاح المسلح تري أنه لم ينصفهم والشاب يري أنه لم يحقق أحلامهم وطموحاتهم الكبيرة ، ورفاق الأمس هم ألد أعدائه اليوم .أما الإعلاميين وأصحاب الأقلام المأجورة فقد شحذوا من أقلامهم المسمومة يبثون سمومهم واحقادهم وحسدهم للنيل من مكانة الرجل السامية رغم أن معظمهم كانوا اقلاما مأجورة لسدنة النظام البائد يغطون على فسادهم ويسترزقون من فتات موائدهم علي حساب الشعب الجائع دون ضمير ولا أخلاق ولا وطنيه.
نقول للسيد الدكتور عبدالله حمدوك سير في طريقك نحو تحقيق حلم الشباب في الحرية والسلام والعدالة والازدهار . فالعظماء علي مر التاريخ سطروا أسمائهم بعد أن هزموا المستحيل وصنعوا المعجزات ونحن نثق بأنك رجل المرحلة دون منازع. فسير وعين الله ترعاك.
المجد والخلود لشهداء الوطن في كل زمان ومكان
وحفظ الله البلام وجنبها الفتن والفتانين
عثمان إبراهيم آدم
فرانكفورت/ ألمانيا