-١-
طالعت مثل غيري، مقالاً للباشمهندس خالد عمر يوسف، وزير مجلس الوزراء، يشتكي من تعرُّضه لتنمُّرٍ اسفيري مُتوحِّشٍ، عبر بَثّ الشائعات والترويج لها.
كتب وزير مجلس الوزراء:
(لاحظت بوضوح انتشاراً كثيفاً لشائعات عديدة مُتعلِّقة بشخصي، تنشط في بثِّها مواقع مشبوهة وتحمل قصصاً مُختلقة بالكامل، وإن كان من شيءٍ مُحزنٍ في الأمر، فهو استخدام بعض من هُم خارج قِوى الثورة المُضادة لهذه الأكاذيب انتصاراً منهم لمواقف سِياسيّة ما، وسعياً لتصفية حسابات، وددت لو أنّهم اختاروا لها سلاح مُواجهة الفكر بالفكر والرأي بالرأي، فهذا هو ما ينفع البلاد وأهلها).
-٢-
تختلف أو تتّفق مع خالد، من الصُّعوبة ألا تضعه في قائمة السِّياسيين النّاضجين، فهو ليس كغيره من سابلة السِّياسة ومُراهقيها وصبيانيها ومُستجديها..!
واجه خالد عمر الإنقاذ في العراء والسّاحات المفتوحة، ودفع فواتير مواقفه في المُعتقلات.
مُتحدِّثٌ جَيِّدٌ، ومُحاورٌ مُتمكِّنٌ، وسياسيٌّ شجاعٌ، لم يهرب إلى المهاجر مثل الرشيد سعيد وغيره، ولم يلذ بالمخابئ مثل من نعرفهم بالاسم والسيرة..!
الرشيد سعيد ذلك من وثقت له كميرات الفيديو قبل ثلاث سنوات، لقاءً تنظيميا، يوصي فيه مستمعيه من الشباب، برجم نظام الخرطوم بالشائعات..!
ولم يكتفِ بذلك، بل أصَّل لذلك السلوكِ المنحرف – مستعيناً بصديق – بقاعدةٍ أصوليةٍ دينية: (ناقلُ الكفر ليس بكافر)..!
-٣-
في الأشهرِ الأخيرة لحكمِ الإنقاذ، كتبتُ مقالين تحت عنوان (حملة نظافة سياسية) .
كان ذلك تعليقاً على دعوة أطلقها تجمُّع المهنيين، للقيام بتنظيف الشوارع والطُرقات والأحياء.
كتبتُ وقتها:
حملةُ النظافة يجب أن تمضي بالعمل المُعارض في الاتجاه الصحيح، وألا يعود المُتظاهرون لحرق الإطارات والأوساخ في الطرقات العامة.
حملةُ النظافة يجب أن تستهدفَ تنقيةَ القاموسَ السياسيَ من خطابَ الكراهية والإقصاء ومُمارسة العُنف اللفظي، مع عدمَ التنازُل عن المواقفَ والتعبيرَ عنها بكل قوةٍ وشجاعة.
حملة النظافة السياسية، عليها ترسيخُ أساليبَ معارضةٍ ذكيةٍ وأخلاقية، تُحقِّق غرضها السياسي دون إلحاقِ الأذى بمصالح وصحة المُواطنين.
واضفتُ وقتذاك، هذا التنبيه:
(غداً عندما ينتقل الإسلاميون إلى مقاعد المُعارضة، سيُمارسون ذات الأساليب التي تفتقدُ للحس الإنساني والأخلاقي، لأنهم يحملون ذاتَ الجِينات السِّياسيَّة التي تحملها المُعارضة الحالية، والعِلل المُلازمة لها، هكذا تقول عِبَرُ التاريخ وتجاربه).
-٤-
نعم، كان الأجدى بخالد أن يسهم مع غيره من مُعارضي الأمس، في تنظيف السَّاحة السِّياسيَّة مما تُعاني منه اليوم..!
للأسف لم تسهمْ القيادات السِّياسيَّة، بما فيها خالد عمر يوسف، في توعية وتثقيف الشباب بالأساليب المثلى في العمل المُعارض النظيف.
لم يقوموا بتسجيل مواقف أخلاقية رافضة لاستباحة الخُصُوم بالشائعات، وتلطيخ سُمعتهم بالأكاذيب.
صمتوا على ذلك وغيره، حينما كان الحديث والتصويب واجباً يمليه الضمير، وتفرضه المسؤولية الوطنية والأخلاقية.
-٥-
قلناها أكثر من مرة قبل التغيير، ونعيدها اليوم:
احذروا الشائعات وإشانة السُّمعة، فهي أسلحة ارتدادية تُصيب الخصم ثم تعود إلى صدرك..!
الآن يُعاني مَن في الحُكم، ممّا كانُوا يصمتون عليه وهم في المُعارضة، التنمُّر والاستباحة الشاملة.
لا نقولُ ذلك من باب الشماتةِ والمُغايظة، ولكنها تذكرةٌ لجميعِ أعضاءِ النادي السِّياسي السُّوداني، بضرورةِ الأخذِ بعِبَر ودُروس التاريخ.
– أخيراً –
نحنُ في حاجةٍ مُلحَّةٍ لتغيير أساليب العمل السِّياسي، وتجديد المياه، حتى نضمن استقرار الدولة وعافية صحتها الوطنية.
بل نضمنُ وجودها على الخارطة واستمرارها مُتماسكةً ومُوحَّدةً، حتى نختلفَ ونتنافَس على أرضٍ صَلبةٍ وثَابتةٍ، لا في رِمالٍ مُتحرِّكةٍ تبتلع المُنتصر قبل المهزوم..!