الراى السودانى
بعد مضي أكثر من عامين على ثورة ديسمبر المجيدة، ظلت أسر شهداء الثورة خلال تلك الفترة تتلقى الوعود مراراً وتكراراً بتحقيق العدالة ، والقصاص من قتلة الشهداء ، ولكنهم لم يروا أي شكل للمساءلة ، ولم تحقق الحكومة العدالة بعد لأسر شهداء الثورة، التي راح ضحيتها المئات من أبنائهم الثوار في المظاهرات ضد النظام البائد ، ومجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة «الإثنين الأسود» ، وفي يونيو من العام الماضي أمهلت منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر السلطات أسبوعاً، لإصدار أوامر بتأسيس نيابة ومحكمة خاصتين بملف الشهداء مهددة بالاعتصام داخل مباني النيابة العامة.
حسناً .. بدأ أمس الأول النائب العام المكلف مولانا مبارك محمود عثمان ، تحركاته لتقويم أداء النيابة العامة ، والاستجابة لمطالب أسر الشهداء ، بإصدار عدة أوامر لتأسيس نيابات جديدة ، وقرر النائب العام المُكلف، إنشاء نيابة خاصة بدعاوى الشهداء، وأخرى تتعلق بقضايا لجنة إزالة تمكين النظام السابق. وأتى القرار بعد يوم واحد من تسلم مبارك مهام النيابة العامة من خلفه المستقيل تاج السر الحبر، الذي رفض بشدة قيام نيابة خاصة بلجنة إزالة التمكين، بحجة أنها قد تنال من استقلال المؤسسة العدلية.
وقالت النيابة العامة، في بيان : «أصدر النائب العام المكلف مبارك محمود أمراً بتأسيس نيابة دعاوى الشهداء والانتهاكات ونيابة إزالة التمكين»، وقرر دمج نيابتي مكافحة الفساد والأموال العامة لتكون تحت مسمى «نيابة مكافحة الفساد والأموال العامة». وقال البيان إن النائب العام طالب الشؤون الإدارية والمالية بالنيابة العامة بتنفيذ أوامر تأسيس النيابات الثلاث بصورة فورية ، وأشار إلى أن النيابات الجديدة سوف تباشر العمل فوراً اعتباراً من السبت الماضي، وأوضح النائب العام أن نيابة دعاوى الشهداء والانتهاكات تختص بكافة الجرائم التي أدت إلى قتل المتظاهرين في المواكب والاعتصامات والتجمعات، وتلك التي أدت إلى تسبيب الجراح وفقد عدد كبير من الأشخاص، وقال البيان إن نيابة إزالة التمكين جرى أنشاؤها إنفاذاً لحكم المادة 15 من القانون المنظم لعمل لجنة تفكيك نظام ال 30 من يونيو 1989م.
ويؤكد رئيس القطاع القانوني بالمؤتمر السوداني كمال الأمين أن إنشاء نيابة متخصصة لأسر الشهداء يسرع من وتيرة تحقيق العدالة ، لجهة أن بلاغات شهداء الثورة بها تأخير كبير ، وقال لـ(الانتباهة) إن وجود نيابة متخصصة تعمل بكفاءة يحقق أحد مطلوبات أسر الشهداء ، وأضاف قائلاً : (المهم أن تكون هناك رغبة من النيابة أن تذهب بلاغات الشهداء إلى الأمام ، وما تكون بلاغات تشفي فقط ، وأن يكون تحريات حقيقية وبينات قوية توصل إلى مرتكبي الجرائم) ، وطلب كمال من النائب العام المكلف الإسراع في تشكيل المجلس الأعلى للنيابة العامة وتعيين مساعدين للنائب العام ، واعتماد تعيينات جديدة بالنيابة وفقاً للكفاءة والمهنية بعيداً عن التعيينات السياسية والمزايدات .
ويرى كمال أن قرار إنشاء نيابة لإزالة التمكين قد تأخر كثيراً ، وقال إن لجنة إزالة التمكين كان يجب أن تعمل عن طريق النيابة منذ تكوينها ، ودعا مجلسي السيادة والوزراء لإجازة قانون مجلس القضاء العالي ، وقال الحكومة أصبحت عرضة لمزيد من السهام ويجب الإسراع في إجازة قانون مجلس القضاء العالي ، وأوضح أن مجلس القضاء حسب الوثيقة الدستورية هو الجهة الوحيدة التي توصي بتعيين رئيس القضاء وقضاة المحكمة الدستورية وليس الجهات الأخرى .
ويرى وكيل نيابة فضل حجب اسمه أن أوامر تأسيس نيابات متخصصة سوف يسهم في تسريع وتيرة العدالة ، وإحالة البلاغات للمحاكم بسرعة ، وكشف في حديثه لـ(الانتباهة) عن وجود عدد من التقاطعات في البلاغات بين نيابتي الفساد والمال العام ، وقال البلاغات قريبة جداً من بعض وسابقاً يذهب البلاغ إلى المال العام ثم يأتي إلى الفساد وبالعكس ، وهناك جزئيات كثيرة مشتركة بين النيابتين سابقاً ، وأكد أن دمج النيابتين سوف يساعد في تسريع وتيرة العمل والفصل في البلاغات ، وأبان أن إنشاء نيابة متخصصة لقضايا الشهداء سوف يساعد في جمع البلاغات في نيابة متخصصة واحدة بدلاً من تشتيتها على النيابات في الخرطوم ، وقال سابقاً كانت هناك نيابة داخل رئاسة النيابة العامة مختصة ببلاغات الشهداء يعمل بها وكيلاء نيابة ، وتابع الآن تم تنظيمها وفصلها وإنشاء هيكل خاص بها لتكون نيابة قائمة بذاتها ومكونة من رئيس نيابة ووكيل أعلى نيابة .
وأكد أن بلاغات الشهداء تريد أشخاص متخصصين أكثر لمخاطبة الجهات المختصة لمدهم بأية معلومة يردونها ، وكشف عن تخصيص مقر نيابة الفساد بعد دمجها لنيابة الشهداء أو إزالة التمكين ، وقال بعد دمج نيابة الفساد في المال العام مقرها سوف يذهب إلى إحدى النيابتين ، وجزم بأن قرارات النائب العام بإنشاء نيابات متخصصة أتت في وقتها ، واعتبرها من أقوى القرارات .
في وقت يرى فيه خبراء قانونيون أن إنشاء نيابات متخصصة من أكبر الأخطاء التي وقعت فيها النيابة ، وأشاروا إلى أن القانون الجنائي السوداني شامل و يغطي جميع الجرائم ، سواءً التي تقع على البدن و تسبب من الجراح حتى الموت أو التي تقع على الأموال عامة اعتداء خاص أو عام أو فساد أو اختلاس ، وقالوا إن قصة النيابات الخاصة مبتدعة من النظام السابق للفت الأنظار و تمرير بعض الأغراض، وأكدوا أنها تفتح الأبواب لقضايا كثيرة و مواضيع أكثر ، وتساءلوا هل في كل قضية تتكون نيابة ويتم تعيين وكيل نيابة مختص لكل قضية ؟ ، وقالوا كان يمكن للنيابة العامة أن توفر الدعم اللوجستي و التدريب و الإمكانيات للنيابة الجنائية وتوفير الكادر العدلي المدرب و ليس الكادر السياسي الذي يلعب بعواطف الناس و المتضررين هذه عدالة لا بد أن تكون محايدة دونما تأثير ، وقطعوا بأن النائب العام المكلف أراد تثبيت أقدامه أولاً بإعلان تأسيس هذه النيابات العاطفية و ترك النيابة الجنائية لتتعامل في الشيكات و السرقات و الاحتيال .