كان من الواضح ان رئيس الوزراء حمدوك تعمد ابطاء عملية شغل الوزارات السبع التي شغرت بعد قبول استقالات ستة وزراء واقالة السابع انتظار لتوقيع السلام مع مكونات الجبهة الثورية بمساراتها الخمس، وها هو يؤكد ذلك بتصريحه الذي اعلن فيه ان التعديل الوزاري سيتم بعد التوقيع النهائي على سلام جوبا المقرر له الثاني من الشهر القادم، وفي الاثناء كان الحديث يتكاثر في منتديات ومجالس الأنس الخاصة، عن التشكيلة الحكومية القادمة بعد سلام جوبا، وما يمكن ان يحدثه التشكيل الجديد من تغيير على تركيبة الحكم باضافة عناصر جديدة من الموقعين على السلام.
ولكن رغم كثافة هذا الحديث إلا انه لم يتعد التكهنات والتخمينات حول الشخوص والوجوه المتوقع استوزارها، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى اجراء أي تغيير أو تعديل أو اصلاح في منهج الحكم والسياسات العامة، التي ظلت محل انتقاد حتى داخل الحاضنة السياسية للحكومة (قحت) التي انبرت منها جماعات تنتقد الحكومة بقوة وتدعو للاصلاح والتغيير وان لم تنفض يدها وتتبرأ منها تماماً، ولو تمت التشكيلة الوزارية بهذا المعنى، فانها لن تعدو أن تكون سوى تكرار لكل التشكيلات الحكومية السابقة، والتي لم تكن غير تبادل للمواقع دون أي تبديل في منهج الحكم وأساليبه، وسيظل أي تعديل يتم على هذا النحو بلا أثر ولا معنى، ويتفاءل الكثيرون بأن تأتي تشكيلة حكومة مابعد السلام خلافا لما اعتادوه من تشكيلات سابقة شكلا وموضوعا، ولعل عملية التهيئة والتحضير والتحشيد التي سبقت وأعقبت سلام جوبا كان لها أكبر الأثر في رفع سقف التوقعات المرتجاة من مخرجات هذا السلام ومن بعده الحكومة التي ستتأسس على هديه، ولهذا فان الناس ينتظرون الجديد الذي يمكن أن ينقل البلاد نقلة نوعية تتخطى بها المرحلة التي ظلت تراوح مكانها فيها وتتأرجح مثل بندول الساعة، ولكن ما يتوقع ان يدور خلف الكواليس من منازعات حول كيكة السلطة الصغيرة التي تتناوشها الايدي الكثيرة لا تشي بأن جديدا قد يطرأ على المشهد، فالذي يبين بين ثنايا هذا النزاع أنه سيدور حول السلطة وحظ كل مشارك في السلام منها ومن ينال هذا المنصب أو ذاك وليس على البرامج والاهداف، ومن مؤشرات ذلك السالبة اننا لا زلنا بعيدين عن المأسسة والمؤسسية، فحين تتأسس مؤسسات الدولة على هدى المؤسسية وتقوم على مطلوباتها تنتفي أي حاجة لخوض صراعات حول من يتولى هذا المنصب ومن يتسنم ذاك طالما أن البرنامج متفق عليه، ولكن يبدو ان حليمة ستأبى إلا أن تمارس عادتها القديمة، وسننتظر لنرى ما الذي سيجري حول تقسيم المناصب السلطوية بعد ان تنضم قيادات مسارات السلام الخمس لتنال نصيبها من القسمة، سائلين الله ان يكضب الشينة.
صحيفة الجريدة