* وصلتني رسائل كثيرة تنتقد كتاباتي السلبية عن مفاوضات جوبا والاتفاقية التي وقعت بالأحرف الاولى اول امس، واتهمنى البعض بالعنصرية، والبعض الآخر بوجود خلافات شخصية بيني وبين قادة الجبهة الثورية، والبعض بأنني لا اعرف شيئا عن دارفور وطلبوا منى زيارتها ومقابلة النازحين في المعسكرات حتى اتفهم الأوضاع بشكل جيد قبل الكتابة واتهام الجبهة الثورية بأنها تبحث عن المناصب وليس السلام!
* لن ارد على اتهامات العنصرية وشخصنة المواضيع، فلقد تعودتُ عليها وادرك تماما أن معركة الوعى من اصعب المعارك في الدنيا لا يتحملها الا ذو عزيمة قوية ومبادئ راسخة، ولكنني اقول للذين زعموا عدم إلمامي بمشكلة دارفور ومعاناة اهلها، إنني أعرف دارفور جيدا ولقد زرتها مرات عديدة في خضم الحرب عامي 2003 و2004 عندما لم يكن احد يجرؤ على دخولها، بغرض التعرف على المشكلة ورؤية الدمار الكبير الذى لحق بها والتحقق من الجرائم التي ظل النظام ينكر وجودها ويتستر عليها، ولقد دخلتها سرا في احدى المرات برفقة نفر كريم من ابناء دارفور عندما كانت زيارة الصحفيين ممنوعة بتعليمات من جهاز أمن النظام البائد!
* وتيسرت لي زيارة القرى المحروقة والمعسكرات واللقاء بالمواطنين والنازحين والجنجويد وبعض المسؤولين، وكتبتُ عنها عشرات المقالات كان لها وقع داخلي وخارجي كبير، وأعادت نشرها مترجمة الكثير من الصحف الغربية الكبرى، وضمتها منظمات عالمية عديدة الى ملفاتها عن دارفور، مما عرضني لمضايقات الامن المتنوعة واتهامي بالعمالة والخيانة من بعض باش كتبة النظام البائد خاصة بعد الحوار الذى أجريته مع (يانك برونك) ممثل الامين العام للأمم المتحدة في السودان لمراقبة تنفيذ اتفاقية نيفاشا، والذى فهمه البعض بأنه تحريض للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإرسال قوات دولية الى السودان بسبب عجز قوات الاتحاد الأفريقي عن حماية مواطني دارفور والنازحين في المعسكرات من تغول قوات الحكومة وعناصر الجنجويد، وهو القرار الذى اتخذه مجلس الامن فيما بعد بإرسال قوات دولية افريقية مشتركة تحل محل قوات الاتحاد الأفريقي في دارفور!
* ودعتني وزارة الخارجية الامريكية في عام 2005 مع الزملاء (يسن حسن بشير ودكتور مرتضى الغالي وشمس الدين ضو البيت والصادق على حسن الامين العام الحالي لهيئة محامى دارفور) لزيارة الولايات المتحدة ولقاء المسؤولين في وزارة الخارجية ووزارة العدل والكونجرس ومعهد السلام بواشنطن والكثير من المنظمات والصحف في نيويورك وواشنطن وبعض الولايات الامريكية الاخرى لتنويرهم عن دارفور وتقديم مقترحات للإدارة الامريكية عن كيفية التعامل مع المشكلة، وقدمنا الكثير من المحاضرات والندوات والاوراق التي استندت عليها الادارة الامريكية في تقييم الاوضاع في دارفور ووضع تعريف قانونى للجرائم التي وقعت فيها واتخاذ القرار المناسب للتعامل معها.
* (مشكلتي) ــ لو كانت بالفعل مشكلة ــ هي أننى اعرف دارفور جيدا، وليس العكس، ولدى اتصالات مكثفة بكثيرين هناك لم تنقطع منذ عام 2003 ، واعرف ان الذين يقيمون في معسكرات النزوح لا يعترفون بمفاوضات جوبا، ويعرفون انها لن تحقق السلام الحقيقي ولن تفعل شئيا سوى ضمان بعض المناصب للمفاوضين مثلما كان يحدث خلال العهد البائد.
* للأسف الشديد لقد افرغوا مفاوضات السلام من محتواها، وحولوها الى محاصصات ومسارات .. مسار وسط ومسار شمال ومسارات دارفور ومسار الشرق ومسار النيل الازرق ومسار كردفان بتخطيط من العسكر لتكبير كومهم في السلطة وإحكام قبضتهم على البلد ولف الحبل حول الدولة المدنية الديمقراطية .. وليس من اجل تحقيق السلام وانهاء المعاناة
* لا اريد تكرار ما قلته من قبل، ولكن لدى سؤال واحد فقط ارجو ان يجيبني عليه فلاسفة ورعاة المفاوضات ما هي علاقة الوسط والشمال بالحرب، هذه مشاكل تنمية مثل أي منطقة اخرى في السودان، رغم ان الوسط هو اكثر منطقة شهدت قيام المشاريع الكبرى في الزراعة وصناعة السكر وغيرها، وان معظم الذين حكموا السودان هم من منطقة شمال السودان !
* قريبا جدا سيفتضح السلام المزيف ويتمخض عن مناصب ووجاهات وزيادة العبء المالي على الدولة واستمرار الحرب والمعاناة .. وسيدرك حينها الذين يوجهون إلينا الاتهامات الآن .. لماذا نعارض مسرحية جوبا !
صحيفة الجريدة