غير مصنف --

شبكات الاتصالات و”الإنترنت” خارج التغطية..

يشكو عدد كبير من مستخدمي شبكات الاتصال والانترنت وهم كُثر من تدهور مريع يُصاحب خدماتهما في الآونة الأخيرة بحيث شابت خدمات الاتصال شوائب كثيرة لم تكن معهودة من قبل، فتداخلت أصوات المتصلين مع بعضها البعض، إضافة إلى قطوعات متصلة وصعوبات في الاتصال بالعاصمة الخرطوم وفي أجزاء من الولايات التي ترد عليك بأن هذا المشترك خارج نطاق الشبكة.

في حين يعاني مستخدمو الانترنت من البطء وضعف الشبكة بصورة أربكتهم وجعلتهم في حيرة من أمرهم، كما أشاروا إلى زيادات في تعرفة قيمة المكالمات وفي باقات الانترنت دون إشعار من الشركات.

كما كانت لجنة الطوارئ الاقتصادية في السودان، قد قررت في اجتماعها يوم 18 يونيو الماض ، إجراء تحقيق فيما يتعلق بقطاع الاتصالات. وقال آدم حريكة مقرر اللجنة إن الاجتماع قرر أيضاً مراجعة الكيفية التي تم فيها بيع شركة “موبيتل” للاتصالات أول مشغل للهاتف المحمول في السودان، وآلت ملكيتها بالكامل في العام 2006 إلى مجموعة الاتصالات المتنقلة.

و أجرت الصيحة استبياناً حول مدى جودة شبكات الاتصال والانترنت في الوقت الحاضر، حيث كشف الاستبيان أن هنالك تردياً واضحاً في خدمات الاتصال والانترت، وأكد البعض أن معظم شبكات الاتصالات زين أو سوداني أو إم تي إن لا تصل إلى كل أرجاء السودان، بل ذكروا أن مدينة بورت سودان تفتقر الى شبكات الاتصالات في بعض أحيائها، وأشار الاستبيان إلى بطء في الانترنت في كل الشبكات وإلى خروج الشبكات من الخدمة حتى في العاصمة الخرطوم.

العالِم البروفيسور علي شمو وزير الإعلام الأسبق، أقر بضعف الانترنت وتردي خدمات الاتصالات في السودان، وأشار في حديثه بوجود ضغط كبير على الشبكة وبظهور احتياجات بشرية جديدة بشكل يومي لتلك الشبكات، مضيفاً بقوله ما يعني أن احتياجاتنا في السودان أكبر من المتوفر في الشبكات التي توفرها شركات الاتصالات. وقال إن الناس مع ذلك تتحدث عن التعليم عن بُعد بعد ظهور جائحة “كورونا” رغم أن الشبكات الموجودة لا تستطيع توفيره بالمستوى المطلوب لأنه يحتاج إلى شبكات واسعة لكل بقعة من بقاع السودان. وأضاف قائلاً: لا يمكن أن نعتمد التعليم عن بُعد لأشخاص يفتقرون للنت وللكهرباء وعاجزين عن شراء الأجهزة الإلكترونية، وأبان بوجود مشاكل كثيرة في الاتصالات، مضيفاً: (الاتصالات أصبحت عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وهذا العجز أصبح يؤثر إلى حد كبير في إداء المجتمع).

وأضاف قائلاً: تقييمي أن الموجود الآن لا يقابل الاحتياج، وذكر أن قصور شبكات الاتصالات معروف ومن مسؤولية الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية في الرقابة على الشركات، وفي التأكد من حُسن تغطيتها، ومن وصول الإشارة إلى الناس كافة، وأوضح أن الشركات مطالبة بتوفير الخدمة لأنها مُنحت الترخيص لتوفيرها، لأن حياة الناس كلها متربطة بالشبكة ـ على حد قوله.

وأشار إلى ضرورة وجود تعريفة تفضيلية للتعليم والأغراض الإنسانية، وقال إن طالب الجامعة لا يمكن أن يدفع السعر الذي يدفعه التاجر مثلاً.
وحول الزيادات التي تمّت في تعرفة الاتصالات والانترنت، قال: المشكلة الآن لا أحد يستطيع المناقشة، وعليه أن يدفع دون إبداء رأي فأصبحت كلفة الفاتورة إذعانية لان المشترك لا يملك أي خيار، رغم أن الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية القانون يمنحها الحق في المصادقة على التعرفة ولا يمكن للشركات أن تفرض تعرفة إلا بعد موافقتها.

في حين ذكر مهندس الاتصالات أحمد علي، إن الإعلامي جورج قرداحي كان قد فاجأ المشاهد العربي عبر برنامجه ذائع الصيت (من سيربح المليون) قبل عقدين من الزمان بأن أفضل دولة في مجال الاتصالات هي السودان متقدماً على كثير من الدول العظمى.

وقال: تلك النهضة كانت ثمرة يانعة لجهود وعقول خبراء وطنيين، وأضاف: كانت خدمات الاتصالات عبر شبكة الألياف الضوئية أولاً، ثم خدمات الهاتف السيار في مرحلة لاحقة تكاد تغطي كل السودان القديم، وقال إن ثورة الاستثمارات تمر عبر بوابة الاتصالات.. ومعها خدمات الأسواق الإلكترونية، والبورصات العالمية، والحكومات الإلكترونية وثورة المعلوماتية، والتعليم عن بُعد..

مضيفاً: كانت خدمات الاتصالات عندنا مؤهلة لكي تقود الحكومة الإلكترونية وثورة المعلوماتية والتعليم المفتوح.. ولكن لما وُسّد الأمر لغير أهله وَوُضِع في غير محله، اختلت المعادلة وطاشت الخطط بعيداً عن أهدافها، فصار الربح الهوائي، والجري وراء الظهور الإعلامي، هو ديدن من ساقتهم الصّدف إلى قيادة سوق الاتصالات.. وجاءت هذه التعيينات لأهل الثقة والولاء، بدلاً من أهل الكفاءة في مناصب لا تحتمل إلا الكفء والقوي الأمين.. مضيفاً: تعيينات جاءت للأسف الشديد على حساب تطوير المؤسسات، وتجويد الخدمات وتوسعة الشبكات، ومواكبة الجديد من أجيال تكنولوجيا الاتصالات.

موضحاً: كان خطأ فادحاً سماح الدولة لشركات الاتصالات بزيادة عدد مشتركيها والتمدد الأفقي على حساب التطور الرأسي ومن دون أن يكافئ ذلك جهد في تجديد وتجويد الخدمات وتوسعة الشبكات.. وزاد قائلاً: الحال الآن لا نقاء للصوت ولا ضمان لاكتمال عملية اتصال.. وصارت عبارة. (الشبكة طاشة) و(يرجى معاودة الاتصال) عناوين بارزة للاستهبال التكنولجي كما نلاحظ هذه الأيام.

من جانبه، ذكر محمد سيد ـ خدمات تجارب العملاء بسوداني ـ أن الاتصالات تنقسم إلى أرضية وهواتف نقالة، وذكر أن الأرضية تتأثر بأعطال تتعرض لها نتيجة للسيول والأمطار، وقال إن عُمّالهم تعرضوا إلى ظروف قاسية مؤخرًا في إحدى الولايات في مسعاهم لإصلاح أحد الأعطال،

وقال إن الهواتف النقالة لا ينبغي أن تتأثر بسهولة إا في حالة انقطاع الألياف الضوئية (الفايبر) بسبب انقطاع الكهرباء ونقص الوقود أو البطاريات المستخدمة في التشغيل، وقال إن انقطاع الاتصال بسوداني من هواتف زين يوم الجمعة الماضي لمدة سبع ساعات كان بسبب قطع كيبل الربط بين شركة زين وسوداني، إلا أنها سارعت بأصلاحه، وقال إن الانترنت تأثر سلبا بزيادة الطلب عليه بعد جائحة “كورونا”.

ونفى سيد أن تكون شركات الاتصالات اهتمت بالتوسعة الرأسية على حساب توسعة شبكاتها، وقال إن التوسعة تعني الوصول إلى عدد اكبر من المشتركين وتحقيق أرباح أكثر، إلا أن التوسعة تأثرت بالحصار المفروض على السودان وبصورة أكبر بالحالة الاقتصادية العامة في السودان وبضعف قيمة الجنيه أمام الدولار.

وقال إن شركات الاتصالات تُعاني من صعوبات جمة أثّرت على خدماتها.
وأقر سيد بأن الزيادات في قيمة الانترنت والمكالمات التي تمت مؤخراً لم تُعلن بصورة واسعة، وقال إنهم في سوداني قاموا بإرسال رسائل للمشتركين وعبر إعلانات في بعض الصحف، وذكر أن خدمة ريح بالك تم تطويرها لصالح المشترك ولم تفصل المكالمات عن الانترنت كما اشتكى البعض وأبان بزيادة أسعارها.

وقال إن ضعف شبكات الاتصالات في بعض المناطق يعود إلى أن الشركات تركز على المناطق التي فيها اتصالات كثيرة وتجتهد في الأخرى، وأشار إلى تركيز الشركات مؤخراً على مناطق التعدين والعمل على تقوية شبكاتهم فيها كالشمالية ونهر النيل.

كما نفى أن يكون سبب التردي في شركات الاتصالات استعانتها بكوادر غير مؤهلة، وعلّق قائلاً: الاتصالات لا تتحمل كوادر ضعيفة، مبيناً أن العاملين بها من أميز الفنيين والإداريين ومشهود لهم بالكفاءة.
وحول تداعيات بيع شركة “موبيتل” في السابق قال إنه فني ولا يعلم
تفاصيل ما حدث

هاشم حسب المدير التنفيذي لشركة “كنار” قال إن البنية التحتية للاتصالات في السودان شهدت استثماراً كبيراً من شركة كنار، حيث خلقت بنية تحتية ضخمة يمكن أن تعتمد عليها شركات الاتصالات، ولكن هنالك عدد من المشكلات المرتبطة بخدمات الإنترنت في السودان، يمكن تلخيصها في البنية الأساسية للدولة، فبالمقارنة مع الدول الأخرى حولنا، التي نجد أن بها بنية تحتية تسري عبرها شبكات المياه، الكهرباء، الغاز والاتصالات، وهذا غير متوفر بالسودان.

مضيفاً في لقاء صحفي: في قطاع الاتصالات لدينا 4500 كيلومتر من كوابل الألياف الضوئية مدفونة على عمق 60 إلى 90 سنتمتراً، على طول المسارات والطرق الرئيسية في السودان، لكن لعدم توفر الأنابيب الخرسانية لحماية هذه الكوابل من الأعطال والقطوعات، ومن التداخل مع الآخرين (الكهرباء والمياه)، تحدث كثير من القطوعات في هذه الكوابل، ما يتسبب في تدني خدمات الإنترنت.

ومضى قائلاً: إضافة إلى غياب البنية التحتية الموحدة، والتي تعد واحدة من المشاكل الكبيرة التي تواجه السودان خلال الـ30 عاماً الماضية نجد ما سببه الحصار الاقتصادي، وقال إن قطاع الاتصالات واحد من القطاعات التي تضررت كثيراً من الحصار، لأن هنالك عدداً كبيراً من البرامج الفنية، والأجهزة والمعدات، لم يكن ممكناً استجلابها للسودان، وهذا أدى لزيادة التعقيدات والكلفة المادية لاستجلاب المعدات عن طريق طرف ثالث، إضافة إلى عدم فهم أصحاب القرار لماهية وطبيعة عمل قطاع الاتصالات، فالكثير منهم يتصور أن قطاع الاتصالات قطاع مربح للغاية، وبمثابة ماكينة أموال، وبالتالي يتم فرض الضرائب الباهظة والجبايات، فأصبح قطاع الاتصالات غير جاذب للاستثمار الخارجي والداخلي، لأن الكلفة التشغيلية عالية، فهو القطاع الوحيد الذي تفرض عليه الدولة ضريبة دخل، ففي كل قطاعات الأعمال تفرض الدولة ضريبة على الأرباح، أما في الاتصالات فإن الدولة تتعامل وكأنها شريك، حيث تفرض 7% ضريبة على الدخل الكلي.

وحول أسباب تدهور قطاع الاتصالات في السودان، قال: تاريخياً كان القطاع جاذباً، وحتى عام 2012 كان القطاع إلى حد ما مُعافى، واستثمرت الشركات أكثر من 5 مليارات دولار، ما جعل السودان متقدماً على دول كثيرة مجاورة مثل تشاد، أرتريا، أفريقيا الوسطى، جنوب السودان وإثيوبيا، وفي المرحلة الأولى من 2005 إلى 2010 كنا متقدمين حتى على مصر. وأضاف أن سبب تدهوره يعود إلى تدهور الاقتصاد العام للدولة، بجانب فرض الضرائب الباهظة والجبايات المحلية، قانون الاتصالات في السودان، قانون اتحادي، ولكن الولايات لم تكن تعمل بالقانون، كل ولاية كانت تفرض رسوماً وجبايات على شركات الاتصالات بما يتعارض مع القانون الاتحادي.

وقال إن الاقتصاد الكلي للدولة والتقلّب في العملة، وصعوبة التعامل مع النظام المصرفي العالمي قلّل من فرص الاستثمار الخارجي، وبالتالي أدى لأن يكون الاستثمار في القطاع غير جاذب، لصعوبة عمل دراسة جدوى لمدة 5 أعوام، أو حتى لمدة عام نتيجة للتقلّب الكبير في الاقتصاد الكلي.

وأضاف: في إطار التغيير السياسي الكبير الذي شهده السودان وفي إطار الحكومة الجديدة، نحتاج لتقديم رؤية استراتيجية جديدة لهذا القطاع، فبالرغم من كل الصعوبات التي تحدثنا عنها إلا أن الاتصالات تظل قطاعاً واعداً، ولديه مستقبل كبير جداً، إذا توفرت الاستراتيجية الصحيحة من الدولة، عبر تشجيع الاستثمار لهذا القطاع ونهضته ومواكبته للحداثة في المنظومة العالمية، فالتقانة أصبحت تلعب دوراً مهماً في الزراعة والصناعة والتعدين والصحة وفي كل مناحي الحياة، العالم أصبح يتحدث الآن عن الاقتصاد الرقمي، واقتصاد المعرفة، وهي اقتصادات لا تقوم إلا على التقنية.

وطالب الدولة بمراجعة سياساتها تجاه هذا القطاع لإنقاذه من الهاوية، وخلق رؤية استراتيجية واضحة جاذبة ومشجعة للاستثمار، وقال: لا بد من وجود قوانين صارمة تحمي المستثمر، لأن ما شهده القطاع يمثل نموذجاً ناجحاً للاستثمار الأجنبي، وكان يمكن أن يكون أفضل لو توفرت له الرعاية اللازمة.

تحقيق : محيي الدين شجر

الخرطوم : صحيفة الصيحة

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button