السودان اليوم:
هاتفني شقيقى الأستاذ أنس محمد على أنه كان في زيارة للشريف أحمد الصديق الهِنْدي ببُرى وحمّله تحياته لنا وأنه مُتابِع لما نكتبه عبرالصحافة. حقيقة أسعدتني المتابعة وشرفني السلام من رجلٍ في قامة الشريف أحمد، رجلُ علمٌ ودينٌ و أخلاق .وهو ابن (العيكورة) الذي يعرفها فرداً فرداً و يحفظ عن ظهر قلب منازلها وأزقتها وزرائبها ولياليها المُقمِرة طالما كانت بواكير طفولته هناك و ذكريات أترابه الذين لعب معهم، ولا أظن أن الشريف أحمد يجهل فرن حاج اللصم ولا الجِزارَات ولا سهلة الغنم ولا خياط القرية عوض جمعة وفضل الله (رِيْرى) ولا ترس البحر شرقاً ولا الغابة و لا شجرة (الرَحّام) تُطارد الأطفال عنها ولا جنينة حمّاد توفيق وحارسها جيب الله ولا محمد الصومالي ولا دكان ود خوجلي و لا قهوة ود عِزيّز لا أظنه يجهل كل ذلك .فرغم مشاغله التي امتدت سنين عديدة منذ بقائه بالخارج مُلازماً لعمه الشريف الحسين الهندي مُروراً بفترة قضاها مُحاضِراً بإحدى جامعات المملكة العربية السعودية وانتهاءاً بتكليفه بخلافة والده الشريف الصديق طيب الله ثراه على رأس الطريقة الهندية ببري وما لها من مهام جِسام فرغم ذلك فما زال الرجلُ مُشاركاً في مُناسبات القرية و مواسياً وعائداً للمرضى و واصِلاً لأرحامه فله مِن الله السند والعون.
و يظل السؤال القائم ما هي علاقة الشريف يوسف الهندي بالعيكورة ولماذا سُمِي بالهندي؟ حقيقة ما تواتر سماعاً و منقولاً يظل منقُوصْاً وغير متسلسل الأحداث وحتى عبر هذه السطور لن تكتمل الصورة . فالروايات التي أجمعت عليها وسائط البحث تُؤكِد أن نسب الشريف يوسف الهندي ينتهي إلى سيدنا الإمام على كرّم الله وجهه و أن مَنْ هاجر من الجزيرة العربية هو الجد السادس للشريف يوسف هو الشريف محمد الشهير (بالهندي) وجاءت التسمية منسوبةً لمُرضعته بمكة يُقال أنها كانت هندية الأصل . فالشريف محمد الأمين والد الشريف يوسف تزوج من السروراب و ارتحل إلى قرية الشريف يعقوب على الضفة الشرقية لنهر الرهد وهناك وُلِد له الشريف يوسف عام ألف وثمانمائة و تسعة و ستون للميلاد . ترعرع في كنف والده وهناك قصة طويلة في الزُهد والورع عن مجاهدات الشريف محمد الأمين لا يسِعُ المجال لذكِرها. بعدها انتقل بالخلاوى من الشريف يعقوب الى منطقة (نُوّارة) وهى شرقاً قليلاً من قرية الشريف يعقوب وتقع ضِمن أراضى مشروع الرهد حالياً . بعد أن ضاقت الدار بالشريف يعقوب بالمُريدين وطلبة العِلم . ويُقال أن للشريف محمد الأمين خمسون (تُقابة) قرآن و التقابة هى نار يُهتدى بضوئها لقراءة وكتابة و حفظ القرآن .فذُكِر أن النسوة بالقرية كُنْ يغزِلنْ القُطن على ضوئها فى بيوتهن . وبلغ عدد طلابه الآلاف آنذاك.ثم ذكرت الروايات مجاهدات الشريف محمد الأمين تحت راية المهدية وسفره لمبايعة الإمام المهدي (بكردفان) واستلام راية الأشراف حيث وافته المنية (بالرهد أبو دكنة) و قُبِر فيها وما زالت له (حولية) تُقام سنوياً إلى يومنا هذا .
تولى الشريف يوسف خلافة والده فى تعليم القرآن والتجويد وكُتبت عنه صفحات ناصعة في ذلك و له كُتب و مؤلفات عديدة فى الفقه والتجويد والمدائح النبوية ثم عرّجت الروايات إلى إعتقال (الانجليز) للشريف يوسف بقرية (الربوة) جنوب مدينة ود مدنى لخشيتهم من التفاف الناس حوله بعد وفاة والدة و حُكم عليه ثم سُجِنَ (بكوبر) لمدة ستة أشهر وهُنا قصة أخرى لبُرى نذكرها لاحِقاً. ولكن ما الذى أتى بالشريف يوسف الهندى الى (العيكورة) ؟ . فكما ورد سابقاً أن شُهرة (نُوْارة) قد طبقت الآفاق بخلاويها وكان من عادة الناس الهجرة الى طلب العِلم الشرعى لقناعتهم أن الهجرة سُنّة وفيها يحصل الطالب على التفرق التام للتحصيل أو قد تكون لقلة العُلماء وإنتشار الجهل آنذاك و لا أدل على ذلك أن (الأناِدِى) جمعُ (اندايه) وهى خمّارة تُصنع فيها الخمور البلدية كانت جُزءاً من النسيج السودان الإجتماعى ،فكان الصِراعُ قائماً بين جُهود الصوفية لنشر الدين والوعى وبين عاداتٍ تُمسك بتلابيب الفضيلة والتدين بين الناس . نفرٌ من (العيكورة) حفظوا القرآن بخلاوى الشريف محمد الأمين (بنوّارة) وهم أحمد شاع الدين أبو شنب وأحمد ود بابكر و محمد الحاج عبد الرحمن و بخيت ود الفكى البشير وعبد الله ود سنيطة و محمد أحمد سنيطة . وكان من وصايا الشريف محمد الأمين لإبنه الشريف يوسف أن يزور طلاب العلم بعد تخرجهم ويتفقد أحوالهم ويشجعهم على فتح المزيد من الخلاوى فى مناطِقهم للمزيد من التوسع فى نشر القرآن الكريم . فزار الشريف يوسف (العيكورة) لهذا الغرض عام ألف و تسعمائة وإثنى عشر من الميلاد ويُقال أنه دخلها على ناقة وحوله حوارييه فإنقسم أهلُ القرية فريقين الصواردة و الجعليين كُلٌ يُريد الفوز بإكرام الشريف . فأخرجهم من هذا الحرج بأن أمرهم أن يتركوا الأمر لناقته تسير و حيثُ ما بركت فلأهل الأرض حقُ الإكرام فشاءت أقدار الله أن تبرُك تحت ظل شجرة لعباس ود الحاج محمد وموقعها الحالى شمال غرب الجزارات قليلاً فأكرمهم و أحسن رفادتهم و ما كان يدور بخلد الشريف انها ستكونُ نسبٌ وصهرٌ و (تُقابه) قرآن . (نواصل بإذن الله)
The post قصّة الشريف يوسف والعيكورة (1).. بقلم صبري محمد علي appeared first on السودان اليوم.