السودان اليوم:
– القراء الكرام نأخذكم فى هذه الدردشة، يوم الجمعة، قريباً من الشعر وليس بعيداً عن السياسة.
– ذات عيدٍ من أعياد الأضحى، ذهب المشير البشير ليقضِي يوم أو يومين بمروي، دون مراسم رسمية أو شعبية، وفي الإستراحة بمدينة السد، كان هناك عدد قليل من الحضور ليس من بينهم مسؤول محلي أو اتحادي، وكان هناك برنامج ترفيهي بسيط ومصغَّر، شارك فيه الأستاذ حاتم حسن الدابي، الشاعر الكبير إبن الشاعر الأكبر، وما إن أمسك حاتم بالمايكرفون حتى طلب منه البشير قصيدته التى نظمها فى هجاء الإنقاذ وعمر البشير، والتي يقول فى مطلعها:
مَدِّرْ مَدِّرْ ياروَّاسي، نحنا بُعاد وصِّلِنا القيفَة
وَجَمَ حاتم، وعقدت الدهشة لسانه، فقال له البشير مشجعاً قول قول وعليك أمان الله، فحكى حاتم قصة القصيدة والتي ملخصها إنه قابل صديقاً له كان يعمل ضابطاً في القوات المسلحة وأحيل على المعاش فاشتغل بمهنة هامشية بالسوق الشعبي بأم درمان، وحزن حاتم على الحال التي رأى عليها صديقه الضابط المعاشي، فنظم قصيدته تلك، ثمَّ ألقى القصيدة بثبات وحماس وكأنه في ركنٍ من أركان النقاش، وليس في حضرة رئيس الجهمورية، ولست أدري بأي الرجلين أُعجب وأُسر، بشجاعة حاتم الدابي، أم ببساطة عمر!
وقال حاتم فى ختام القصيدة
يارَيِّسنا قَدُرْ مِدِّيرك
فِكَّ الدَّفة، وأدَّها غيركْ
لو طاوعتنا شِنْ بيضيركْ
عَرْضَ أكتافك،وفِكَّ البيركْ
لي هنا شكراً وكتَّر خيرك
– وصفَّق له البشير طويلاً ثمَّ أجلسه إلى يمينه تماماً على مائدة العشاء، وقال بصوت مسموع وهو يتبسم فى وجه الشاعر: (ياحاتم بوريكم عرض أكتافي، لكن إن شاء الله تبقوا رجال تقدروا على البلد دي)!! وواصل البشير قائلاً: (لكن حكاية أفك البيرق، يعني أقوم جاري دي ما بتلقوها مني، يِسْمَعَن)!
– وكان الشاعر طيب الأسماء الرفاعي، قد عارض قصيدة حاتم الدابي في وقتٍ سابق بقصيدة جاء فيها:-
نحنا الغُبُشْ، والريِّس أغبش
ما مغرور فارِشْلُو قطيف
هِمَّة، تحدِّي، هيبة، تواضع
ماسك الدَّفة العاصفة قويَّة
عاتي الموج، شقَّاهو حريف
ثابت أبداً وما بيتزعزع
لأنُّو فدائي، وقلبو نضيف
– سوداننا بلد عجيب ومتفرد في التسامح والتسامي فوق الضغائن والبعد عن هوى النفس المتَّبع. وما أحوجنا اليوم لنبذ خطاب الكراهية والإقصاء وفشَّ الغبينة، والفشَّ غبينتو خرب مدينتو.
لزوم الشرح لبعض المفردات نقول: المِدْرَةُ، قضيب أو (عود) يستخدمه الملَّاح أو (الرواسي) لدفع المركب حين يكون الماء ضحلاً.
قَدُر مِدِّيرَك: يخاطب البشير ساخراً بالقول إنَك رَيِّس لا تُحسن إستخدام المِدرة.
فكَّ الدفة، أترك القيادة.
أدَّها غيرك، أعطها لغيرك.
لي هنا شكراً وكتر خيرك: يعني أرحل وقوم ورينا عرض أكتافك.
The post الدابي يقول والبشير يرد!!.. بقلم محجوب فضل بدري appeared first on السودان اليوم.