السودان اليوم:
السياسة الحصيفة هي ليست بالمنغمسة والمنفذة لسياسة الدول التي تسيطر على الرأي العام العالمي، والتي تكفل لها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإعطائها حق النقض ( الفيتو).
كما أن السياسة الحصيفة ليست منعزلة واضعة بينها وبين تلك الدول جدارا وسدا منيعا.
فالاتجاه الأول يبيع كرامته وشعبه وثروته وموارده مجانا.
بينما الاتجاه الثاني يعاقب شعبه، فيحرمه من الحياة الكريمة؛ لأن العالم بنشاطه الاقتصادي مرتبط ببعضه البعض سواء بالعلاقة بين مواقع الإنتاج وتسويقها، أو بين مواقع التصنيع وإنشاؤها وتحسينها.
وخير مثال لسياسة العزلة حكومة الإنقاذ التي لم تحصد بها سوى تشريد وتعذيب وتجويع من تحكم.
وخير مثال لسياسة الانغماس والذوبان في مطامع الغير حكومة السيسي التي ورثها من نظام مبارك.
فالحكومات الحكيمة والتي تهدف لمصلحة شعبها هي التي تعرف إمكانياتها بحيث لا تستعدي العالم، كما لا ترتمي في حضنه.
فتعرف كيف تضع نفسها في الموقف الذي يجعلها تحافظ على مقدرات وإمكانيات شعبها قدر ما تستطيع دون أن تسيء لكرامتها أو تفرط في أرضها وثروتها.
فسياسة العزلة تعمل بنظرية (الاتجاه الواحد) لا تعرف غيرها فهي لا تميز بين حالتي السلم والحرب، كما لا تميز بين حالتي الضعف والمرونة، وبين حالتي القوة والتصلب على الرأي.
وخلال تبنيها لهذا الاتجاه الواحد لا تنتبه لمن يريد أن يمرر أجندته عبرها، فتجدها تتبنى قضايا وتدافع عنها، وتبذل وتضحي بوقتها وجهدها، بل وأحيانا بمالها وشبابها أكثر من أصحاب تلك القضايا، وما ذلك إلا بسبب أنها تنظر للقضايا من نافذة واحدة ليس لديها أي استعداد لتغييرها أو تبديلها.
أما أصحاب السياسة المنغمسة فسياستهم التي يعتمدون عليها هي سياسة ( المساومة)، وطبعا من يساوم بمقدرات وبإمكانيات وثروات بلده فهي مساومة خاسرة. تبدأ أول ما تبدأ بالمساومة على كرسي الحكم، ولمزيد من مكتسبات تلك الدول تتحول للمساومة بالقضايا الأمنية، والاقتصادية، واغلب ما تخرج به هذه المساومات هي الحلول الوقتية لمن يساوم بوطنه مقابل المكاسب الخرافية لمن يعقد المساومة.
حينما أتيحت فرصة لمحمد مرسي الرئيس المصري المنتخب المفترى عليه ليتكلم وهو خلف القضبان، لم يهاجم عدوه ولم يذكر خطره، وإنما اكتفى بقوله:
بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام. في إشارة واضحة في إلقاء المسؤولية وتبعات ما حدث له لأهله وقومه، وما ذلك إلا بسبب قبولهم للمساومة القذرة التي عرضها عليهم عدوه فقبلوها.
كان يظن المسكين أن الخطر في عدوه ليكتشف أن الغدر والخطر وصاحب الخنجر هو جزء منه قطعة من لحمه ودمه.
سلاحان يحميان من يريد ألا تطاله سياسة العزلة أو الانغماس هما:
الحكمة في تناوله للقضايا بحيث يعرف متى يكر، ومتى ينسحب انسحابا تكتيكيا.
والأمر الآخر هو الأصعب والأندر وهو ولاؤه لوطنه وشعبه لا لشيء آخر.
The post المجتمع الدولي بين سياستي العزلة والانغماس.. بقلم محجوب مدني appeared first on السودان اليوم.