أمس احتفت وسائل الإعلام المحلية بزيارة محتملة لوزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو وفقاً لما نشرته وكالة أنباء “الاسوشيدبرس” ، بومبيو سيزور كلا من تل ابيب ’المنامة عمان والخرطوم. جدوى الزيارة من عدمها في ظل انتخابات امريكية ربما تأتي بآخرين جدد إلى البيت الأبيض، لكن ما هو مهم للخرطوم التي لطالما راهنت على واشنطون بأن تخرجها من وضعها الاقتصادي المأزوم وتساعدها في أن يكون التغيير أمراً فعلياً يستشعره المواطن في حياته اليومية، وعلى الرغم من أن واحداً من أبرز أجندة الزيارة هو ملف “العلاقات” مع تل بيب كما أعلنت ذلك وزارة الخارجية الامريكية وكما يتضح من تركيبة الوفد الذى يضم “كوشنير” رجل اسرائيل في البيت الأبيض ،لكن ما هو مؤكد أن واشنطون سعت إلى أن تعزز خطوات دعمها لحكومة الفترة الانتقالية بهذه الزيارة.
زيارة “مايك” تأتي بعد نحو خمسة عشر عاماً من آخر زيارة لوزير خارجية امريكي “كوندليزا رايس للسودان في العام 2004 وما بين ذاك العام واﻵن ، غادر “الرئيس المخلوع ونظامه” لكن لم تنته الأوضاع التي نهضت من أجلها رايس وأتت للخرطوم بعد أن اشتد القتال في دافور وقتذاك، العقوبات التي انهالت على حكومة المخلوع بعد وقت وجيز من زيارة رايس إضافة إلى تلك الموجودة أصلاً ، ينتظر السودان أن يزيلها خلفها “مايك”، ويشير الخبير بمعهد واشنطن لتحسين السياسات الأميركية في الشرق الأوسط البرتو فرنانديز ـــ القائم بأعمال السفارة السودانية السابق إلى أن السودان يمكنه بعد أكثر من عام بقليل منذ سقوط نظام عمر البشير الذهاب إما نحو نمط مألوف من الخلل الوظيفي، أو نحو مسار رائد لايستفيد منه سكان البلاد فحسب، بل العالم العربي الأوسع وما بعده.
وأشار إلى أن اقتصاد السودان الفقير بالفعل ظل حتى قبل أزمة وباء”كوفيد-19” والانكماش العالمي اللاحق في تدهور مستمر، إذ وصل معدل التضخم حوالى 100%، والبطالة 25%، ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 8% هذا العام بعد انكماشه 2.5% العام الماضي، كما أن على البلاد متأخرات بمليارات الدولارات من الديون للمقرضين العالميين بسبب عدم كفاءة القادة السابقين وجشعهم، كما طُلب من السودان دفع 826 مليون دولار تعويضاً عن تفجيرات تنظيم القاعدة لسفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، ولا يزال اتفاق تسوية هذه المطالبات بمبلغ 300 مليون عالقاً في مجلس الشيوخ الأميركي.
خيار واشنطون:
ويمضى فرنانديز الى أنه أمام الولايات المتحدة خيار مصيري في هذه اللحظة المحورية، اذ يمكنها أن تتعامل مع السودان كما لو كان لديه وقت كاف تماما لتصحيح الأمور، أو يمكن أن تعطي الأولوية للبلاد كحالة عاجلة للدعم الفوري، حالة تقدم فيها فوائد حقيقية للمصالح الإقليمية للولايات المتحدة. واضاف ـــ صحيح ـــ أن السودان وبعد سقوط حكومة البشير لديه فرص اوسع للانفتاح نحو العالم الا أن الطريق لذلك يجب أن يمر بواشنطن . من أجل “تحسين سمعة السودان”، ويرى خبراء أن الدعم والمساندة التي قدمتها حكومة ترمب للسودان ربما مكنتها في وقت ما أن تجيره لصالح اندماجها في المجتمع الدولي بعد عزلة لسنوات طوال ، لكن على الارض ظل وجود اسم الخرطوم على قائمة الدول الراعية للارهاب اكبر عائق في ترجمة ذاك الدعم ، وتذهب استاذ العلاقات الدبلوماسية بجامعة الخرطوم د.تماضر الطيب الى أنه يجب الا يقلل من جدوى الزيارة باعتبارها تأتي في ظل الانشغالات الامريكية استعدادا للانتخابات الرئاسية رقم “59” والمزمع اجراؤها في فبراير المقبل والاستعداد الى وضع ربما يؤدي الى تغيير في تركيبة البيت الابيض. وتضيف أن العلاقات الخارجية لامريكا تقوم على المصالح اولا .
العالم اجمع يبحث عن اي علاقات تقود الى تقوية مراكزه الداخلية عبر علاقات خارجية تدفع باتجاه الحصول على رضا الناخب وتقوده الى الاصطفاف بجانبه في مثل هذه الاوقات ، لكن تماضر تمضي في اتجاه أن هذه الزيارة بحسب حديثها لـ”السوداني” امس الاحد هي اختراق فعلي في تطور العلاقة ما بين الخرطوم وواشنطون ولا يمكن ان تقارن بزيارات سابقة لانها هي الخطوة الاساسية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وان كانت ضمن جولة في بلدان الشرق الاوسط ذات قضايا مختلفة ، وتشدد تماضر الى أن الطريق نحو الانفتاح على المجتمع الدولي ومؤسساته المالية واقامة شراكات استراتيجية وجذب استثمارات حقيقية يجب أن يمر عبر “واشنطون اولا “.
قريبا من تل ابيب
وفى المقابل تتمسك استاذة الدراسات الدبلوماسية بعدم ربط هذه الزيارة بما يدور اﻵن جهرا حول اتجاه عدد من البلدان للتطبيع مع اسرائيل. وتمضي بالقول بانه يجب أن يكون هذا الامر “التطبيع ” ضمن الشرق الاوسط وتضيف أنه وحتى إن كان جزء من اجندة الزيارة لهذا الامر فإن هذا لن يقلل من جدوى وصول بومبيو الى الخرطوم .
زيارة يوم الوقفة:
الخبير في الشأن الامريكي د.الصادق خلف الله يقلل في حديثه لـ”السوداني” من جدوى هذه الزيارة ويضيف أن زيارة بومبيو هي محاولة لتغطية الفشل و الانتخابات الامريكية على الابواب و لدعم السياسية الخارجية للرئيس ترمب التي تتعرض لنقد كبير بل يمضي الى ابعد من ذلك ويقول إن وصول مايك لن تترتب اي فوائد للدول التي يزورها ﻷن الادارة الامريكية اﻵن تفكر فقط في الانتخابات وحظوظ الرئيس ترمب في الفوز بولاية اخرى. ويمضى الى انه لو زار بومبيو السودان قبل عام من اﻵن لاستطاع دعم الحكومة الانتقالية داخليا و خارجيا و لكن زيارته للسودان في الوقت “الضائع” قبل شهرين من الانتخابات الامريكية لن تدعم السودان و خصوصا ان ادارة ترمب نفسها اﻵن في ورطة و ربما لا تعود مرة اخرى.
قائمة الإرهاب ويشير د.الصادق الى انه وحتى إذا رفعت ادارة ترمب اسم السودان من قائمة الارهاب في آخر ايامه سيكون قرارا يحتاج للكثير من العمل من ادارة اخرى ، و سينتهي الامر به كقرار اوباما ورفعه الحصار الاقتصادي في آخر ايام ولايته ، الذي لم يلمس السودان اي تأثير ايجابي اقتصاديا له الى اﻵن رغم مرور ثلاث سنوات ونصف على رفع الحصار الاقتصادي ، ويؤكد أن سبب الزيارة الاساسي هو النقد الذي تعرض له ترمب من منافسه جو بايدن بخصوص سياساته الخارجية الفاشلة فعجل ببيان السلام الاخير الاماراتي الاسرائيلي و زيارة السودان لدعم ملف ترمب الخارجي الافريقي لتحسين صورته امام الناخبين السود و اليهود للفوز بولاية اخرى.وايا كانت الاسباب الا أن الخرطوم تنتظر وصول “مايك” لتنظر داخل حقيبته.
سوسن محجوب
صحيفة السوداني