غير مصنف --

الشاعر هاني أحمدعلي قُوَي : المبدع يجب أن يكون متجردا من أمراض الأنا

أن تكون مبدعا يعني جلوسك بالقرب من مجتمعك، تشاركه أحزانه وآلامه واوجاعه، ومثلما ذهب الشاعر هاشم صديق إلى أن المبدع لو خان الشرف داسو، قلوب الناس تسد الباب، تعاند طبلو وألحانو.. جدل الشاعر ومجتمعه لم يحسم بعد، ومازال الصراع محتدما بين وجود شاعر منكفئ على منتوجه الشعري، وبين آخر يقف ممتشقا سيف نضاله في وجه الطغاة ومشاركا مجتمعه دعوات التغيير.. هاني احمد علي قُوَي، أحد هؤلاء.. من مواليد امدرمان ١٩٨٠ .. نشأ وتربى في مدينة ودمدني .. ودرس بها جميع مراحل التعليم العام.. ثم كلية الطب بجامعة الجزيره حيث تخرج في نهاية العام ٢٠٠٣ م . عمل اثناء فترة الامتياز بعدة مستشفيات بين مدني والخرطوم .. ثم كطبيب عمومي بمدينة سنار حتى تاريخ التحاقه بالتدريب في طب الاطفال، حيث تنقل بعدها بين ودمدني وكسلا والخرطوم .. ثم غادر الى المملكه العربية السعودية وقضى بها أربع سنوات أكمل خلالها زمالة الكلية الملكية لطب الاطفال، ومن ثم غادرها في العام ٢٠١٦ الى المملكة المتحدة لاكمال التدريب في طب الاطفال ولازال بها حتى تاريخ كتابة هذه السطور..

* الشاعر هاني وبداياته الشعرية، حتى تجربة أبنوسية العينين؟
– كانت لدي اهتمامات بالكتابة من مراحل مبكرة ولكنها لم تأخذ الشكل الناضج إلا في المرحلة الثانوية والجامعة وما بعدهما .. نشرت العديد من كتاباتي في مهرجانات الجامعة وكلية الطب الثقافية وغيرها.. لدي مدونة خاصة على الانترنت فيها بعض الكتابات النثرية والقصاصات والمقالات وكذلك على الفيس بوك .. مجموعة ابنوسية العينين، صدرت في المملكة المتحدة في 128 صفحة وبها 38 قصيدة بالعربية الفصحى، قدم لها مشكورا الشاعر المعروف الاستاذ الدكتور الزين عباس عمارة ..

* (كورونا).. جعل الاحتفاء بميلاد الديوان.. يأخذ شكلا مغايرا لما تم التعارف عليه في الوسط الأدبي.. من أين جاءت الفكرة..؟
– تدشين المجموعة تم عبر لقاء اسفيري على منصة التواصل الاجتماعي، كان فكرة الدكتور عبدالباقي أحمد، وهو أيضا الذي شجعني على الطباعة والنشر لهذه الكتابات.. نتيجة للظروف التي نعيشها حاليا بسبب جائحة (كورونا) فقد تعذر عمل التدشين بالشكل التقليدي المعروف لتعذر جمع عدد كبير من الناس في قاعة.. ولذلك كانت فكرة اللقاء الاسفيري مع بثه بشكل حي ومباشر ايضا على (الفيس بوك).. والحمد لله، أظن انه لاقى نجاحا كبيرا جدا، فقد كان الحضور بالالاف اسفيريا وهو مالم يكن سيحدث ان كان التدشين في قاعة.. المختلف أيضا هو الحضور الأنيق للأساتذه الكبار الشعراء الاطباء بروفيسور الزين عمارة وبروفيسور معز عمر بخيت وبروفيسور سلافة خالد ود.أحمد فرح شادول، وحضره أيضا الدكتور عبدالباقي أحمد الذي نسق وجمع بين كل هؤلاء القامات وقام بتعريفي إليهم، وقامت الاستاذه جدية عثمان الاعلامية المعروفة بتقديم اللقاء وادارة الحوار بلباقة واحترافية فخرج بشكل جميل أشاد به كل من حضره.. وقام الصديق والزميل د.عبدالعظيم ابراهيم بإدارة منصة اللقاء الالكترونية والدعم التقني مقتطعا من زمنه الخاص فله أيضا التحية والتقدير..

* ما علاقة ديوان ابنوسية العينين بمبادرة الاجهزة الطبية، وهل هناك توقعات بنجاحها؟
– كنت قد عرفت بتفاصيل النقص في الأجهزة والمعدات في وحدة حديثي الولادة بمستشفى ودمدني للنساء والتوليد في اواخر العام الفائت 2019،( وهي اجهزة تساعد في علاج ومتابعة الاطفال الخدج)، وذلك عن طريق التواصل مع د.أميمة الاختصاصية بالوحدة وأيضا هي دفعتي في كلية الطب جامعة الجزيرة.. فوعدتها بأنني سوف أحاول أن أساعد بشكل ما، ولم يكن في بالي وقتها موضوع الديوان .. وفي أثناء التجهيز لطباعة المجموعة طرأت لي فكرة أن اتبرع بكامل ريع توزيعها لصالح الوحدة وفعلا قمنا بطباعة هذه المعلومة على الغلاف الخلفي حتى يعرف كل من يقتني نسخة منه أنه قد شارك في هذا العمل .. وقمنا أيضا اثناء لقاء التدشين بذكر هذا الأمر لتشجيع الناس على المشاركة ودعم الوحدة عبر بنك الخرطوم حساب رقم 1394421 باسم د.أميمة صلاح عمر ..

* حداثة الفكرة الا تقود للتخوف من الفشل.. ام للتفاؤل كلمته؟
– نعم .. انا متفائل جدا بنجاح المبادرة وحتى الآن لم يخذلني الاصدقاء والمعارف وغيرهم وتوالت التبرعات حتى ممن لم يرغب في اقتناء الكتاب ولهم جميعا اجزل الشكر ونسأل الله أن يثيبهم على ذلك بفضله، ولكن لازلنا نحتاج للمزيد ونحتاج لاعلام وصدى حتى تصل المبادرة الى اكبر عدد من الناس ونثق في أن أيدي الخير ستمتد بالكرم المعهود حتى نحقق الهدف المرجو ..

* الواقع الثقافي في السودان وظروف النشر.. هل مقنعة لدكتور هاني؟
– الاجابة المباشرة هي لا .. الواقع الثقافي لايمكن فصله عن بقية تفاصيل مايحدث في الوطن سياسيا واجتماعيا وحتى ماديا . في عهد النظام البائد كان هناك تكبيل للاقلام وتكميم للأفواه التي تعارض النظام مما أدى لاختفاء قسري لكثير من المبدعين في شتى المجالات وهاجر أغلبهم الى المنافي بحثا عن عيش افضل .. أيضا القبضة الأمنية بما يسمى بالرقابة القبليه عملت على منع نشر العديد من الأعمال وحرم العديد من الادباء والمثقفين من فرصة الظهور في المنابر الاعلامية المختلفة لمعارضتهم للنظام، وأثر كل هذا على النشر بالتأكيد اما لفقدان الرغبة والحماس أو لضيق ذات الحال بارتفاع تكلفة الطباعة .. الجميل أنه خلال الثورة ظهرت العديد من الابداعات المختلفة والجميلة جدا والتي تبشر ببداية أفضل لواقع جديد وكذلك التغيير السياسي الذي سيعطي متنفسا اكبر وبلا حدود للمبدعين .. ولكن كما أسلفت ونظرا لكل ما يمر به الوطن حاليا من مخاض سياسي وانتقالي عسير، تظل الثقافة جزء من هذا الواقع تحتاج لإنعاش وإعادة إحياء ولن يكون هذا بين يوم وليلة ولكن طالما توفرت الإرادة والابداع سيصبح الواقع أفضل وسيكون كما قال محجوب شريف ( نبني نبني نبني.. مسرحا ونادي.. مصنعا وبوستة.. حرب لا لا لا.. كبري استبالة.. صالة للثقافة)

* هاني أحمد من الأسماء غير المعروفة في أروقة الشعر والمنصات المحلية.. هل للغربة تأثير.. أم للأمر علاقة بالتجربة؟
– الأمر له علاقة بتوفر الفرص للظهور لكي تصبح معروفا .. اصدقائي وزملائي وبعض الاهل على علم بتجربتي في الكتابة .. وكما أسلفت في الجامعة أيضا شاركت في بعض البرامج الثقافية والمنتديات .. ولكن أيضا الانشغال بتطوير الذات في مهنة الطب يأخذ الكثير من الوقت ولا يترك مجالا مريحا لنشر الأعمال وتعريف نفسك للآخرين، لذلك ظلت تجربتي في حدود .. أنا الآن اعمل خارج الوطن لما يزيد عن ٩ سنوات ولأكون صريحا أيضا معك أصبحت شحيح الكتابة للشعر، مؤخرا اتجهت اكثر للسرد والمقالات التي انشرها على مدونتي او على صفحتي في الفيس بوك ..

* هل لهاني دواوين أخرى..؟ وماذا بشأن المستقبل؟
– ابنوسية العينين هي مجموعتي الشعرية الاولى وهي بالفصحى، وأقوم الان بتجهيز مجموعتي الثانية بالعامية السودانية للنشر، وأحاول أيضا جمع بعض القصاصات المتناثرة هنا وهناك من الكتابة النثرية في كتيب واحد وهذا في المستقبل المنظور باذن الله..

* مبادرة طرح الديوان لصالح المستشفى تحيلنا لتساؤل حول دور المبدع تجاه قضايا الوطن..
– للمبدعين دورهم في نهضة الأمم، الشيء الذي لا ينكره الا مكابر .. وكذلك تفاعلهم مع قضايا واشكالات مايحدث فيه .. فهم في الاساس جزء منه . على مر العصور كان للادباء والشعراء ادوارهم، فهم يمجدون قومهم في ابياتهم ويرفعون من شأنهم، يدافعون بالكلمة ويدفعون بالحرف عن وطنهم. في عصرنا هذا لعل الدور الأهم هو الدور التوعوي والتنويري، باستخدام ادوات الابداع المختلفة من رسم وشعر وقصة ومسرح وغيرها، لدعم القضايا اليومية في حياة الناس وكذلك القضايا المصيرية.. ولكن هناك ادوار أخرى مثل اعمال الخير والاعمال التطوعية والمجتمعية التي يكون لمشاركة المبدع فيها دورا تحفيزيا للآخرين ليشاركوا بدورهم. اضرب لك مثالا واحدا فقط ولكنه بألف مثال: مبادرة رد الجميل التي اصبحت لاحقا منظمة تطوعية مسجلة، والتي ابتدرها وأسسها الراحل المبدع محجوب شريف والتي اصبحت مشاريعها وانجازاتها تلمس المواطن في حياته اليومية، ولا اريد أن افصل في ذلك فهي معروفة للكل.. هكذا يجب أن يكون المبدع، متجردا من امراض الأنا ومشاركا بفاعلية بالكلمة وبالفعل معا.. رحم الله الراحل محجوب شريف فقد أعطى بلا حدود..

نص شعري
أبنوسيّة العينين
اليوم جئتُ وليتني ما قد أتيت
اليوم أدرك أنني ما قد نسيت
اليوم أدرك أنّ ماضينا معاً
سيطالني حيثُ انتهيت
وأنا الذي قد كنت أرجو
محو رسمكِ من كتاب الذاكرة
فكتبتُ فيه بأنّ قلبي مرفأٌ
وأتيتِ أنتِ مسافرة
فتركتِ تذكاراً هناك
وأخذتِ آخر من هنا
ورحلتِ مثلكِ مثل أيّ مسافرة
لكنني
(عيناك والجرح القديم) عزيزتي
ستظل ملء قصائدي
حتى قيام الآخرة
أوّاه يا بعض التمنّي والتجنّي
والسنين الذابلة
كم قلتُ في سرّي بأني
لستُ منكِ ولستِ مني
وأنّ قدري ذات يومٍ
أن تضِلّ القافلة
فأعيش بين الذكريات وأنزوي
مثل النجوم الآفلة
أوّاه يا رهق الليالي المُقبلة
أَوَكلما ألقاكِ – أبنوسية العينينِ –
أرجع مُثقلا
لأداعب (الحزن القديم)
أو (النبيل)
أو الذي
لا يرتضي (بالدمع ثوباً) أمثلا
أَوَكلما أنساك فرضاً
ترجعين كنافلة
قلبي يضجّ كما الدفاترِ
حائراً بالأسئلة
ولّى زمان الأسئلة
ولّى زمان الأسئلة
فاليوم أنتِ بعيدةٌ
بُعد السماء
ممنوعةٌ كقصائدي
فهناكَ غيري في المساء
يهفو إليكِ
فإنني حزناً سأمضي
ربما كالشِّعر أيضاً ذاتَ يومٍ
سوف أحترفُ البكاء

ماجد القوني

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى