السودان اليوم:
لم يعد خافياً أن الحكومة الإثيوبية بدأت تتعامل بسياسة الأمر الواقع مع السودان ومصر دون اعتبار للاتفاق الذي تم بشأن عدم اتخاذ أي قرار أحادي بشأن ملء بحيرة سد النهضة إلا بعد التوافق بين الدول الثلاث.. مواقف السودان من مشروع سد النهضة يكتنفها كثير من الغموض كما أنها ظلت متأرجحة ومتذبذبة طيلة السنوات الماضية حسب درجة حرارة الطقس السياسي بين الخرطوم وأديس أبابا من جهة، وبين الخرطوم والقاهرة من جهة أخرى، وهي سياسة زئبقية انتهجها نظام البشير تعتمد اللعب على كل الحبال و(مسك العصا من النصف)، فقد كانت مواقف نظام المخلوع ايام مع السيسي وأخرى مع آبي أحمد، مثلما كان الحال مع السعودية وقطر، وإيران أمريكا، وموسكو وواشنطون، وانقرة وأبو ظبي، حيث يختلط الاستراتيجي بالتكتيكي…
نظام البشير لم يتعامل مع قضية سد النهضة بِبُعديها الاستراتيجي والأمني فقد كانت النظرة سطحية وعاطفية لم تتجاوز موضع القدمين ولم تخرج من لغة المناورات السياسية والبُعد التكتيكي.. وجاءت حكومة حمدوك ومضت على ذات الطريق فكانت في بادئ الأمر (دافنة دقن) مع أديس فتلبس موقف الدولة الرسمي بالنظرة العاطفية نظراً للدور الذي لعبه آبي أحمد لتجسير هوة الخلاف بين المجلس العسكري، وقوى الحرية والتغيير ، ثم اتجه الموقف الآن مع القاهرة خاصة بعد الفتور المكتوم في العلاقات بين الخرطوم وأديس على خلفيات هجمات المليشيات الإثيوبية المسنودة ببعض فصائل الجيش على منطقة الفشقة السودانية، ولعل مقال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة الفريق أول البرهان الأسبوع قبل الماضي يشير إلى هذا التوتر المكتوم بوضوح..
القرار الأحادي الإثيوبي فيه تحدٍ سافرٍ وعدم احترام للشركاء واستخفاف بهم، وهو مؤشر يعكس نية إثيوبيا في تحدي شركائها وتنفيذ كل خططها وأطماعها … الموقف السوداني من هذه القضية الاستراتيجية الأمنية تحول من (الزئبقي) إلى موقف يُعبر عن غيبوبة الدولة.. أقول غيبوبة بملء الفم ودليلي على ذلك البيان الرسمي الصادر عن وزارة الري باعتبارها الجهة الفنية المسؤولة حيث عبر بيانها عن غياب تام وعدم متابعة و(تسطيح )، إذ استهلت بيانها بعبارة (تناقلت وسائل إعلام شروع إثيوبيا في ملء بحيرة السد…) وجاء بيانها بعد امتلاء البحيرة ، ( وهي يادووووبك بتتحرى في المعلومات التي تناقلتها الوسائط ، صحيحة ولا ما صحيحة ، والبحيرة امتلأت) وهذه المعلومات المتداولة كان يجب أن تكون هي مصدرها قبل الآخرين، لتبني عليها مواقفها وقراراتها وسياساتها الاستراتيجية.. دعونا من الفات المطلوب الآن اتخاذ قرار وموقف بحجم دولة ومؤسس على المعلومات الدقيقة ومبني على النظرة الاستراتيجية والمستقبل، واسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون… كونوا رجال دولة ولو لمرة واحدة ؟ متى يا قوم.. متى ستكونون.. اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
The post الدولة في غيبوبة.. بقلم احمد يوسف التاي appeared first on السودان اليوم.