-١-
التعديلات التي تمت أخيرا على القوانين باﻹمكان اﻷخذ منها والرد.
كل طرف يفعل ذلك من زاوية نظره ومن منصة انطلاقه.
هنالك من يحتفي بها باعتبارها تعديلات جوهرية وضرورية، لترسيخ قيم نادت بها الثورة وضحى من أجلها الشباب.
آخرون يعتبرونها ردة قانونية ودينية تستلزم المقاومة والتصدي لها بكل قوة وشجاعة.
وكان خيارهم الدعوة لتظاهرات تنطلق من المساجد (الجمعة القادمة).
-٢-
أجد نفسي متجاوبا مع بعض تلك التعديلات ومتحفظا على أخرى ولكن ليس ذلك موضع اهتمامي هنا ولا مراد حديثي.
حينما خرجت الجماهير لمواجهة حكم البشير كتبت وقتذاك :
الحكومة قامت بتوفير المواد الخام للثورة عليها .
بات النظام وقتها، عاجزاً عن حل مشكلات وأزمات الحكم، خاصة الاقتصادية منها.
وليس له إجابات على أسئلة الأجيال الجديدة.
أما ما فجَّر الأوضاع وبلغ بها المنتهى، اعتزام البشير تعديل الدستور وإعادة ترشُّحه في انتخابات 2020م.
فما كان للشعب أن يحتمل معاناة الحاضر بكل قسوتها، ويسمح للبشير بمصادرة المستقبل!
-٣-
اﻵن تفعل حكومة دكتور عبد الله حمدوك شيئا قريبا من ذلك :
وهو توفير المواد الخام للثورة عليها أو التمهيد ﻻنقلاب مفاجئ أو ترشيح البلاد للفوضى.
التعديلات القانونية عبرت في بعض جوانبها عن توجه فكري صارخ أراد (المشرع) فرضه عسفا، دون مراعاة لمترتباته على الواقع السياسي.
-٤-
توجد قضايا ملغومة وذات حساسية عالية في المجتمعات التقليدية ذات صلة بالدين والأعراف .
تحتاج تلك القضايا التعامل معها بحكمة وحذر وتصويب دقيق .
حتى لا تؤدي لانفجارات كارثية تتجاوز حرق أصابع المتعاملين بجهل وعدم معرفة.
السياسي الحصيف من يستطيع اتخاذ القرار المناسب في الوقت الصحيح بالطريقة السليمة، مع تقليل الآثار الجانبية السالبة، ﻷدنى حد ممكن.
السياسة لم تعد طق حنك ومقدرة على الفهلوة وخداع الجماهير بالشعارات البراقة والخطب الرنانة.
السياسة علم رياضي قائم على الحسابات الدقيقة المتعلقة بالمسافة والزمن والقياس وتوقع ردود الأفعال.
-٤-
لذا تجد الدول المتقدمة تخضع جميع قراراتها وسياساتها للدراسة والبحث في المراكز المتخصصة.
مراكز تدرس كل شيء من كل الجوانب وتضع أمام متخذ القرار خيارات متعددة ليجد بينها ما يحقق مبتغاه.
أكاد أجزم أن التعديلات الاخيرة زجت بها مجموعة قانونية مسيسة على عجل ،وتحت أضواء خافتة، استباقا لتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي (ما دايرين نقة كتيرة).
تعديلات لم تجد حقها من البحث لمعرفة مترتباتها على مسيرة الحكومة الانتقالية.
-٥-
دعك من الجدل المثار حولها بين قادح ومادح ومحايد.
صدورها في هذا الوقت الذي تعاني فيه حكومة حمدوك ظروفا بالغة التعقيد سياسية واقتصادية، خطأ فادح وسوء تقدير.
بتلك التعديلات أهدت حكومة حمدوك مادة خام شديدة الاشتعال للتيارات الدينية (الحديثة والتقليدية) ووحدة خطابها السياسي.
وجدت التعديلات رفضا وتحفظا من قطاع ديني عريض.
يمتد من الشيخ عبد المحمود أبو أمين شؤون الانصار الى عبد الحي يوسف ومحمد عبد الكريم في أقصى اليمين.
-٦-
حينما تم اختيار دكتور عمر القراي لإدارة المناهج كتبنا في هذه المساحة:
لو تم اختيار الدكتور عمر القراي لوزارة الخارجية أو أي وزارة أخرى لكان اﻷمر مقبولا ومعقولا.
أما اختياره للمناهج ففي ذلك فتح لباب الاستقطاب الحاد والانقسام العميق وتوفير مادة خام لفتنة دينية لن يسلم منها الوطن العليل.
القراي ينتمي لفكر ديني يقع في منطقة جدلية شديدة التعقيد وبالغة الحساسية والغموض .
كان اﻷوفق النأي عن اختيار الشخصيات ذات التوجهات الفكرية الحادة ووضعها في الأماكن ذات الحساسية العالية المرتبطة بالدين والتربية وثقافة المجتمع.
-أخيرا-
الفترة الانتقالية تحتاج إلى أرضية وفاقية ، ولا تحتمل الانقسام المجتمعي والتجاذب العقدي الحاد.
لم تسقط اﻹنقاذ إلا لضعف إحساسها بالآخر (المختلف) وهمتها البارعة في صناعة اﻷعداء.
صحيفة السوداني