وصل إلى الخرطوم (الخميس) الماضي وفد من الحركات المسلحة التي تفاوض الحكومة الانتقالية بجوبا، ويضم الوفد ياسر سعيد عرمان عن الحركة الشعبية شمال برئاسة مالك عقار، ومحمد بشير أبو نمو عن حركة جيش تحرير السودان برئاسة مني أركو مناوي، وأحمد تقد لسان عن حركة العدل المساواة، برئاسة ضيو قلواك رئيس فريق الوساطة الجنوبية، وذلك في محاولة لكسر جمود التفاوض عقب تعثر العملية التفاوضية بين الفرقاء السودانيين، بعد أن فشلت الأطراف في إحراز تقدم في القضايا القومية وتقسيم السلطة.
موقف الحكومة
الحكومة الانتقالية كانت قد سلمت وساطة جنوب السودان (الأحد) الماضي، موقفها النهائي بشأن بعض القضايا العالقة في ملفي الترتيبات الأمنية والسلطة مع الحركات المسلحة، وكشفت المعلومات الواردة من جوبا عن الاختلاف في رؤى الحكومة الإنتقالية والحركات، بشأن القضايا العالقة بملف الترتيبات الأمنية، والتي تتمثل في سنوات دمج الجيوش وإعادة انتشارها إلى جانب هيكلة القوات الأمنية، أما القضايا العالقة وفقا لما رشح من معلومات، فتتمثل في مطالبة مسار دارفور بأن يستثنى الأشخاص الذين يشغلون المواقع الدستورية في مجلسي السيادة والوزراء والولايات أو حكام الأقاليم من عضوية حركات المسلحةالموقعة على اتفاق سلام من المادة (20) من الوثيقة الدستورية، إلى جانب تمديد الفترة الانتقالية لتصبح 4 سنوات تبدأ عند التوقيع النهائي لاتفاق السلام الشامل، وأقر فريق الوساطة إجراءات لبناء الثقة بين الطرفين، من بينها إطلاق سراح أسرى الحرب وإسقاط الأحكام الغيابية والحظر الذي فرضه نظام البشير على بعض قادة الفصائل المسلحة، وفتح الممرات الإنسانية لإغاثة المتأثرين من الحرب، ونصت الإجراءات أيضاً على تأجيل تشكيل المجلس التشريعي وتعيين حكام الولايات لحين التوصل إلى اتفاق حول السلام في مناطق الحروب، ليتسنى لقادة التمرد المسلح المشاركة في السلطة الانتقالية.
اختلاف المطالب
المعلومات الواردة من جوبا أكدت اختلاف مطالب الطرفين حول ملف السلطة، وأن الحكومة اقترحت منح الأطراف الموقعة على اتفاق (جوبا) في السلطة مقعدين في المجلس السيادي و(4) وزراء اتحاديين، وأنه سيتم منح الأطراف المشاركة في الاتفاق (50) مقعدا في المجلس التشريعي، وأن المفوضية ستكون مستقلة ويمكنهم المشاركة فيها وفق الشروط، وأن الحكومة لم تقترح أي نسبة في الولايات، لكن يمكنهم المشاركة في إدارة العاصمة بعد إقرار الوضع الجديد لها ومؤتمر الحكم والإدارة المتفق عليه، وأن مشاركة الأطراف الموقعة على الاتفاق في مؤسسات السلطة الانتقالية دفعا لعملية السلام بجوبا، في وقت تناولت فيه الأنباء أن الحركات المفاوضة بجوبا طلبت 9 وزراء إتحاديين و4 في المجلس السيادي وأكثر من 120 عضوا في المجلس التشريعي، وسط تعجب المراقبين من المبالغة في هذه المطالب رغم عدم مشاركة حركة عبد العزيز الحلو التي لم تنته من مطالبها وذلك لتعليق التفاوض معها فترة طويلة، علاوة على غياب حركة عبد الواحد نور عن المفاوضات وعدم مشاركتها بها حتى اللحظة. فهل هذه المطالب مجرد سقف عال في التفاوض أم أن الحركات ستصر عليها؟
رسالة سلفاكير
في الوقت نفسه سلم رئيس فريق الوساطة الجنوبية لسلام السودان ضيو مطوك رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان عبد الرحمن تسلم رسالة خطية من رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت (الجمعه) تتعلق بملف السلام الشامل في السودان، وأكد ضيو في تصريحات صحفية حرص جوبا على تحقيق السلام والاستقرار في السودان باعتبار أن الدولتين تربطهما مصالح مشتركة، مضيفا أن أمن جوبا هو أمن الخرطوم، وقال ضيو إنهم جاءوا إلى الخرطوم بصحبة وفد من حركات الكفاح المسلح للقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بالرغم من خطورة جائحة كورونا، مؤكدا أن مفاوضات السلام في السودان قد شارفت النهاية وأن التوقيع على إتفاقية السلام الشامل أصبح حقيقة، وأضاف بتوقيع الاتفاق في القريب العاجل في جوبا ومن ثم نقل الاحتفالات إلى الخرطوم، مؤكدا حرص الرئيس سلفاكير على المضي قدما في تحقيق الأمن والاستقرار والسير بخطوات جادة نحو التنمية في السودان، وقال إن هذه آخر نقطة الانطلاق نحو السلام الشامل في السودان لينعم شعبه بالأمن والاستقرار.
وفد مشترك
حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي أوضحت من جانبها أن وفد الحركات المسلحة الذي يزور الخرطوم برئاسة الوسيط، يضم كلا من ياسر عرمان كبير مفاوضي الحركة الشعبية، ومحمد بشير عبد الله كبير مفاوضي حركة جيش تحرير السودان، وأحمد تقد لسان كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة، وأن هذا الوفد يمثل الأطراف المختلفة لممثلي قوى الكفاح المسلح في المسارات المختلفة والقوي الأخرى، وليس صحيحا وصفه ممثل للجبهة الثورية، خاصة وأن الجبهة الثورية قد أصبحت فصيلين، وهو ما كلف الوساطة وشركاء السلام الإقليمين والدوليين جهود كبيرة للوصول إلى صيغة تمت بموجبها فصل عملية السلام كهدف إستراتيجي من الجبهتين الثوريتين، وقالت الحركة إنه ليس لمسار دارفور كبير مفاوضين موحد، وإن هناك كبار مفاوضي الحركات المسلحة، وتم الإتفاق على كيفية التعامل مع الإعلام كل بصفته، ولذلك نرجو من وسائل الإعلام تحري الدقة والشفافية في تمليك الحقائق للمواطن، وأبانت الحركة أن الوفد الذي يزور الخرطوم يحمل رسالة تحوي خمس قضايا مفتاحية وجوهرية، ويسعى إلى التوافق وحلولها مع شركائنا في الحكومة الانتقالية لإحداث اختراق في العملية التفاوضية، ولذلك فالأمر لا يعني نقلا للمفاوضات إلى الخرطوم. كما كشف مني أركو مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان من جانبه تفاصيل زيارة ممثل حركته للخرطوم، وقال مناوي في تدوينه له على تويتر إن الزيارة لا تعني نقل المفاوضات للداخل كما يروج لها طغاة السلام ومعاشي الأزمات، موضحاً أنها مبادرة لتليين المواقف، مؤكدا أن حركة تحرير السودان تتمسك بأية فرصة تؤدي للسلام ولو كانت صغيرة، بجعل الصبر أسلم وسيلة إليه وأنجع.
نقل المفاوضات
حديث حركة مناوي عن عدم نقل المفاوضات للخرطوم يطرح سؤالا قد يكون مهما في ظل ظروف جائحة كورونا، وهو: لمَ لا ينقل ما تبقى من تفاوض إلى الخرطوم، خصوصا وأن القضايا المتبقية من تقسيم السلطة والترتيبات الأمنية يحتاج إلى مباشرة في المفاوضات وإلى قرار سياسي، وقد يبدو هذا الاقتراح منطقيا بعد انتشار أخبار بوجود مشاكل في فنادق إقامة وفود التفاوض في جوبا، ما يعكس أن الدعم اللوجستي للمفاوضات ربما قد أنهك دولة جنوب السودان، وحتى لا يضيع حق جوبا الأدبي في استضافتها للمفاوضات وتسهيلها لها ومجهودها فيها يمكن أن يكون التوقيع النهائي بعاصمة جنوب السودان، وبعدها تحتفل الخرطوم بهذا الإنجاز الكبير.
هدف الزيارة
ياسر عرمان كبير مفاوضي حركة عقار أوضح من جهته أن زيارة الوفد للخرطوم جاءت بمبادرة من أطراف عملية السلام في جوبا، وبتنظيم مباشر من الوساطة لكسر الجمود في عملية السلام. وقال عرمان لـ(اليوم التالي) إن الزيارة جاءت بعد أن قمنا بكتابة وصياغة ورقة حوت القضايا المحورية الواجب الوصول لها، وإنها ليست أكثر من ست قضايا بحلها نكون على أعتاب توقيع إتفاق سلام، مضيفا وماتبقى من قضايا مهمة لكنها ممكنة الحل، وهنالك تفاهمات والمسافة بين الأطراف ليست بكبيرة، ولكن القضايا التي أتينا بها تعتبر من أمهات القضايا، معتبرا أن هذه فرصة جديدة بالنسبة للشعب السوداني، وتابع أتينا لنتحاور مع شركائنا في إدارة الحكم الإنتقالي ونتحاور مع الشعب السوداني أولا، وقال إن هذا الشعب هو الذي جعل من زيارتنا ممكنه بثورته العظيمه، وزاد أتينا الخرطوم لندفع برياح الوحدة بين شركاء عملية الانتقال، وأن نقف في الصف الذي يخدم شعبنا وليس في الصف الذي يزيد من الشقاق، مؤكدا أن عملية السلام شاقة ومهمة، وأن السلام فريضة من فرائض الثورة ولا أحد يجب أن يقلل منها، وقال إن التقليل من السلام هو تقليل من الوصول لحكم مدني، وتقليل من النهوض بالسودان والدفع في إتجاهات جربها السودان من قبل ولا تأتي بجديد، والجديد هو السلام، مضيفا لم نكن لنأتي للخرطوم لولا ماحدث من تغيير، وأتينا بدعم شعبنا وبناء عن رغبته ومطالبه، وقال نحن الآن في الخرطوم للذين كانوا يحلمون ويطالبون بوجودنا فيها، وهذه تعتبر من أكبر الفرص التي يجب ألا تهدر، وإذا أهدرت ستضيع كل الفرص للذين في الطاولة وخارج الطاولة، موضحا أن القرار كان صعبا وشجاعا من قادة عملية أطراف السلام.
القاهرة : صباح موسى
صحيفة ( اليوم التالى )