السودان اليوم:
تذكرون كيف كانوا يحدثونكم عن تلك الخدمة المدنية، وكيف كانت زاهرة و(زاهية ورطيبة)..
وان جامعة الخرطوم يأتيها رغدها والعنب والتفاح..
وأن المدينة كانت تطفح بالموائد الخضراء
وبالنبيذ وبالورود
ولهب من الشهوات لا يجتازهم أبداً..
“أيام الدنيا بخير”
حيث الشوارع نظيفة وخالية من الزحمة.. والناس (رايقة ومروقة)..
المستشفيات، المدارس، السكة حديد، مشروع الجزيرة، الميناء و…. و….. .
وكأنما كل تلك (الهدهدات) والدغدغة تجيشاً مبرمجاً لاستعادة أمجاد زائفة صنعوها بالتصاقهم المخزي اللزج إلى حواضن القوادين من أجداد (عرفان صديق)..
ولا يبدأ التنازل بخطاب حمدوك..
فالخطاب توَّج فقط قناعة مركزية غربية تقول أن السودانيين لا يستطيعوا حكم أنفسهم..
وكأن المعادلة المميتة تنص فقط علي خيارين احلاهما مر (فاما ان نكون الى الاستعمار أو الي سودانيين فشلة)!!
لم نخطو بعيدا من تلك المنعرجات..
وقبل أن يكتب الطيب صالح مميعاً مشاعرنا:
(لم يكن مجيئهم مأساة كما نصور نحن ولا نعمة كما يصورون هم، كان عملاً ميلو دراميا)..
( دراما الاستعمار التي خلقها، لا تحرض على الحرب، ولكن فقط تبعث على الحزن )!!..
ومن سخريات اقدارنا ان ذلك السؤال القديم لازال ضاجا وطازجاً..
برغم الزمن وذائقة الحرية والاستقلال، مازال ساخناً ومُتناقلاً ليطِل ما بين الكوات والتخوم:
هل استعجلنا في خروج الإنجليز؟!..
ام الإنجليز هم من تعجل؟!..
الشاهد ان الانجليز دخلوا السودان لحماية محظيتهم مصر، وعندما كانوا يبارحون مصر رفضوا ان يتركونا لهم، فعمدوا على حمايتنا منهم، وشجعونا على حكم أنفسنا بأنفسنا..
لكن خطأهم الذي تبين لاحقاً، أنهم دربوا (بعضنا) على ذلك دون بعضنا..
في انتخاب عضود..
وفتن مؤجلة..
فكان الارتباط وكانت الوشائج..
وكان (الشمالي النيلي)..
وكان (مثلث حمدي)..
وكان صراع المركز والأطراف!!
حالة الانقاذ كانت ولادة خارج الرحم او طفرة جينية غير محسوبة..
ومن الطبيعي أن تظاهر تجربة الانقاذ تلكم المرجعيات ذات التمظهرات الوطنية وهي عينها (بنت) ما ملكت يمين الاستعمار!!.
والانقاذ لم تكن ابداً في الحسبان..
لا في العير ولا في النفير..
و(الناس أعداء ما جهلوا)..
لا تنشغلوا بحساب قوة البعثة الأممية العسكرية على الأرض..
والاستعمار (البي راس وقعر ) والذي نلنا استقلالنا منه في العام 1956 لم يكن يملك تلك القوة والجحافل..
اكاد لا اصدق!! الاستعمار القديم وسيد الاسم لم يكن سوي بعثة سياسية؟!..
بعد أن استدار الزمان دورته عادت ذات الاطراف لتمارس ذات الأدوار والتمنعات والرغبات..
وكاني بالصادق المهدي يأخذ مكان جده عبدالرحمن المهدي حينما دس الأخير إلى (هيكل) بيت شعر لايليا أبوماضي:
نرجو الخلاص بغاشم من غاشم ** لا ينقذ النخّاس من نخّاسِ
فهل إذا نفض السودانيون ايديهم عن مشروعهم الوطني ستبيض ذهباً للطامعين القدامى؟!..
نظرة سريعة خاطفة لموقف العاشق الموله بحب مصر الزعيم الازهري وكيف فاجأ العالم ونفسه باعلان الاستقلال من داخل مكاتب لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، وبمراجعة لموقفه المزلزل والمحير تستطيع أن تحصل علي لمحة كافية ومشبعة لهوية السودان وماهيته.. وانه فعلاً نسيج وحده، وسيد نفسه، وان من المستحيل التنبؤ بما قد يحصل غدا.
The post موسم الهجرة إلى العام 1956 ودكان ود البصير.. بقلم اشرف خليل appeared first on السودان اليوم.