السودان اليوم:
* لا شك أن مخاطبة رئيس الوزراء للجماهير من خلال الاجهزة الاعلامية وإجابة الاسئلة الحائرة التي تدور في أذهانهم وتشغلهم أمر مطلوب، وهو احد اهم العوامل التي تقرب بين الطرفين وتزيد ثقة الشعب في حكومته خاصة اذا واكبت ذلك إجراءات ملموسة على أرض الواقع تساعده على تحمل أعباء المعيشة الصعبة وتوفر له نوعاً من الحياة الكريمة، وهو ما لم يتحقق للأسف حتى الآن بشكل مقبول، بالإضافة الى وقوع جائحة الكورونا التي حولت البلاد الى ساحة كبيرة للأحزان بارتفاع عدد الموتى والمرضى وانهيار النظام الصحي رغم الجهود الكبيرة التي تبذل، وهنا لا بد من الإشادة بالكوادر الصحية التي ظلت تواظب على أداء واجبها المهني والإنساني بشجاعة واقتدار لدرجة التضحية بالحياة، ونلوم في نفس الوقت بأقسى العبارات الذين هربوا من الميدان مهما كانت الظروف التي دفعتهم الى ذلك!
* أقول .. لا شك أن مخاطبة رئيس الوزراء للجماهير أمر مطلوب وضروري جداً، ولقد كان قراراً صائباً أن يتحدث مع أجهزة الاعلام ثلاث مرات في غضون اسبوع واحد، ولكنني أقول بصراحة كبيرة ــ وهو قول أوجهه للدكتور حمدوك قبل أي شخص آخر ــ بأن الحوارات واللقاءات جاءت مخيبة للآمال ولم تجب على الأسئلة الحائرة التي تدور في أذهان الناس، وكانت معظم الإجابات عمومية واتسمت بالتحفظ الشديد الذي أفسدها وجعلها بلا قيمة بدلاً من تحقيق الاهداف المنشودة بمصارحة الجماهير واطلاعها على الحقائق !
* صحيح أن السياسي أو رجل الدولة ليس مطلوباً منه الحديث عن كل شيء ولا يجب ان يدلى بكل ما يفعل او يعرف، ولكن حمدوك لا يقول شيئا على الاطلاق، ويتحدث بدبلوماسية زائدة عن الحد ورومانسية غريبة تضفى غموضا شديداً على الاوضاع بدلاً عن توجيه بعض الضوء عليها!
* وبدلاً عن إزالة الحيرة من نفوس المواطنين المتطلعين للمعرفة، فإنه يزيدهم حيرة على حيرتهم من المشهد السياسي المرتبك الذي لا يفهم أحد ماذا يدور بداخله، والصراع الذي لا ينقطع بين مكونات السلطة الانتقالية، وبينها وبين قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، وبين مكونات هذه القوى، والخلافات الكبيرة حول كيفية إدارة بعض الملفات مثل ملف السلام، والملف الاقتصادي، وملف الاعلام والملف الصحي والكثير من الملفات الأخرى التي صارت موضع حيرة الشعب وسخرية الكثيرين، بل صارت تصريحات وأحاديث حمدوك نفسها موضع سخرية الكثيرين لغموضها ورومانسيتها الزائدة عن الحد، ولا شك أن كثيرين مرت عليهم النكتة المتداولة بكثرة على وسائط التواصل الاجتماعي ــ وأرجو أن يطلع عليها حمدوك في هذا المكان إن لم تكن قد مرت عليه ــ بأن فتاة سألت خطيبها عن موعد الزواج، فابتسم ورد عليها بهدوء مميت: “دا سؤال ممتاز جداً، محتاج مننا لتضافر الجهود، وهو اختبار حقيقي لخطوبتنا، بخلينا نعمل مع بعض، ودا واحد من تحديات فترة الخطوبة. خلينا نعمل في تناغم مستمر للعبور والإجابة على هذا السؤال، وبالتأكيد أنا وانتِ مع بعض حنقدر نصل و نشوف نعرس متين”، وحسب النكتة، فإن الخطيبة (لوت خشمها وغزت كوعا) وقالت ليو : “خلاص يا حمدوك ” .. منتهى السخرية !
* لا يمكن أن تظل إجابات رئيس الوزراء بهذه الطريقة الغريبة التي تتميز بالعمومية الشديدة والغموض، ويجب عليه حتى لو لم تكن أسئلة المحاورين بالمستوى المطلوب لجره الى الحديث بصراحة والإدلاء بمعلومات أكثر، أن يلجأ الى الصراحة والادلاء بمعلومات من تلقاء نفسه لتحقيق الهدف المطلوب من الحوار وهو إشراك المواطن في الهم العام والحصول على ثقته ودعمه، بدلاَ عن زيادة حيرته وقلقه من ما يدور!
* وبما انه من الطبيعي ألا يكون رئيس الوزراء عارفا لكل شيء ومطلعا على كل شيء، فعليه أن يطلب من الخبراء والمستشارين وأصحاب الاختصاص أن يمدوه بالمعلومات المطلوبة بشكل مرتب ومنظم وبسيط ومفهوم قبل موعد الحوار بوقت كافٍ، لينقلها الى الجماهير، فلا يمكن لأي رئيس الوزراء ان يتحدث الى الشعب بدون معلومات وأرقام ووقائع محددة، خاصة إذا كان محبوباً ويحظى بدعم كبير وينتظر منه الشعب الكثير مثل الدكتور حمدوك !
The post رومانسية حمدوك !.. بقلم زهير السراج appeared first on السودان اليوم.