السودان اليوم:
العنصرية داء قديم ومزمن…عرفته البشرية منذ بداية ظهورها فقد أبى إبليس أن يسجد لآدم وبرر ذلك بقوله ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) وقال مستنكرا ومستكبرا (أأسجد لمن خلقت طينا) فكانت بذرة العنصرية التي أنتجت حسدا أنتج بدوره إغواء كانت نتيجته خروج آدم وزوجه من الجنة..ليستمر مسلسل (أنا خير منه) على مر القرون دون أن تنتهي حلقاته المملة ولا آثاره السالبة..فإذا كان الحياء كله خير فإن العنصرية كلها شر ولا تأتي إلا بالشحناء والحقد وإشعال نار الحروب على مدى التأريخ…والتعصب للعنصر كان ولا زال فعل الجهلاء لذا نقولها دوما لكل عنصري (إنك امرؤ فيك جاهلية).
ومهما بلغ الوعي الإنساني والتدين من الناس مبلغا عظيما تظل طآئفة منهم تسبح بحمد العنصر وتذكي نار الكبر في النفوس مع علمها أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال خردل من كبر..والعنصرية أوضح صورة للكبر..لذا يأتي المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم…
ولعل أسوأ مافي العنصرية أنها تصادم حكمة الله في الخلق فبينما تبين الآية بوضوح أن الله خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف يصر العنصريون أنه تعالى خلقنا شعوبا وقبائل لنتفاضل بالجنس واللون..ثم تبين ذات الآية أن التفاضل بين الناس إنما يكون بالتقوى لترد أفعال العنصريين أن أفضلنا هو صاحب البشرة البيضاء وإن كان دنئ النفس وعديم الحس..
ولعل التنوع القبلي في السودان واختلاف السحنات والألوان أدى لتعميق العنصرية في النفوس بصورة واضحة لا يستطيع أحد إنكارها وأفضت إلى حروبات كثيرة دفع ثمنها الأبرياء…وعلى المستوى الاجتماعي أدت العنصرية إلى إثارة الكراهية وتوهين العلائق وتحجيم الإبداع والكفاءات.
ورغم أن كثيرا من القبائل ترفع شأن نفسها وتصل نسبها بالقبائل العربية في جزيرة العرب إلا أن السودانيين بكل ألوانهم وسحناتهم وتفاخرهم غير معترف بهم ك(عرب) خارج السودان وما زالت عروبتنا محل رفض وشك عند كثير من الشعوب لدرجة تعالي بعض الصيحات بزجنا خارج منظومة العروبة..فالسودانيون (مجهجهين) بين العرب والأفارقة فهم أشبه ما يكونون بالعربي الذي تزوج امرأة سوداء وأنجبت له أبناء ما هم بالعرب الخلص ولا الزنوج السود…فلا داعي لهذه النعرة الفارغة ما دمنا في نهاية الأمر لا اعتبار لعروبتنا عند غيرنا..
ومهما أفاض العقلاء في الحديث عن مساوئ العنصرية فستظل داء لا يفارق البشرية حتى في أرقى الحضارات وأعظم الدول وستظل تلقي أهلها في أتون الحرب مرة بعد أخرى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..رغم أن إشاعة الوعي بإنسانية الإنسان – بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه – قد أثمرت في بعض النفوس التي ارتقت وآمنت أن اختلاف الألوان والألسنة إنما هو آية دالة على كمال قدرة الله وأن لا أحد يعاب بلون بشرته لأن ذلك ليس مما جعل الله تعالى فيه الإختيار…وقد يتوفر هذا الفهم الراقي عند البسطاء ولا يتوفر عند زعيم أو مسئول.
ومن أسوأ إفرازات العنصرية وجود طآئفة من الناس آمنت بدونيتها المزعومة ورأت فيمن يذل إنسانيتها (سيدا) يجب أن يبجل ويطاع وسعت إلى تقليده في لونه وثقافته فبرز (الفاسخون) الذين هانت عليهم أنفسهم فهانوا على الناس..
قد تجبر ثورات الزنوج والأقليات والجوعى والمهمشين الدول والمجتمعات على احترامها وتهدئتها زمانا ما حتى إذا انتهت هذه الثورات وهدأت الأحوال صاح صائح الفتنة من جديد…ليفنى الناس قتالا من أجل (لون بشرة) !!
وياأيها العنصريون دعوها فإنها منتنة.
نقطة أخيرة
من أجمل ما قرأت (لن يكفوا عن معاملتنا كعبيد حتى نكف عن اعتبارهم أسيادا).
The post هل أنت عنصري؟.. بقلم مزاهر رمضان appeared first on السودان اليوم.