غير مصنف --

هل من عودة!!.. بقلم كمال الهِدي

السودان اليوم:
· أين نحن من الوعي الذي أثلج صدورنا طوال أيام الثورة ليبلغ ذروته أيام الإعتصام !
· ففي تلك الأيام الخوالي رأينا مشاهد مختلفة كلياً.
· بالرغم من البطش والعنف غير المسبوق للقوات الأمنية أذهلنا شباب الوطن بسلميتهم وتعاملهم الراقي مع ثورتهم التي أدهشت كل العالم.
· ما كان يُطلب منهم ظل يتحقق في التو واللحظة وبأبهى الصور.
· زغرودة واحدة في لحظة محددة كانت تكفي لبدء مليونية بدقة أرقت الأمنجية البلطجية.
· وحين بدأ الإعتصام رأينا دولة لم يسبق لها مثيل طوال تاريخ السودان.
· كان الأمن مستتباً والطعام متوفراً والعون الطبي حاضراً والمكان نظيفاً وأنيقاً.
· لكن ما الذي حدث بعد تشكيل الحكومة الإنتقالية؟!
· علينا أن نقر ونعترف دون مواربة بأنه بمجرد الإعلان عن هذه الحكومة عدنا للأسف لـ (خرمجة) زمان وسبهللية الإنسان بعد أن كنا قد فرحنا وهللنا لفشل مساعي الإنقاذيين في إعادة صياغة مواطن السودان.
· فهل يا تُرى يتعلق الأمر بأننا كشعب نستمتع بتعليق أخطائنا على الآخرين، لذلك أصبحنا نعتمد على الحكومة ونلومها على كل تقصير بمجرد تشكيلها!
· فاليوم مثلاً ومع التزام غالبية شعوب العالم بالموجهات العامة لمكافحة مرض الكورونا (بما في ذلك الشعوب التي بدات بعدنا بعشرات السنين الضوئية) نلاحظ أن الغالبية في السودان يصرون على صلاة الجماعة، ويقيمون مناسبات العزاء والأفراح، ويتجمعون في جلسات الإنس ولعب الورق والدمينو.
· هناك من يُلِحون على العناد ويُنكرون المرض برمته، وهذه فئة ضالة معروفة بمراميها غير النبيلة، لذلك لن نقف عندها طويلاً.
· لكن ما يحزن أن بعض المواطنين ( الأسوياء) ينجرون بعواطفهم وراء هؤلاء الكذبة والمضللين والمفسدين الذين لا يعترفون بحق شعب السودان في الحياة طالما أنه رفض حكمهم البغيض.
· لا يمانع الكيزان في أن يموت الملايين من أبناء هذا الوطن، وقد ثبُت ذلك بياناً بالعمل طوال سنوات حكمهم الجائر.
· فما الذي يجعل مواطناً سودانياً شريفاً وعاقلاً ينجر وراء أكاذيبهم ليصر على أداء الصلاة في المساجد بحجة أن القحاتة (الكفار) أرادوا أن يمنعوا الصلاة للخالق!!
· أين الوعي حين نستجيب لألاعيبهم ومقارناتهم الغبية بين خروج الناس لشراء خبزهم واحتياجاتهم والصلاة في المساجد!!
· وهل نحن أكثر إيماناً من كل الشعوب المسلمة التي أوقفت الصلاة في المساجد منذ أشهر عديدة بشتى بقاع العالم، بما في ذلك الكعبة المشرفة والمسجد النبوي والأقصى!!
· مهما قصرت وزارة الصحة، فاللوم الحقيقي يقع علينا نحن كشعب في مثل هذا الأمر، لأن علماء العالم مجتمعين فشلوا حتى اللحظة في إيجاد علاج أو لقاح لهذا الفيروس اللعين.
· لهذا التزمت غالبية شعوب العالم بالتباعد الإجتماعي والبقاء في المنازل كوسيلة وحيدة لتخفيف آثار الفيروس.
· فما الذي يجلعنا في السودان حالة مختلفة لنتوقع من وزير الصحة توفير علاج فعال، وإلا ضحكنا عليه واستهترنا بوضوحه وشفافيته!!
· تعلم غالبيتنا أن القوات النظامية لا تزال تحن للنظام القديم بحكم وجود العديد من قادتها الكيزان على رأس وظائفهم، فلماذا لا نلتزم بالبقاء في منازلنا من تلقاء أنفسنا دون أن ننتظر تعاملاً حاسماً من هذه القوات النظامية!!
· لو تعاملنا بالوعي الذي ساعدنا في إزالة الطاغية رغم لؤمه الشديد وأساليبه الخبيثة لفوتنا الفرص على المتربصين بثورتنا.
· فعندما يغض العسكر مثلاً الطرف عن بعض المفسدين الذين يستغلون المركبات الحكومية لنقل الركاب بمبالغ محددة يفترض ألا يجد أي من هؤلاء راكباً مستعداً لمساعدته في مخالفة القوانين والتكسب مما لا يملكه.
· فخلال أيام ثورة ديسمبر العظيمة لم تمنع شبابنا عن التفلت والمخالفات قوانين صارمة، بل قيدهم وعيهم وفرض عليهم عدم القيام سوى بالفعل السليم الذي يجنب البلاد الويلات.
· كنت تسمع أحد الشباب الثائرين يصيح قائلاً ” لا.. ما دايرين تخريب يا جماعة” فيتوقف بعض الغاضبين والمنفعلين تجاه فعل عنيف لأحد الأمنجية فوراً عن ردة الفعل غير المرغوب فيها ليستمر الاحتجاج السلمي.
· فلِمَ لم نستمر على ذات النهج المُلفت بعد أن تشكلت حكومة الثورة!!
· العاطفة تظل أيضاً واحدة من أكبر سلبياتنا التي تتطلب المواجهة بشجاعة من أجل معالجة هذا الخلل الكبير قبل أن نضيع وطناً بأكمله.
· فالواحد منا إن أحب شخصاً أو كياناً يفترض فيه الكمال ولا يقبل فيه ولو كلمة واحدة.
· الكثيرون منا ينظرون للنقد كمعول للهدم والتشفي، لذلك نصدق بسهولة إن ختم كاتباً متعالياً مقالاً له بعبارة مثل ( الكلب ينبح والجمل ماشي)، ظناً منه بأنه فوق النقد، وأن كل من يتعقب كلماته يحقد عليه.
· إن انتقدت رئيس نادي الهلال الكاردينال مثلاً، فأنت حاسد وشخص يريد لفت الأنظار في رأي بعض الأهلة، بينما يعتبرك بعض المريخاب بطلاً.
· وسرعان ما يحدث العكس لو أنك تجاسرت بإنتقاد رئيس نادي المريخ، فحينها سينظر لك بعض أهل القبيلة الحمراء كهلالي حاقد يريد النيل من المريخ.
· إن قلت أن جمال الوالي شيد منشآت نادي المريخ من أموال ليست ملكاً له فأنت لا تفعل ذلك إلا لأنك أزرق الهوى في نظر الكثيرين.
· ولو قلت أن المطرب الفلاني غير جدير بالنجومية التي منحها له شعبنا وإعلامنا فأنت تنطلق من خلافاتك الشخصية مع هذا المطرب.
· هذه تكون ردة فعل من يحبون الرئيس أو المطرب أو الشخصية المحددة، أما من يحملون تجاهه مشاعر عادية فقد يتفقون معك.
· وهنا مربط الفرس.
· فالنقد لابد أن ينظر له بعيداً عن أي مؤثرات ودوافع شخصية.
· لكن يبدو أن ( بعض) إعلاميينا قد جروا الناس لهذا الفهم الغريب، فقد اعتاد هؤلاء على توجيه النقد والمدح وفقاً لحسابات مصالح محددة.
· حتى بعد التغيير ونجاح الثورة في إقتلاع الطاغية تحولنا بعواطفنا من حب وكراهية لأشخاص آخرين دون أن نغير مفاهيمنا كما كان متوقعاً.
· أكثرنا من الحديث عن انتهاء زمن (الغطغطة والدسديس)، لكن الواقع يقول أننا لا نزال أسرى لهذه المفاهيم.
· فإن تناولت غموض أو علات شخصية تعلق بها الناس، لن يجد حديثك القبول وسُسارع البعض بتصنيفك.
· لو كتبت أن حمدوك لم يثبت نجاحاً في مجال ما فلن يتأمل الكثيرون مبرراتك لمثل هذا القول، وسيكتفون فقط بمطالبتك بالصبر والتريث، دون أن يفكروا فيما إذا كان ما تتناوله يحتمل الصبر والتأني، أم أنه من نوعية الأمور التي تتطلب حسماً سريعاً.
· تقدم مؤشرات واضحة وضوح الشمس لتقاعس وزير أو مسئول عن التعامل الحاسم مع ملف ما، فلا ينقاشك البعض في هذه المؤشرات، إنما يطالبونك بأن تصمت وتترك المسئولين يعلمون.
· يحدث كل ذلك لأن الكثيرين يريدونك أن تبصم بالعشرة على كل ما يأتي به من يحبونهم، حتى وإن كان حبهم هذا قد تأسس على عاطفة مجردة ولم تسنده أية أدلة على قدرة وكفاءة هذا المسئول أو ذاك.
· ويفوت على هذه الفئة دائماً أن غالبية السودانيين صمتوا خلال الأشهر الأولى لنظام الطاغية وانجروا وراء عواطف حجبت عنهم المؤشرات الواضحة التي كانت تؤكد أن النهاية ستكون محزنة بل فاجعة جداً.
· ووقتذاك إن ناقشت أحدهم كان يأتيك الرد سريعاً بأن أولئك النفر قد جاءوا لتطبيق شرع الله ولا يمكن الوقوف ضدهم.
· عواطفنا أحد أكبر أزماتنا ولو أطعناها بهذا الشكل الأعمى فسوف نفقد الكثير من الفرص.
· فلماذا لا نراجع أنفسنا حتى وإن اضطرنا ذلك للحصول على إستشارات نفسية حول ما يدفعنا لتعطيل العقل في الكثير من المواقف والجري وراء هذه العاطفة!!
· فثمة أمور ونواقص أوضح من شمس الضحى لكننا لا نراها لأننا لا نريد رؤيتها حتى لا تهتز صورة شخصيات نحبها ونتعلق بها.
· هذه في رأيي حالة مرضية تعانيها الشخصية السودنية، وهي تستوجب علاجاً سريعاً، حتى لا نخاطر ببلدنا مجدداً مثلما فعلنا طوال العقود الماضية.
· فقد تدهورت حياتنا وتراجعنا في كل شيء لأننا صبرنا على ( العوج) وأوجدنا لأنفسنا مبررات واهية وأمسكنا بخيوط مهترئة.
· تلاعب بأنديتنا الرياضية الكبيرة رؤساء غير مؤهلين لأنهم استغلوا عواطفنا وجندوا بعض حملة الأقلام الرخيصة للعزف على هذا الوتر المؤثر.
· وسيطر على ساحاتنا الفنية مطربين ومطربات (أي كلام) لأن الأجهزة الأمنية لعبت على وتر العاطفة نفسه، وفتحت لهم القنوات والصحف الفنية لإيهامنا بأنهم يقدمون فناً يستحق أن نصغي له، فطربنا لهم وتعلق بهم بعضنا لدرجة أن يدفع أفراد هذا الشعب المغلوب على أمره للواحد منهم عشرات الملايين من الجنيهات لحفلة لا تستمر لأكثر من ساعة ونصف.
· والمصيبة أن مطربي الغفلة هؤلاء يقعون في شر أعمالهم لتكشف المواقف مدى زيفهم وسطحيتهم.
· لكن ما الذي يحدث حينها؟!
· نثور عليهم ونحشد أقسى العبارات لنقدهم، لكن ما هي إلا أيام معدودات تعود بها الساقية للدوران من جديد فتجد من كانوا ينتقدونهم بالأمس قد نسوا لهم كل مواقفهم المخزية وعادوا لسماعهم مجدداً وربما التعاقد معهم لإحياء حفلات الأعراس ومختلف المناسبات.
· وهذا سر جرأة المفسدين فهم يستغلون طيبتنا وتهاوننا وتغيرنا السريع في المواقف.
· لا يعقل مثلاً أن نفقد أرواحاً عزيزة خلال ثورة ديسمبر المجيدة لينتهي الأمر بمجلس سيادي مُنحت فيه الأغلبية (نظرياً) للمدنيين، لكن في الواقع الأمر ظلت السطوة فيه للعسكر لأن غالبية أعضائه من المدنيين إما أنهم في سبات عميق، أو أنهم يذعنون لإرادة العسكر.
· ولا يُقبل أن يمارس معنا وزير المالية ذات النهج القديم في مخاطبة عواطف الناس بزيادة مهولة في رواتب بعض الفئات فننصرف للإحتفالات وتبادل صور وفيديوهات من قبضوا الراتب الجديد، ونغفل حقيقة أن الكثير من الفئات الأخرى ستعاني أكثر بسبب إرتفاع الأسعار المصاحب لهذا القرار، ودون أن نطالب الوزير الخبير الإقتصادي الكبير بمخاطبة جوهر الأزمة حتى نخرج من دائرة المعونات والمساعدات المشروطة التي أفقدتنا السيادة على بلدنا.
· كيف نقبل تصريحاً للوزير عن التوافق مع مؤسسات دولية لتوفير الإعانة لـ 80% من فقراء البلد، مع علمنا بأنهم يوم أن حددوا موعد الحظر أكدوا على لسان وزير الإعلام أنهم قد حصروا كافة ذوي الدخل المحدود وأعدوا لهم الإعانات اللازمة، لكن لم يتحقق الكثير مما سمعناه.
· ولو كانت المؤسسات الدولية بهذا النبل والحرص على إطعام فقراء العالم لما تابعنا المآسي اليومية التي تعيشها كافة شعوب البلدان الضعيفة.
· فما الذي يجعلنا نتلذذ بمثل هذا التخدير!!
· لِم لا نسأل هذه الحكومة مثلاً عن عدم رغبتها في تغيير العملة!!
· تخيلوا لو أنهم غيروا العملة منذ شهورهم الأولى، فهل كنا سنعاني في استرداد بعض الأموال المسروقة!!
· ولِم نكتف ونسعد دائماً بمجرد كلمات وخطابات جميلة يلقيها الدكتور حمدوك، دون أن نراجعه فيما قاله في الشهور الماضية ونسأله عما تحقق من وعوده السابقة!!
· حتى من قادوا الحراك الطويل لا يزال بعضهم واقعاً تحت تأثير لوثة الدماغ.
· وإلا فما الذي يجعلهم يخوضون في أمر مثل علمانية الدولة بالله عليكم!!
· ناقصين منغصات نحن يعني!!
· وما دمتم تريدون إقحام أنفسكم في كل شأن لا يعنيكم سميناها حكومة إنتقالية ليه؟!
· وماذا تركتم للحكومة المنتخبة التي ستأتي بعد الفترة الإنتقالية وأنتم تخوضون في قضايا مصيرية من هذا النوع؟!
· وهل يريد السودانيون بتنوعهم حقيقة أكثر من حكومة منتخبة لا تقوم على أساس ديني؟!
· فلماذا يسعى البعض لتعقيد الأمر حتى يفسحوا المجال للمتربصين بحشد المزيد من المعارضين للحكم المدني بإقحام قضية الدين وكأن من حكمونا في سابق السنوات قد التزموا بشريعة أو دين؟!
· أشعر بأن البعض يتعمدون توتير الأجواء لأشياء في أنفسهم.
· عموماً مثل هذه السلوكيات لا تناسب ثورة الوعي التي انطلقت من أجل التغيير الجذري.
· وما لم نعتمد سلوكيات مغايرة ونصبح أكثر حسماً وحزماً في محاسبة المسئولين و لوم أنفسنا على التقصير يستحيل أن تتحقق شعارات الثورة.
· فهل من عودة لأفضل وأجمل أيام الثورة؟!

The post هل من عودة!!.. بقلم كمال الهِدي appeared first on السودان اليوم.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button