أمل من تحت الركام.. عودة الحياة إلى سوق المعدات الطبية وسط الخرطوم
الخرطوم – الراي السوداني
وسط ركام الحرب وآثار النزوح والفقد، انتعشت بارقة أمل جديدة في قلب الخرطوم، حين التأم شمل تجار وموردي المعدات والمستهلكات الطبية في السوق العربي، في لقاء استثنائي كان أكثر من مجرد اجتماع.. كان إعلانًا لبدء رحلة العودة، وترميم ما دمرته الحرب، وبناء ما تصدّع، وزرع الحياة في المكان الذي شهد أفراحهم وأعمالهم وذكرياتهم.
كان اللقاء حارًا، اختلطت فيه دموع الحنين بضحكات اللقاء، واستُهل بالترحّم على أرواح من رحلوا دون وداع، من إخوة أعزاء تركوا فراغًا كبيرًا في مجتمع المعدات الطبية، لكن ذكراهم كانت حاضرة بقوة في تفاصيل الاجتماع وقراراته.
إرادة من نار وإصرار لا يلين
أمن المجتمعون الثلاثاء على أن السوق العربي، قلب العاصمة النابض، يجب أن يبقى مركزًا استراتيجيًا لتوزيع المعدات والمستهلكات الطبية في السودان. ومن هذا المنطلق، تم تشكيل لجنة طوعية للبدء الفوري في العمل، حدّدت أولوياتها القصوى، ودعت إلى المشاركة الفاعلة من جميع أصحاب المصلحة، دعمًا ماديًا ومعنويًا.
اللجنة لم تنتظر الوعود، بل انطلقت مباشرة على الأرض. في اليوم نفسه، بدأت عملية نظافة شاملة بمشاركة لودر وقلابين، شملت الشوارع الممتدة من جامعة الخرطوم حتى شارع السيد عبد الرحمن، ومن شارع القصر إلى شارع الفنادق. كما تمت نظافة شارعين داخليين في السوق، في خطوة رمزية لكنها شديدة الأثر، أكدت أن العمل قد بدأ ولن يتوقف.
الشراكة مع الحكومة والمجتمع
لم تكن هذه الجهود بمعزل عن الجهات الرسمية. فقد تواصلت اللجنة مع والي الخرطوم ووزير الصحة، وتلقت وعودًا بتذليل العقبات. كما زار وفد منها محلية الخرطوم، التي عبّرت عن تضامنها رغم محدودية الإمكانيات.
لكن اللجنة تعلم أن الرهان الأكبر هو على تماسك المجتمع نفسه. لذلك وجهت نداءً مفتوحًا وصادقًا إلى جميع التجار، من الكبار إلى صغار الموردين، للمشاركة بما يستطيعون، مؤكدة أن السوق لن يُبنى إلا بسواعد أبنائه، وأن العودة ممكنة حين تتوحد الإرادة وتعلو فوق الألم.
خطة طموحة تبدأ من الشارع وتنتهي بالحياة
أولويات اللجنة واضحة: إزالة الأنقاض، رفع الأعمدة والعربات المهجورة، تنظيف الأزقة والشوارع وتعقيم المنطقة، بالتوازي مع جهود إعادة تأهيل شبكات المياه بالتعاون مع حكومة الولاية. هذه الخطوات ليست فقط لإعادة النشاط التجاري، بل لإعادة الأمل والكرامة لأسر طال انتظارها للعودة.
“رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة”
شعار اللجنة كان واضحًا منذ البداية، أن الإنجاز اليومي ولو كان بسيطًا، هو الطريق إلى الهدف الكبير. لذا فإن الدعوة موجهة للجميع للانضمام، كلٌ بما يستطيع، بالفكرة أو المال أو الجهد، فالسوق ليس مجرد مكان للبيع والشراء، بل هو رمز لصمود مجتمع كامل، قرر أن يقول للحرب: “لن تُقصينا من حياتنا”.
وفي ختام هذا اليوم الحافل بالعزم والدموع والعطاء، قال رئيس لجنة العمل والمتابعة، عبدالله بشير الكناني، إن العمل لن يتوقف، وإن هذه المبادرة هي بداية لاستعادة وسط الخرطوم، قلب السودان النابض.
هكذا تُكتب العودة من بين الأنقاض، وهكذا يُبعث الأمل من تحت الرماد.