جيش أبو جبة .. تجلي جديد وتحول كبير في حرب السودان
كانت 7 أشهر من الحرب الضارية كفيلة بإحداث تحول كبيرة في المشهد الأمني في السودان، إذ بدت حالة “التجييش” تحكم ملامحه، ومع اتساع نطاق الفراغ، برزت مزيد من الجماعات المسلحة، كان آخرها ما يسمى بـ”جيش أبو جبة” والذي يتخذ من الجزء الشمالي لولاية غرب كردفان مقر لتمركزه.
يتبع مسلحو “جيش أبو جبة” الى قبائل “الحمر” ذات الامتداد الواسع في ولاية غرب كردفان السودانية، وليست لهم قيادة محددة، ويتنشرون على الطرق السفرية وحول محيط مدينة “النهود” المقر التاريخي لإمارة دار حمر، ويبررون وجودهم بالرغبة في حماية أراضيهم وممتلكاتهم في ظل غياب الأجهزة الأمنية التابعة للدولة.
وتعود تسمية هذه الجماعة المسلحة إلى ارتداء عناصرها الزي السوداني التقليدي “جلابية وعمامة” مع الحذاء المحلي الشهير “مركوب”، إذ يمتطي بعضهم الجمال، وآخرين سيارات الدفع الرباعي ومزودين بالأسلحة النارية الخفيفة مثل الكلاشنكوف والجيم 3 وغيرها، وذلك حسبما رصده موقع “اسكاي نيوز عربية”.
نشاط يتوسع
وبحسب حمد سليمان وهو صحفي وناشط في منظمات المجتمع المدني مقيم في مدينة النهود، فإن “جيش أبو جبة” ليس له أي خلفية أو ميول سياسية، بينما كان امتداد لما يعرف بقوات الطوف الأهلي التي شكلتها إمارة دار حمر مع اندلاع الحرب لتأمين القوافل الغذائية والمؤن، ووصولها الى المدن المختلفة بولاية غرب كردفان.
ويقول سليمان لموقع “سكاي نيوز عربية”: “غالبية عناصر هذه الجماعة المسلحة هم من الرعاة وبدرجة وعي محدودة للغاية، فلا يعرفون شيء غير إمارة دار حمر، لذلك تجدهم شديدي الولاء لها دون غيرها”.
ويشير الى أن عدد مسلحي “جيش أبو جبة” كان قليلاً مع بداية ظهوره، لكنه يمضي في تزايد وتوسع كبير بعد انضمام المزيد من المسلحين اليه رغبة منهم في تحقيق كسب مالي من خلال نقاط تحصيل تقيمه هذه الجماعة على الطرق المؤدية الى مدينة النهود.
ويسيطر الجيش السوداني على الجزء الغربي الجنوبي من ولاية غرب كردفان المحاذية لإقليم دافور بما في ذلك عاصمتها مدينة الفولة، ومناطق حقول البترول الرئيسية بالبلاد، فيما تحكم قوات الدعم السريع قبضتها على الجانب الشرقي من هذه الولاية.
وظلت المناطق الواقعة في الجانب الشمالي من ولاية غرب كردفان خالية من الوجود العسكري (الجيش وقوات الدعم السريع)، وظهرت الجماعات المسلحة ذات الصبغة القبلية مثل “جيش أبو جبة” بتلك المناطق في محاولة لملء الفراغ الأمني، كما تكثر حوادث النهب.
عبء إضافي
وفي الطريق السفري الذي يربط بين مدينتي الخوي والنهود والذي يقدر طوله بنحو 109 كلم، نصب مسلحو جيش أبو جبة أكثر من 50 نقطة تفتيش يتوجب على سائقي المركبات السفرية دفع مبالغ نقدية لها نظير السماح لهم بالعبور، ويتكرر المشهد نفسه في طريقود بندة – النهود وغيره.
ويقول إبراهيم صديق – سائق مركبة سفرية لموقع “سكاي نيوز عربية”: “نعاني كثيراً من الانتشار الكثيف لمسلحي جيش أبو جبة على الطريق الرابط بين مدينتي الخوي والنهود، فهم يطالبوننا بدفع مبالغ طائلة نظير العبور تصل 5 الاف جنيه بالنسبة للسيارة الصغيرة و50 ألف للشاحنات الكبيرة”.
ويضيف “حال لم يقوم السائق بالدفع يقومون بإرشاد العصابات لنهبه وربما يفتحوا عليه الرصاص الحي، وهذه المبالغ تشكل عبء كبير علينا، وترفع تكاليف تشغيل المركبات في ظل التصاعد الجنوني في أسعار الوقود، لذلك نضطر في كثير من الأحيان الى تجنب طريق الاسفلت وسلك شوارع ترابية وعرة لتفادي هذه الجبايات”.
ويركز جيش أبو جبة انتشاره في الطرق السفرية ونادرا ما تجد عناصره داخل المدن الكبرى في ولاية غرب كردفان، ولا يقوم هؤلاء الأفراد بتفتيش المركبات السفرية أو فحصها أمنياً للتأكد من ما بداخلها، بل يكتفون بطلب المبالغ النقدية من السائق نظير فتح طريق الاسفلت المغلق بالإطارات أمامه.
وبرر أحد مسلحي جيش أبو جبة يدعى محمد بأنهم يقومون بتأمين الطريق وحياة المواطنين الذين يستغلونه وليست لديهم رواتب او أجور، مما دفعهم لتحصيل هذه الرسوم لتلبية احتياجات الجنود المتطوعين.
ويضيف “لولا وجودنا لن يستطيع أحد السفر بهذا الطريق لأن عصابات النهب سوف تسيطر عليه ويصبح غير آمن. نقوم بتوريد هذه الرسوم الى امارة دار حمر بعد تغطية احتياجاتنا”.
خلافات حادة
وكان خلافاً نشب بين قيادات إمارة دار حمر حول توسع النشاط الجبائي لعناصر جيش أبو جبة وإلقاء مزيد من الأعباء على مواطني المنطقة، وقاد ذلك إلى استقالة وكيل الامارة عبد الحي صافي الدين من منصبه بسبب رفضه لكثرة نقاط التفتيش والرسوم المتحصلة، حسبما نقله مصدر أهلي لموقع “اسكاي نيوز عربية”.
ويرى الصحفي حمد سليمان أن جيش أبو جبة أفلت تماما عن سلطة إمارة دار حمر، فهي لن تتمكن من السيطرة عليه فأعدادهم تضاعفت، ووسعوا نشاطهم الخاص بتحصيل الجبايات في الفيافي بعيدا عن المدينة في وضع فوضوي للغاية.
ويضيف لموقع “اسكاي نيوز عربية”: “بالطبع هذه ممارسات غير شرعية تعكس افراز سلبي جديد للحرب الدائرة في السودان، ويمثل نواه لفتنة اجتماعية كبيرة في المنطقة”.