أرجأت أطراف الاتفاق الإطاري التوقيع على الإعلان السياسي والدستور الانتقالي، المقرر له الخميس الماضي، وذلك لمزيد من الاتفاق والتوافق حول القضايا المختلف حولها، لاسيما معالجة القضايا المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري، إذ تعطلت العملية السياسية جراء الخلافات بين الأطراف العسكرية، الأمر الذي أدى إلى تطاول أمد الحل النهائي، لنحو عام ونصف العام عقب قرارات البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١م، التي أفضت إلى إنهاء الشراكة وحل الحكومة بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والآن تتسارع الخطى للوصول لتوافق سياسي يمهِّد لتشكيل حكومة مدنية ومؤسسات الانتقال الأخرى في ظل تعقيدات المشهد واستفحال الأزمة، وفي غضون ذلك أرسل رئيس مجلس السيادة، رسائل تدفع في اتجاه استكمال العملية السياسية، حيث قال خلال إفطار أقامه عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا، “إذا فشلنا كعسكريين ومدنيين ينبغي أن نفسح المجال للآخرين، مشيراً إلى التجاذب بين المجموعات السياسية.. فيما ترفض الحرية والتغيير “المجلس المركزي “انضمام بعض أطراف الكتلة الديموقراطية إلى العملية السياسية، وعقدت قوى الإطاري نحو 5 ورش لمناقشة القضايا المرحلة من الاتفاق الإطاري وهي تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، وقضية شرق السودان، علاوة على اتفاق جوبا للسلام والعدالة الانتقالية يجانب قضية الإصلاح الأمني والعسكري، وفيما ترفض الكتلة الديموقراطية، التسوية السياسية الجارية، وتتهم المجلس المركزي بمحاولة الإقصاء والانفراد بالسلطة، متمسكة بتوقيع كل أطرافها على الاتفاق الإطاري.. يتساءل محلِّلون سياسيون عن ماذا ينوي البرهان عقب حديثه بشأن إفساح المجال لآخرين، لاسيما بعد الخلافات المتصاعدة بين العسكريين بسبب قضية دمج الدعم السريع والمشكلات الأخرى بين طرفي الحرية والتغيير والكتلة الديموقراطية،حول العملية السياسية، مع الدعوة إلى ضرورة أن يكون هناك توافق يضم أغلب الأطراف، تتشكَّل من خلاله حكومة مدنية تقود المرحلة الانتقالية لحين قيام الانتخابات.
إفساح المجال
وقال رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البٌرهان، إن على الجميع مغادرة الساحة حال تعذَّر الوصول لوفاق وتفاهمات تنهي الأزمة السياسية، وأضاف البرهان خلال دعوة إفطار أقامها عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا، ” رأينا التجاذب بين المجموعات السياسية وأنا بصراحة أرجو منهم جميعاً التنحي جانباً، نحن والكتلة الديموقراطية والمجلس المركزي نبعد جميعاً ونفسح المجال لآخرين.. نحن أضعنا 4 سنوات نتحدث ذات الحديث ولا أحد يريد تقبل الآخر والكل يعمل على “تكبير كومه” لأجل المحاصصة”..وتابع ” إذا فشلنا في عمل أكبر كتلة من التوافق الوطني، تقود البلد والتغيير، يجب أن نمضي إلى الخيار الثاني – بأن نذهب كلنا ونغادر المشهد”..وقال البرهان “تبقت أشياء بسيطة ونصل للاتفاق النهائي، لا نُريد أن نصل إليه بأرجل عرجاء، نود أن يكون كل الناس معنا ونصل لاتفاق بكتلة انتقالية كبيرة ليس فيها شروخ حتى تمضي بالفترة الانتقالية إلى نهاياتها”..وأرجع تأخير التوقيع على الاتفاق لعدم التوصل لتوافق حول بعض القضايا المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري.
حكومة مهتمة
وتعليقاً على خطاب البرهان بشأن العملية السياسية، يقول الخبير والمختص في العلاقات الدولية د. محمد أبو السعود، إن الأمر ليس كذلك، بل المقصود تشكيل حكومة جديدة كفاءات وطنية مستقلة لتهتم بحال البلد وليس لها أي غبن سياسي تجاه الآخرين، وأضاف أبو السعود في تصريح لـ(لصيحة) لذلك أرى قد تكون حكومة جديدة لتصريف الأعمال لفترة قصيرة وقد تعقبها انتخابات رئاسية يفوز بها من يملك الشارع والأغلبية الساحقة التي تصوِّت للإصلاح”، وتابع: لكن في حال تم ذلك هناك شرط مهم أي شخص شارك في حكومة تصريف الأعمال لا يحق له الترشح حتى وإن نجح في الحكومة المدنية المؤقتة لذلك المنتظرون على الرصيف كثر، ويؤكد أبو السعود خلال إفادته للصحيفة “ربما يأتي بحكومة مدنية وعسكرية خليط من التكنوقراط وبعض العساكر المخلصين في الجيش”، لافتاً إلى أن الأمر أصبح لا يحتمل التسويف والتأجيل أكثر من ذلك حسب تعبيره.
مشهد غامض
ومن جهته يؤكد المحلِّل السياسي محمد علي عثمان، أن المتتبع للشأن السياسي في السودان يكتنفه الغموض من كل جانب ولا يمكن التكهن بما تؤول به قادم المواعيد السياسية، وقال عثمان في تصريح لـ(لصيحة): إن تصريحات البرهان الأخيرة والتي ذكر فيها بأنهم إذا فشلوا في الوصول لاتفاق عسكر على مدنيين ينبغي أن يفسحوا المجال لغيرهم، يفسِّر بأنه قد تظهر في كابينة قيادة الجيش شخصية جديدة، تحل محله أو ربما تحدث متغيرات تقلب المشهد السياسي رأساً على عقب، وأشار محمد علي، هذا الجمود الحاصل والشتات الماثل لايمكن أن يقدِّم العملية السياسية نحو خطوات الانتقال السياسي المدني المرجوة، وقال :”الخلافات تضرب الجانب المدني والشقاق وبعد في الرؤى والأفكار والأحقية”، منبِّهاً إلى أن ورشة الإصلاح الأمني لم تبارح مكانها”، وتساءل عثمان بعد الحديث الذي أدلى به قائد الجيش الذي يحمل في طياته رسائل وتحذيرات، عن ماذا ينوي خلال الأيام المقبلة في ظل حالة الانسداد السياسي؟
التزام بالوعد
وتجدر الإشارة إلى أنه وفي إطار دعم العملية السياسية، أجرت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية مولي في، (الخميس) اتصالات بقادة بارزين في العملية السياسية السودانية مؤكدة الاستعداد لمساعدة الأطراف في تجاوز العقبات الحالية وصولاً للحكم المدني..وهاتفت مولي في كل من نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان “حميدتي” والمتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، وذلك بعد أيام من اتصالها برئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان،وقال حميدتي إنه أكد للمسؤولة الأمريكية أن العملية السياسية تمثل فرصة نادرة لاستعادة مسار الثورة، كما إنها خطوة ضرورية للمضي قدمًا وصولاً لانتقال ديموقراطي حقيقي..وأضاف في تصريح: “نحن ملتزمون بالوعد الذي قطعناه بأن نمضي في الاتفاق السياسي إلى نهاياته، بما يحقق طموحات شباب وشابات الثورة في وطن مستقر وآمن ومتقدم ومزدهر.
قضايا معقدة
القيادي بقوى الحرية والتغيير ياسرعرمان قال إنهم يعملون سوياً مع المكوِّن العسكري لإنهاء القضايا العالقة في ملف الإصلاح الأمني والعسكري، وقال عرمان بحسب “سودان تربيون”: إن الحرية والتغيير” تعمل على نحو وثيق مع المكوِّن العسكري من القوات المسلحة والدعم السريع لحل ما تبقى من قضايا في الإصلاح الأمني والعسكري وقضايا الدمج والتحديث. وتم الوصول لحل القضايا الاستراتيجية في الاتفاق الإطاري، كما تم اتفاق ثاني حول الأسس والمبادئ ثم أخيراً قضايا القيادة والسيطرة وكيف يكون شكلها النهائي”..وشدَّد عرمان على أن هذه قضايا بطبيعتها معقدة ومزمنة ونتجت عن الحروب الطويلة والشمولية وتحتاج لمزيد من جهد الشركاء الإقليميين والوطنيين والدوليين..ورأى أن حلها مهم وضروري ليس فقط للسودان، بل لاستقرار الإقليم لأن السودان يربط بين القرن الإفريقي ومناطق الساحل. كما أشار إلى أن محاولات الإسلاميين لاستغلال هذه القضية لتخريب العملية السياسية بكاملها يجعلها أكثر تعقيداً.