من جملة الأسباب التي ذكرتها وزيرة الحكم المحلي المستقيلة بثينة دينار في استقالتها المسببة “أن الظل لا يستقيم طالما العود أعوج”.
وشرحت ذلك أن وزارة الحكم الاتحادي التي ظلت تعتلي عرشها منذ أن دفعت بها الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال (رئاسة مالك عقار) المنضوية إلى الجبهة الثورية لتولي حقيبة الحكم الاتحادي لتكون من أوائل نساء حركات الكفاح ضمن فريق النسخة الثانية لحكومة حمدوك المحلولة .
شرحت بأن هذه الوزارة تعمل الآن بلا إطار دستوري تبني عليه الوزارة مهامها واختصاصاتها، وزات: ” نكاد لا نعلم هل السودان دولة اتحادية لا مركزية أم فدرالية إقليمية كما جاء في اتفاقية جوبا”؟ وأعلن عنه في المرسوم الدستوري رقم (6) لسنة 2012م، من قبل رئيس المجلس السيادي .
تشخيص الأزمة
رغم أن استقالة بثينة جاءت مسببة وواضحة في مفرداتها، لكن تناقلت الأسافير صراعات مكتومة بينها ووزير المالية د. جبريل إبراهيم .
لاسيما وأن تساؤلات بثينة المفتوحة، فتحت بعمق جرح الأزمة، وشخَّصت مكامن العلة، وعرت حكومة المهام التي تعمل في صمت مريب بعيداً عن عين رئيس وزراء أو جهاز تشريعي أضف إلى ذلك بلا دستور أو مهام واضحة، ثم تنعكس إخفاقاتها وبالأعلى المواطن السوداني .
ولاحقاً مصادر بعد الاستقالة بساعات، عن الأجواء الخلافية بين وزراء في حكومة المهام التي شكّلها قائد الجيش بعد إجراءات 25 أكتوبر الماضي.
وكشفت مصادر صحفية الثلاثاء، عن وقوع خلافات حادة مؤخرًا، بين وزيرة الحكم الاتحادي المستقيلة بثنية دينار، ووزير المالية جبريل إبراهيم بشأن مال تسيير الوزارة.
وأشارت إلى أنّ عددًا من الوزراء غير راضين عن طريقة تعامل جبريل.
ونوَّهت إلى انتقادات علنية لأداء جبريل من قبل الوزراء خلال اجتماعات مع قيادات مجلس السيادة.
امرأة مواقف
في ذات الوقت نظر محلِّلون للاستقالة بين الريبة والدهشة من حيث أن الاستقالة جاءت بعد عامين من استمرار الإخفاقات المسرودة، وبعد تسع أشهر من إجراءات البرهان في الخامس والعشرين أكتوبر الماضي، لكنها ذكرت أنها عندما باشرت مهامها بعد الانقلاب رهنت مباشرتها بقضايا واضحة على رأسها تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، والذي بموجبه تقلَّدت منصب وزيرة الحكم المحلي الاتحادي، ووافقت على إيصال الاتفاقية إلى مراميها عبر وقف نزيف الدم غي مناطق النزاعات، وأضافت لأجل حرية التعبير السلمي والممارسة الديموقراطية، التي تأتي بالأمن والاستقرار، ومع مرور الوقت توضح أن الفترة الانتقالية تقترب من نهاياتها وتبقى لها عام وأشهر، والإطار الدستوري أو (الوثيقة) الذي جاءت عليه اتفاقية جوبا مزِّقت وربما تكون قد تمزَّقت معها الاتفاقية حسب قولها وذلك ما يدحض لديها البقاء في موقعها في الوزارة، وأوضحت أن الشباب الذين قادوا ثورة ديسمبر مازالوا يقدِّمون الشهيد تلو الشهيد، ومازالت قضايا معاش الناس معلقة بلا حلول، وحق الحياة والمواطنة قيد الآمال والطموح، لذلك رأت أن تنجز الواجب الوطني عبر المشاركة كمواطنة عادية في ذهاب الانقلاب وعودة الحكم المدني .
وزادت: خرجت مناضلة في صفوف الجبش الشعبي رافضة للظلم والقهر والتهميش، والقتل في جبال النوبة، النيل الأزرق، دارفور وشرق السودان، وأن مارفضته قبلاً أرفضه اليوم في مدن وريف السودان، مجدِّدة الانحياز لقوى الثورة الرافضة للانقلاب.
عود الثقاب
في المقابل ربط بعض المحلِّلين بين الصراعات داخل الحركة الشعبية قطاع الشمال وبين استقالة بثينة، والشاهد أنه و بعد قرارات 25 أكتوبر، دخلت الحركة الشعبية منعرجًا جديدًا، ففي الوقت الذي احتفظ فيه رئيسها مالك عقار بمنصبه في المجلس السيادي الموصوف انخرط نائبه ياسر عرمان في مقاومة الانقلاب محتفظًا بموقعه كقيادي في المجلس المركزي للحرية والتغيير، ما قاده إلى المعتقل في بداية الانقلاب. ودفع هذا الوضع المختل في الحركة الشعبية بعض المراقبين إلى الإشارة إلى وجود انقسام غير معلن في صفوف الحركة.
ينظر إلى المواجهات الإعلامية بين رئيس الحركة ونائبه على أنها بوادر انقسام جديد سيضرب الشعبية. صباح الاثنين الماضي، أصدر رئيس الحركة مالك عقار بيانًا قال فيه إن الحركة لم توفد أيًا من أعضائها للمشاركة في اجتماعات قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، موضحًا أن أيّ عضو شارك في الاجتماعات “يمثل نفسه وليس الحركة”.
وأبانت الحركة في بيانها أن موقفها وعلاقتها بأي تنظيم أو مبادرة يحدِّدها موقف ذلك التنظيم من اتفاق جوبا للسلام من دون تجزئة بنودها. ولمّح البيان إلى أن عرمان يمثل نفسه في المجلس المركزي وليس موقف الحركة ورئيسها الذي ما يزال عضوًا في مجلس السيادة.
ورد نائب رئيس الحركة على بيان رئيسها ببيان وقع عليه ممثلو الحركة في المجلس المركزي والمكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير، قال فيه إن الحركة جزءٌ أصيلٌ من قوى الثورة السودانية، وأنها من مؤسسي قوى الحرية والتغيير في 2019م، وأحد الموقعين على إعلان قاعة الصداقة في أغسطس الماضي.
وأضاف البيان أن الحركة ستظل ممثلة في كل لجان قوى الحرية والتغيير ولن يتغيَّر ذلك. وأردفت أنها ستظل مع الشارع السوداني المناهض للانقلاب
وبعد اتساع رقعة الخلافات رجح محلِّلون أن الصراع داخل الحركة كان بمثابة عود الثقاب وبالتالي انحياز بثينة لتيار المقاومة والثورة بتقديم استقالتها.
تأييد وتضامن
أكدت القيادية بالحركة الشعبية قطاع الشمال، وسكرتير عام نساء السودان الجديد إلهام مالك، أن استقالة بثينة دينار، أوجدت تأييداً وتضامناً كبيراً وسط عضوية الحركة الداعمة لخط الثورة، وأضافت أن الاستقالة جاءت في وقتها، وأحسبها خطوة صحيحة لأنها دعمت ثورة ديسمبر، ومطالب المواطنة العادلة، وأوضحت مالك بأن انقلاب 25 أكتوبر، كان بمثابة القشة القاصمة للاتفاقية وأوقفت تنفيذ بنود اتفاقية السلام، وهذا ماجعل دينار تنحاز لقضايا الثورة بينما استمرارها في الحكم تحدٍ من تحقيق هذه التطلعات ومساهمتها في التغيير .
وبالإشارة إلى الصراعات بين الوزراء في الحكم بيَّنت مالك أن بثينة تعرَّضت لضغط كبير من جهات عديدة لم تسمها لإلغاء لجان التغيير، لكن دينار رفضت وانحازت لقضايا الجماهير، وزادت: نشيد بموقف الوزيرة وصلابتها في مواقفها الإيجابية، وأشير إلى أنها سوف تظل مع قضايا واتفاقية السلام وسوف تظل تناضل لأجل تطبيق الاتفاقية.
خط رجعة
وبالسؤال عن الخلافات التي تضرب وزراء الحكومة الحالية، قال القيادي بالمجلس المركزي للحرية والتغيير، ورئيس حزب البعث التجاني مصطفى لـ(الصيحة) مصطفى: إن هنالك “ربكة ” وفراغ كبير في السلطة منذ انقلاب الخامس والعشرين، وأن الدولة أصبحت تدار (رزق اليوم باليوم)، وأضاف حتى أن القيادية بحزب الأمة مريم الصادق صرَّحت بأن الوضع يحتاج إلى خط رجعة من جميع المكوِّنات السياسية لحل الأزمة .
وتوقع مصطفى أن يلجأ البرهان خلال الفترة القادمة إلى تشكيل حكومة، بزريعة أن القوى الثورية فشلت في التوافق، وأن الفترة الممنوحة لهم انتهت، وأردف -حالياً- المخطط المتوقع تكوين الحكومة من المجموعات الداعمة للمكوِّن العسكري، مجموعة الحرية والتغيير الميثاق الوطني، وقال: هنالك ترجيحات بترشيح ثلاثة شخصيات للتنافس على رئاسة مجلس الوزراء من داخل مبادرة الجد .
وقال: لكن أن تشكيل الحكومة سوف يزيد من الأزمة .
وأضاف: قرار بثينة دينار كان سليم وأعتقد استقام الظل لديها، ولكن فهل يستمر عود الحكومة أعوج؟