كانت ولا تزال قضية الرسوم الدراسية من أكثر القضايا الشائكة والمعقدة، وأصبحت صراع أزلي تتوارثه الأجيال بين أصحاب المدارس الخاصة وأولياء الأمور وبين وزارة التربية والتعليم التي فشلت في السيطرة على هذا القطاع المهم، وفي كل عام تتجدَّد الأزمة وتتفاقم نتيجة للتضخم الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، إلا أن هذا العام وصلت قضية الرسوم الدراسية مرحلة صعبة جداً ليجد المواطن نفسه بين خيارين أحلاهما مر بين الاستمرار بالتعليم الخاص الذي أصبح بعيد المنال وبين التعليم الحكومي الذي أصبح في أسوأ حالاته .
(الصيحة) شرحت هذه القضية في سياق التحقيق التالي.
تباين في الأسعار
شكى أولياء أمور من مضاعفة الرسوم الدراسية هذا العام إلى أكثر من (300%)، وقالوا: توضع الرسوم بحسب الموقع الجغرافي والخدمات التي تقدمها، على سبيل المثال لا الحصر قال عدد من أولياء الأمور بمدارس النصر الدولية الرياض جديد (300)، قديم (290).
من الأول حتى الخامس (350) قديم (340)، السادس (390) قديم (480)
المتوسط (360) جديد، قديم (350)،
الثانوي الأول والثاني (390)جديد، قديم (380) الصف الثالث (400) ألف .
وكشف أولياء الأمور بعدد من المدارس منها الخرطوم العالمية والتي بلغت رسومها (480) ألف جنيه، غير شاملة الترحيل، بينما بلغت رسوم المجلس الأفريقي أم درمان (350) ألف جنيه، أما مدارس المعالي الخرطوم بلغت (400) ألف جنيه.
وتحدثت لـ(الصيحة) والدة تلاميذ وهي في حالة من الذهول أن رسومهم بلغت (2) مليون، (600) ألف للعام الواحد، وكشف عدد من أولياء الأمور لتلاميذ بمدارس الإبداع أساس أن الرسوم بلغت (300) ألف جنيه، غير شاملة الترحيل والزي المدرسي والكتب .
بينما بلغت الرسوم بالمحليات الطرفية ما بين (250) ألف جنيه، إلى (180) ألف جنيه، غير شاملة الترحيل والكتب .
بيئة غير مرضية
وفي حديثها لـ(الصيحة) قالت إحدى الأمهات: إن بيئة المدارس الخاصة أصبحت غير مرضية مقارنة بالأرقام الفلكية التي تفرض على الأسر، وقالت: إن البُنى التحتية ضعيفة من حيث الفصول ودورات المياه، وأضافت: إن المستوى الأكاديمي -أيضاً- أصبح ضعيفاً، واستنكرت صمت وزارة التربية والتعليم، وترى أنها السبب في ارتفاع أسعار الرسوم الدراسية بالضرائب التي تفرضها إلى جانب انعدام الرقابة وفرض الجزاءات على أصحاب المدارس المخالفة، واقترحت بتجميع الرسوم الدراسية وتحويلها لصيانة المدارس الحكومية والنهوض بها، للحد من جشع تجار التعليم، كما اسمتهم. وأضافوا أن المواطن أصبح مطحوناً والحكومة تتفرَّج.
هجرة عكسية
وبالمقابل شرع مئات المواطنين في الانتقال من المدارس الخاصة للمدارس الحكومية، وقالت صفاء صديق: إن أطفالها كانوا يدرسون بإحدى المدارس الخاصة بأم درمان إلا أن رسومها لا تتوافق مع مصدر دخل رب الأسرة الأمر الذي جعلها تتجه للتعليم الحكومي رغم ضعف إمكانياته، وأضافت: إن المدرسة التي لجأت إليها يضم الفصل الدراسي أكثر من (70) طالباً، مقابل عدد قليل من الإجلاس إلا أنها مضطرة للحاق بها وإلا سوف يترك أبناؤها مقاعد الدراسة . وهناك عدد كبير من أولياء الأمور بصدد نقل أبنائهم من التعليم الخاص للتعليم الحكومي.
صمت الحكومة
واعتبر الخبير التربوي عباس الخليفة، صمت الحكومة وعدم فرض هيبتها عبر الرقابة وسن القوانين أدى إلى تنامي ظاهرة التعليم الخاص، وأضاف: إن المدارس الخاصة هي عبارة عن العلاج بالكي، لعدم توفر تعليم حكومي كما كان في السابق، ويرى الحكومة رفعت يدها عن التعليم بعد أن رأت أولياء الأمور يتهافتون على القطاع الخاص رغم ارتفاع الأسعار حفاظاً على فلذات أكبادهم من الضياع، وأصبح المواطن مغلوب على أمره، وليس هناك ما يفعله سوى الاستسلام للأمر الواقع وهو التعليم الخاص، الذي فشلت الحكومة في كبح جماحه .
قدرات مالية
بينما دافع صاحب إحدى المدارس الخاصة عن الرسوم التي تم فرضها هذا العام، وقال لـ(الصيحة): إن تلك الأرقام تم وضعها بعد مراعاة لوضع المواطن، وكشف أنها لا تغطي تكلفة تسيير المدارس، وأضاف: إن على أولياء الأمور اختيار المدارس حسب إمكانياتهم المالية، فهناك مدارس أقل تكلفة وأقل من حيث البيئة والخدمات .
جهود مبذولة
بينما يرى مدير مرحلة الأساس بولاية الخرطوم دكتور محمد حامدنو، البشير أن الوزارة تبذل مجهوداً في سبيل توفير تعليم حكومي للتلاميذ في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وارتفاع الأسعار في جميع المستويات، وقال: إن أصحاب المدارس الخاصة عليهم التزامات -أيضاً- من رواتب المعلمين وإيجارات العقارات وغيرها، لذلك عقدت الوزارة ورشة عمل حول قضية الرسوم وشاركت فيها جميع شركاء العملية التعليمية بالقطاع الخاص، وخرجت الورشة بتكوين لجنة مختصة من أهل الشأن لوضع الرسوم الدراسية، وأضاف إنها توضع حسب الخدمات التي تقدِّمها المؤسسة، وبيئة السكن والمدرسة . وأضاف: إن التعليم الخاص مبني على الرضا بين الطرفين، وما يشاع عن الرسوم التي تفرضها الوزارة على المدارس الخاصة هي رسوم مفروضة من قبل الجهات التشريعية وتذهب لخزينة الدولة ليستفيد منها جميع المواطنين وليست للوزارة يد فيها.