الراى السودانى
تعيش البلاد في الوقت الراهن جملة من الأزمات والصعوبات التي استعصى على المواطن تحمُّل تبعاتها يوماُ بعد يوم، فإلى جانب الوضع الاقتصادي البائس الذي يعيشه المواطن ويكابد من أجل الحصول على لقمة عيش كريم، بات الوضع الأمني مقلقاً للغاية، حيث فقد المواطن الإحساس بالأمن وهو في رحلة حياته اليومية بحثاً عن رزقه الحلال، تحاصره هواجس النهب والسحل والقتل من قبل المجموعات المتفلتة التي باتت تستبيح الشوارع والمحلات العامة ضاربة بالقوانين و اللوائح عرض الحائط ومتخذة من أدوات القتل الحديث والتقليدي وسائل لتنفيذ جرائمها .
وفي ظل هذه الأوضاع ومن أجل إعادة الثقة للمواطن في أجهزته الرسمية التي يلزمها وفق القانون حماية آمنة وسلامة الوطن تعالت الانتقادات، بل أن البعض بدأ يبحث عن وسائله الخاصة لتأمين نفسه وعائلته بعد أن وصلت جرائم التفلتات الأمنية لدرجات مخيفة، ولحسم ذلك العبث وإعادة الأمر لأصحابه عقد مجلس الدفاع والأمن، أمس الأول اجتماعاً حاسماً لهذا الغرض ووضع توجيهات محددة واجبة التنفيذ مع الأخذ في الاعتبار أن البلاد ما تزال تعيش تحت قانون الطوارئ المطبَّق منذ أكتوبر ٢٠٢١ وكان من الممكن أن تنفذ التوجيهات مباشرة دون توجيهات جديدة، غير أن ما وصل إليه الحال حتَّم توصيل الرسالة بشكل مباشر وأكثر صرامة للجهات المستهدفة.
توجيهات صارمة
فى اجتماعه الذي عقد أمس الأول، وجَّه مجلس الأمن والدفاع المشترك، القوات المسلحة والقوات النظامية كافة بجميع أنحاء البلاد بحسم أيِّ مظاهر عسكرية غير نظامية وبالتحرُّك الفور والحاسم لاتخاذ مايلزم من إجراءات قانونية لحسم التفلتات الأمنية والظواهر السالبة التي برزت مؤخراً بما يحفظ هيبة الدولة.
وعقدت اللجنة الفنية التابعة للمجلس، اجتماعها، بالقيادة العامة للقوات المسلحة برئاسة رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وبحضور نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو، وأعضاء اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع.
وبحسب تصريح صادر عن العميد الركن نبيل عبدالله علي، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة عقب الاجتماع أن اللجنة استعرضت الموقف الأمني والجنائي بالبلاد واتخذت عدداً من القرارات، أبرزها توجيه القوات المسلحة والقوات النظامية كافة بجميع أنحاء البلاد بالتحرُّك الفوري والحاسم لاتخاذ مايلزم من إجراءات قانونية لحسم التفلتات الأمنية والظواهر السالبة التي برزت مؤخراً بما يحفظ هيبة الدولة .
كما كلَّف الاجتماع القوات المسلحة بالمناطق كافة والفرق والقوات النظامية، بالتعامل الحاسم والقانوني مع المظاهر العسكرية كافة غير القانونية ضد أي مجموعات أو أفراد بمدن البلاد.
ليس الأول
بعض المراقبين شكك فى إمكانية حسم التفلت بعد أن تفاقم الأمر ووصلت معدَّلات الجرائم معدَّلات مخيفة وأشاروا إلى أن الحكومة سبق وأن أصدرت قرارات مشابهة ولم تتمكَّن من حسم التفلتات.
تطبيق القوانين
الفريق محمد محمود جامع، يرى أن الكل متفقون على أهمية حسم التفلتات و إعادة الثقة والأمن للمواطن السوداني في قواته المسلحة وأجهزتها الأمنية، ويعتقد أن تطبيق القرارات والتوجيهات يجب أن يسير قدماً للأمام وفق مرجعيات قانونية معروفة يتكئ عليها منفذ القانون ويطبِّق القانون للعامة وليس لجهة أو شخص لضبط الشارع والتفلتات، ويضيف جامع في إفادته لـ(الصيحة): إن الجهة القنفذة للقانون قد تحدث نتيجة هذا التطبيق موت أو إصابات وبما أن المنفِّذ طبق القانون وفق التوجيهات يجب أن لايصابه ضرر، أما في حالة تجاوز المنفذ الممنوح له بموجب القانون يجب أن ينال نصيبه من العقاب، ويرى أن قضية المتفلتين وصلت لمراحل لابد من حسمها ورفعها، وحذَّر جامع من أن أيِّ تراخٍ في تنفيذ القوانين فلن تصل التوجيهات إلى النتيجة المرجوة في حسم التفلت وعودة الأمن و الاستقرار للبلاد.
منح الثقة للأجهزة
رغم أن البلاد تعيش تحت قوانين الطوارئ، إلا أن دخول السودان في مرحلة جديدة أعقبت نظام سابق حتَّمت على السلطات الحاكمة ممثلاً في مجلس الأمن والدفاع اتخاذ إجراءات صارمة لحسم التفلتات وإنهاء حالة السيولة الأمنية.
ويرى اللواء ركن عبد الرحمن أرباب، أن استتباب الأمن والاستقرار مسؤولية القوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخرى، ويضيف لـ(الصيحة ): إن القوات المسلحة يجب أن تمنح الثقة وأن تفعل ماتشاء ولكن في حدود القانون الممنوح لها لوقف التفلتات، وأشار إلى أن القوات المسلحة أدَّت القسم بأن تنفِّذ ما يطلب منها حتى لو أدى ذلك أن يضحوا بحياتهم، ويرى أهمية تنفيذ القانون ولكن دون استخدام القوة المفرطة، لافتاً إلى أن أفراد القوات النظامية كثيراً ما يُعرَّضون للمحاكمات إذا تجاوزا القوانين الممنوحة لهم، لافتاً لأهمية أن يعمل الإعلام على إبراز تلك المحاكمات حتى يتعرَّف المواطن أن لا أحد فوق القانون. وشدَّد أرباب، على ضرورة حسم مظاهر الفوضى والتعدي على الممتلكات العامة من قبل بعض المتظاهرين مثل حرق العربات، ولفت إلى أن الحرية والتظاهر يجب أن لا يكون مدعاة الفوضى وإتلاف الممتلكات.
لن تُغيِّر شيئاً
مصدر أمني فضَّل حجب اسمه يرى في حديثه لـ(الصيحة) أن التوجيهات التي صدرت عن مجلس الأمن و الدفاع لن تغيِّر شيئاً ولن تحدث تغييراً في المشهد الراهن، ولن يكون لها تأثير ذو قيمة لجهة أن هذه التوجيهات أصلاً موجودة و ليس هنالك ضرورة لإعلانها خاصة وأن البلاد تعيش في حالة طوارئ، و يشير المصدر إلى أنه كان بالإمكان صدور هذه التوجيهات دون توجيه إعلان . مضيفاً: إن حالة الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد له أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية معقَّدة وجزء من مشهد عام تعيشه البلاد. وأشار إلى أن حالة الانفلات الأمني تعد انعكاساً لحالة السيولة بالبلاد وأن الوضع لن يعالج بالقوة، بل بمعالجة المشهد بأكمله، لافتاً إلى أنه في حالة استمرار سيولة المشهد بشكل عام فإن حالة الانفلات ستستمر وربما تتطوَّر إلى ما هو أسوأ .