أعلنت فرنسا الجمعة 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن الانقلاب في السودان أثار الشكوك حول إمكانية إقدام فرنسا، ثاني أكبر دائن للخرطوم، على إلغاء ديون بقيمة خمسة مليارات دولار مستحقة على ذلك البلد، فيما حل الجيش السوداني كل مجالس إدارات الشركات الحكومية والمشاريع الزراعية القومية وفق ما ذكر التلفزيون الرسمي.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية آن كلير لوجندر للصحافيين في إفادة يومية “بات من الواضح أن قوة الانقلاب الذي نفذه الجيش في 25 أكتوبر تضع هذه العملية موضع شك”.
مطالبة بالافراج عن المعتقلين
وفي حين لم يذكر التلفزيون السوداني الحكومي أي تفاصيل أخرى بشأن حل مجالس إدارة الشركات الحكومية، وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية والمحلية، طالبت “قوى الحرية والتغيير” الحكام العسكريين بالإفراج عن ثلاث شخصيات سياسية، قالت إنهم اعتُقلوا بعد اجتماعها مع مبعوث للأمم المتحدة.
وتشارك الأمم المتحدة في جهود وساطة تهدف إلى إطلاق شخصيات من بينها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي يخضع للإقامة الجبرية، والعودة لاتفاق تقاسم السلطة، وذلك وسط مسيرات جماهيرية واحتجاجات مناوئة للجيش.
لكن تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير” قال إن ثلاثة ناشطين اعتُقلوا يوم الخميس الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وهم اثنان من أعضاء حزب المؤتمر السوداني وعضو بارز في لجنة “إزالة التمكين” التي تعمل على تفكيك أصول حكومة الرئيس السابق عمر البشير.
محاولات لنشر الاحباط
وأعلن تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير أن أي تقارير عن اتصال بينه وبين الجيش أو “عن اتفاق وشيك بين الجيش وحمدوك غير صحيحة، وليست سوى محاولات يائسة لنشر الإحباط بين السودانيين”.
وقال مصدر قريب من حمدوك في وقت متأخر الخميس، إن “المحادثات تحرز تقدماً”، لكن كثيراً من حركات الاحتجاج التي تستعد لتنظيم مزيد من التظاهرات ترفض الحلول الوسط مع الجيش، وتطالب بالحكم المدني الخالص.
ونددت بعثة الأمم المتحدة في السودان بما جاء في تقارير عن اعتقال طه عثمان إسحق وشريف محمد عثمان وحمزة فاروق، بالقرب من مكاتبها في العاصمة الخرطوم عقب اجتماعهم مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس، ودعت إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين.
وقالت البعثة في بيان، “هذه الاعتقالات تعرقل مساعي إعادة الاستقرار والعودة لمسار التحول الديمقراطي في السودان، وتلغي أي أثر إيجابي لإطلاق أربعة من الوزراء المعتقلين بالأمس”.
دعوات دولية
وفي جنيف، دعت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت اليوم الجمعة (5 نوفمبر)، القادة العسكريين في السودان إلى الرجوع عن موقفهم “والسماح للبلاد بالعودة لطريق التقدم نحو الإصلاحات المؤسسية والقانونية”.
ووافق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الجمعة على تعيين خبير لمراقبة الوضع في السودان.
وقال قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، إن “القوات المسلحة تدخلت لإنهاء الاضطراب في البلاد، ولتجنيبها خطر وقوع حرب أهلية”، وإن “الانتخابات ستجرى عام 2023”.
ويتهم المنتقدون الجيش بأنه أشعل الاضطرابات في البلاد قبل الانقلاب، ويقولون إن ذلك يجعل خطر الحرب الأهلية أكثر احتمالاً، كما أنه أخرج العملية الانتقالية عن مسارها، والتي كان الهدف منها الخروج بالبلاد من عزلة، وحروب محلية استمرت عقوداً.
تنديد دولي
ودعا مجلس حقوق الإنسان الأممي الجمعة الى “عودة فورية” للحكومة المدنية في السودان، فيما طالبت وزيرة الخارجية في الحكومة المقالة مريم المهدي بإحالة “جريمة” الانقلاب على المحكمة الجنائية الدولية.
واعتمد المجلس قراراً ندد فيه أيضاً بـ “التوقيف الظالم” لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك وكذلك مسؤولين آخرين مطالباً بأن يفرج العسكريون “فوراً” عن “كل الأفراد المعتقلين بشكل غير شرعي أو تعسفي”.
وكررت عدة دول ما أعلنه السفير البريطاني في جنيف سايمن مانلي الذي ندد “بالتدهور الدراماتيكي لأوضاع حقوق الإنسان” منذ الانقلاب.
وقال السفير الفرنسي في جنيف جيروم بونافون “فيما ينتفض الشعب السوداني سلميا ضد الانقلاب الذي يحاول كسر التحول الديموقراطي، توجه إليه المجموعة الدولية رسالة دعم قوية وتتعهد من خلال اعتماد هذا القرار بالاجماع السهر على عودة دولة القانون وإعادة الحكومة الانتقالية إلى السلطة واحترام حقوق الإنسان”.
وعقدت أعلى هيئة لدى الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، جلسة طارئة بطلب من بريطانيا والمانيا والولايات المتحدة والنروج، وطلب المجلس أيضاً تعيين خبير رفيع المستوى من قبل المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه يكلف مراقبة احترام حقوق الإنسان في هذا البلد.
ودعت باشليه العسكريين إلى “الانسحاب لافساح المجال أمام البلاد لايجاد طريق التقدم نحو إصلاحات مؤسساتية وقانونية”.
ونددت أيضاً بسلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان، مثل إطلاق النار ضد متظاهرين، ما أدى بحسب قولها إلى مقتل 13 منهم وجرح أكثر من 300، وقطع الإنترنت منذ الانقلاب ما يمنع السكان من الوصول إلى المعلومات. وأضافت “يجب إطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفاً بهدف إقامة حوار والعودة إلى الحكم المدني”.
ويبدو أن الوضع على الأرض يتطور بسرعة، إذ أصدر البرهان قراراً الخميس، بالإفراج عن أربعة وزراء احتجزوا إثر الانقلاب الشهر الماضي، في وقت يتصاعد الضغط الدولي لاستئناف مسار الانتقال الديمقراطي.
ولكن مريم المهدي، وزيرة الخارجية في الحكومة السودانية التي أقالها البرهان طالبت، في كلمة مكتوبة موجهة لمجلس حقوق الانسان بـ “اعتبار الانقلاب العسكري ضمن الجرائم التي تقع في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، أمر يحتاج التفعيل بصورة عملية”.
وعلى الرغم من أن الجلسة المنعقدة في جنيف لم تبث كلمة الوزيرة السودانية، إلا أن صفحة وزارة الثقافة والإعلام السودانية على موقع “فيسبوك” والرافضة للانقلاب قامت بنشرها.
وكانت المهدي من المسؤولين السودانيين عن ملف تسليم الرئيس المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وعبرت روسيا من جهتها عن “قلقها من تفاقم الوضع” في السودان، معتبرةً انه “من المهم تجنب أي تصعيد”، لكن مندوب موسكو أكد أن الجلسة الخاصة كانت “تدخلاً غير مقبول” في الشؤون الداخلية لبلد “وسابقة لأوانها”. وشاطرته الصين وفنزويلا وجهة النظر هذه، وعلى غرار روسيا قررتا النأي بالنفس علناً عن الاجماع.
وخلافاً للتقليد المتبع، طالب نائب المندوب الدائم في جنيف عثمان أبو فاطمة آدم محمد في رسالة هذا الأسبوع بأن يصبح المتحدث باسم السودان، غير أن المندوب الدائم علي بن أبي طالب عبدالرحمن محمود يبقى الممثل الرسمي للسودان في المنظمة