الراى السودانى
على نحو مفاجئ التأم اجتماع بين رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ورئيس حركة جيش تحرير السودان عبدالواحد محمد نور بجوبا أمس الأول، وتناول اللقاء الحوار السوداني السوداني الذي ظل يتمسك به عبدالواحد.
كثيرون استشعروا التفاؤل إزاء اللقاء خصوصاً وأنه ليس الأول من نوعه بين الرجلين.
لا مبرر
مارس الماضي زار عبدالواحد نور جوبا بدعوة من رئيس دولة جنوب السودان، وأشارت التحليلات إلى أن الهدف الأساسي مناقشة إمكانية انضمام عبدالواحد إلى المفاوضات حينها، استكمالاً لعملية السلام بدارفور، مشيرين إلى أن العلاقة بين الرجلين طيبة ويمكن أن يتوصلا إلى ضرورة انضام حركة جيش تحرير السودان للتفاوض.
لكن الحركة وقتها أوضحت أنّ الزيارة لا علاقة لها بالتفاوض مع الحكومة أو الالتحاق بمنبر جوبا الذي أوضحت الحركة رأيها حوله منذ بدايته.
ظل عبدالواحد محمد نور يتمسك بالحوار السوداني السوداني، رافضاً التفاوض خارج الخرطوم، لكن محللين سياسيين أوضحوا أنه لا مبرر لعدم التحاقه بعملية السلام، وقالوا إنه حمل السلاح ضد النظام السابق وليس ضد الحكومة الانتقالية، بالتالي لا مبرر لرفضه اللحاق بمفاوضات السلام، وأشاروا إلى أن الحوار تمدد كثيراً، وربما تفقد الحركة قاعدتها الجماهيرية وتتسلل إليها قناعة بأن الحركة لا تريد الانخراط في مفاوضات سلام، مشيرين إلى أنه لا توجد معلومات كافية عن هذا الحوار.
آخرون اعتبروا أن اتفاق جوبا للسلام لم يكن منبراً حقيقياً بل كان منبراً لتولي المقاعد في السلطة، ولم يخاطب جذور المشكلة، لذلك ما تزال الصراعات تتفجر بين وقت وآخر ليس في دارفور فحسب بل في مناطق مختلفة، معتبرين أن تمسك عبدالواحد برأيه بضرورة إجراء حوار بالداخل هو رأي صائب.
تفاصيل اللقاء
وطرح عبدالواحد خلال لقائه برئيس الوزراء بفندق بيراميدز جوبا، أمس الأول رؤية حركة تحرير السودان “للحوار السوداني الجامع للسودانيين”، الذي دعا له مؤخراً، لإيجاد حلول شاملة لجميع المشكل السوداني ومحاربة جذور الأزمة، والوصول لسلام شامل في جميع ربوع السودان، وليس دارفور وحدها.
وكان المُمثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، فولكر بيرتس، قد قال أمس، إن الأمل يحدوه في أن تشجِّع، هذه المُفاوَضات جَميع الأطراف المُتبَقيّة التي لَم توَقّعِ، على الانخِراط بحِسنِ نيَّة لِتحَقيق سَلامٍ عادِلٍ وشامِلٍ في السودان يعُالِج الأسباب الجَذرية لِلنزِاعات ويعَكِس تطَلُّعات الشَّعب .
يذكر أن اللقاء بين حمدوك ونور، حضره وزير الرئاسة بجنوب السودان برنابا بنيامين وستتم مواصلة الحوارات في الفترة القادمة.
قال الناطق الرسمي للحركة، محمد عبد الرحمن الناير، في تصريح صحفى، إن اللقاء جاء مواصلة لمخرجات اللقاء الذي تم بين حمدوك ونور في باريس يوم 29 سبتمبر 2019م، وأن اللقاء ناقش مجمل الأوضاع المعقدة التي يمر بها السودان وضرورة تحقيق السلام العادل والشامل والمستدام الذي يخاطب جذور الأزمات الوطنية.
وأضاف: “قدّم وفد الحركة، شرحاً وافياً للدكتور عبد الله حمدوك حول مبادرة الحوار السوداني السوداني التي تنوي الحركة إعلانها قريباً كمخرج للسودان من حالة التوهان وانسداد الأفق السياسي. اتفق الطرفان على مواصلة اللقاءات والعمل من أجل تحقيق السلام الشامل والمستدام بالسودان ودفع كافة استحقاقاته” .
وثمّن الناير، المجهودات المقدرة التي يقوم بها فخامة الرئيس سلفا كير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان والدكتور برنابا بنجامين وزير شؤون الرئاسة من أجل تحقيق السلام بالسودان وتسهيلهما هذا اللقاء المُهم.
جذور الأزمة
مراقبون أكدوا أن لقاء حمدوك وعبدالواحد خطوة مهمة لبناء السلام، لكنهم أشاروا إلى ضرورة معالجة جذور الأزمة في دارفور، موضحين أن المشكلة الأساسية تتعلق بالثروة والسلطة، وإذا لم يكن هناك تقسيم عادل لهما ستحدث النزاعات مرة أخرى، منوهين إلى أن الخراب الذي حدث خلال الـ30 عاماً الماضية يحتاج من المركز دفع استحقاق اتفاق جوبا.
الخبير العسكري اللواء إسماعيل مجذوب يذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى أن أزمة دارفور هي صراع بين المركز والحركات المسلحة الرئيسية وكانت حركة تحرير السودان والعدل والمساواة، لكن نسبة للانشقاقات منذ وقت مبكر وصل عدد الحركات إلى 64 حركة، مشيراً إلى أن اتفاق جوبا للسلام انخرطت فيه مجمل الحركات المسلحة بالإضافة إلى حركات أخرى قامت بتنفيذ ترتيبات أمنية مع النظام البائد.
وقال إن اتفاق جوبا لم يشمل عبدالعزيز وعبدالواحد نور، بالإضافة إلى مجموعات بليبيا، لكنها في طريقها للسودان، وقال إن دخول عبدالواحد في مفاوضات سلام مع الحكومة سيؤدي إلى حد كبير لإنهاء الصراع بجبل مرة ووسط دارفور وشمال دارفور، وبذلك تكون قد انطوت صفحة الحرب ما لم تنشأ حركات جديدة.
المحلل السياسي محمد عباس أشار في حديثه لـ(السوداني) إلى أن عملية السلام فيها تعقيدات لم نستطع تفكيكها حتى الآن، مشيراً إلى أن عملية السلام تحتاج لترتيبات أمنية، وقال إن حركات الكفاح المسلح يجب أن تتحول إلى أحزاب سياسية لممارسة العمل السياسي ولا داعي لحمل السلاح، لانتفاء أسباب حمله، منوهاً إلى أن السلام لا يكتمل إلا بتنفيذ استحقاقاته بشكل واضح.
عباس لم يستبعد أن يكون عبدالواحد قد وضع شروطاً أمام حمدوك خلال لقائهما بجوبا، من بينها وجود ضمانات لترتيبات أمنية، مشيراً إلى أن الحركة لديها قيادة سياسية، واستطاع عبدالواحد أن يتحول من العمل المسلح إلى العمل الجماهيري، معتبراً ذلك من المكاسب التي تحصل عليها بعد سقوط الحكومة، بالإضافة إلى أنه استفاد من أخطاء الماضي، ومن خبرته الطويلة في العمل السياسي.
ضغوط دولية
لقاء رئيس الوزراء ورئيس حركة جيش تحرير السودان وجد اهتماماً من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرين إلى أنه خطوة مهمة لتحقيق السلام، رغم أنها تأخرت كثيراً، وطالبوا عبدالواحد بأن يتخذ قراراً سريعاً بالدخول بالإعلان عن الحوار السوداني السوداني الذي ظل ينادي به، وقالوا (حان موعد ميلاده).
لكن آخرين أشاروا إلى أن عبدالواحد حضر إلى جوبا استجابة لضغوط دولية مكثفة مُرست عليه ، مشيرين إلى أن المجتمع الدولي دعا الحركات للانخراط في سلام، وإذا لم تستجب فسيتم معاملتها كحركات إرهابية، ولم يستبعدوا أن يكون قد وضع شروطاً للانضمام إلى السلام.
وحول هل يمكن أن يكون عبدالواحد قد وضع شروطاً أمام حمدوك قال إسماعيل المجذوب، أن منفستوالحركة يعتمد على التعويضات وتمثيل كل الحركات كل الحركات في جبل مرة في المفاوضات، وأتوقع أن تكون هذه هي الشروط، وأضاف: توجد متغيرات دولية وإقليمية من بينها غياب ديبي في تشاد وتغيير الأنظمة الموجودة بالمنطقة، بالإضافة إلى العلاقات المتميزة بين السودان وفرنسا بعد ثورة ديسمبر والتطورات الإيجابية بعد مؤتمر باريس، منوهاً إلى أن السلام أولوية ولا يمكن استخدامه كتكتيك مرحلي لإحراز مكاسب في السودان لأي مجموعة، لأنها ستصاب بالفشل في الفترة الانتقالية أو الانتخابات.
المحلل السياسي محمد عباس أشار إلى أن حركات الكفاح المسلح تعرضت بصورة عامة إلى ضغوط خارجية للجلوس في مفاوضات سلام مع الحكومة، وقال أتوقع كذلك أن يكون عبدالواحد تعرض لضغوط، مشيراً إلى أنه يفكر بشكل استباقي، وأيقن أنه ولا بد من انضمامه لعملية السلام حتى لا يفقد قاعدته الجماهيرية خاصة وأنه بنهاية الفترة الانتقالية ستكون هناك انتخابات ولا بد أن يكون مستعداً لها.