الراى السودانى
(كان اللهُ في عون موتى البلاد)، فقد أُهملوا و(شبعوا) إهمالاً في الحياة وبعد الممات، عاشوا حياةً ضنكى وماتوا سُدىً دون أن يعرف أحد بأي ذنبٍ قُتلوا.. وبعد أن (استراحوا) من همِّ وغمِّ هذه الحياة بكل مرارتها، لم يجدوا من يكرمهم بمواراتهم الثرى، فتكدّسوا بثلاجات مشارح حمّلوُها فوق طاقتها بعشرات المرات، وليت المأساة انتهت هنا بل ها هي تبدأ من جديد.. (السوداني) حققت في شكاوى سكان حي امتداد الدرجة الثانية بالخرطوم عقب انبعاث روائح كريهة من مشرحة المستشفى الأكاديمي –حاج المرضي حالياً- الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً على مواقع التواصل، خاصة مع ربط أصحابها بضحايا ومفقودي الحراك الثوري.
وساعد على استمرار هذا الجدل، دعوات النشطاء عبر مواقع التواصل، للتحقيق في القضية عبر نداءات للمسؤولين، ومطالبات بضرورة تشريح الجثث وتحديد هوية أصحابها لحسم الشكوك التي أثارتها.
المشهد المؤسف.. إكرام الميت مفقود
التيار الكهربائي بانقطاعه مراراً وتكراراً خلال فترة البرمجة ربما تواطأ مع القدر في كشف المستور، فلم تنجح الثلاجات التي تراكمت فيها الجثث في تجميد الموتى وحفظ جثامينهم من التحلل، لتنتشر الروائح تحكي مأساة بلد (الحي فيها بلا كرامة والميت أيضاً)..
تحلل الجثامين أزعج السكان فخرج مواطنو امتداد الدرجة الثالثة بالخرطوم في احتجاجات مستمرة على تكدس جثث مشرحة مستشفى الأكاديمي، وعندما قررت السلطات نقلهم إلى مقابر جماعية بشرق النيل.. خرج مواطنو تلك المناطق احتجاجاً على دفنها بأرضهم وهكذا وجد موتى السودان أنفسهم غرباء في وطنهم، الكل يلفظهم، ليقول القائل: كُنْ اللهم لطيفاً بهم واحفظهم من الكلاب الضالة التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى منهم بسبب الإهمال التام الذي وجدوه من جهات الاختصاص بلا استثناء.
تفاصيل صادمة.. منذ ثلاثة أسابيع
المواطن بحي الامتداد ومدير قسم الطوارئ والإصابات بالمستشفى الأكاديمي د .محمد عوض كشف في حديثه لـ(السوداني) عن تفاصيل صادمة بتَحَلُّل أكثر من (190) جُثة بمشرحة المستشفى الأكاديمي وخروج روائح وسوائل من الثلاجات إلى خارج سوح المستشفى، مما سبب ضراراً بالغاً لسكان الحي والأحياء المجاورة، وأكد في حديثه أن المشكلة بدأت منذ ثلاثة أسابيع بتكرار قطوعات التيار الكهربائي حيث بدأت الجثث في إخراج روائح نتنة من المشرحة حتى عمّت كافة أرجاء الحي، منوهاً إلى إخطارهم هيئة الطب العدلي بوزارة الصحة بحل عاجل لدفن الجثث، مشيراً إلى رد الهيئة بخطاب اعتذار عن الضرر الذي وقع على سكان الحي، وسوف تتم معالجات بتوصيل مولد للثلاجات.
أعطال مستمرة.. طاقة استيعابية ضئيلة
د . محمد عوض أكد أن محتوى رد خطاب هيئة الطب العدلي، ينقل سماح النيابة العامة بتشريح ودفن الجثث المتكدسة بالمشارح التي تسببت في الأعطال المستمرة للثلاجات، وأكد د. محمد أن مشرحة الأكاديمي أنشئت لغرض تعليمي لطلاب كلية الطب بجامعة العلوم الطبية (مأمون حميدة) وليس لها طاقة استيعابية لهذا العدد المهول من الجثث بدليل أن الجثث المُتحلِّلة خارج فناء المشرحة بحيث تتواجد في ثلاجات خارجية في فناء المستشفى..
وكشف عوض عن نزع المشرحة من جامعة العلوم الطبية وإلحاقها بهيئة الطب العدلي بوزارة الصحة وقوميتها قبل عام فقط، مؤكداً دخول سكان الحي في اعتصام مفتوح وإغلاق كافة الطرق المؤدية للمستشفى حتى تنفيذ مطلبهم الوحيد وهو دفن الجثث وإيقاف جريان المواد العضوية والدماء من الثلاجات للشارع مما جعل المواطنين يقومون بعملية ردم الدماء بالأتربة. واصفاً الوضع بالمزري داخل وخارج المستشفى، وأضاف: الروائح الكريهة ماتزال في ازدياد ونناشد جهات الاختصاص بالحل العاجل لأن بالحي مرضى ربو وأزمة لا يحتملون استنشاق العطور ناهيك عن روائح البشر التي تعد أشد الروائح خطورة على الأنوف.
إعتصام مفتوح وثلاثة طلبات
عُضو لجان مقاومة امتداد الدرجة الثالثة معتز حسن يذهب في حديثه لـ(السوداني) أن الروائح المُنبعثة من المشرحة أدت إلى رحيل عدد كبير من الأسر من حي الامتداد إلى أحياء أخرى، منوهاً إلى تَضرُّر مرضى الجهاز التنفسي من تحلل المواد العضوية من الجثث، مؤكداً استمرار اعتصام لجان مقاومة وسكان الحي وتضامن عدد من الأحياء معهم، ولن ينفض إلا بعد تحقيق مطالبهم العادلة التي حددها في تشريح الجثامين وأخذ عينات فحص DNA ، بالإضافة إلى أن تتم عملية القبر بمقبرة منفصلة لكل جثمان مع وضع شاهد يتطابق مع الفحص لسهولة الإجراءات عند التعرف على أهله، كذلك نقل المشرحة إلى خارج الحي فور الانتهاء من عملية الدفن.
مديرة المشرحة.. استقالة سابقة وعمل إنساني
مُديرة مشرحة المستشفى الأكاديمي د.أشواق الطاهر تذهب في حديثها لـ(السوداني) إلى أن تحلل الجثث بالمشرحة نتيجة لاستمرار قطوعات التيار الكهربائي وخروج المستشفى من الخط الساخن، كاشفة عن دخولها في اجتماعات مع لجان المقاومة بالحي ومخاطبتهم إدارة هيئة الطب العدلي منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، ونوهت إلى تقديمها استقالتها من إدارة المشرحة، ووصفت عملها الآن بالمشرحة بالإنساني وأنها تسعى جاهدة لحلول عاجلة لدفن الجثث المتكدسة بالمشرحة .
قرارات بالتشريح.. ثلاث لجان
مدير عام المستشفى الأكاديمي د. عمر الجزار كشف في حديثه لـ(السوداني) عن صدور قرار من النائب العام أمس بالبدء في تشريح الجثث ودفنها، وأكد الجزار تكوين ثلاث لجان من مشرحة الأكاديمي، ومشرحة مستشفى بشائر الجامعي، ومشرحة مستشفى أم درمان لتشريح كافة الجثث بمشارح الولاية بدايةً بجثامين مشرحة المستشفى الأكاديمي. وأوضح الجزار أن تشريح الجثث يحتاج لإجراءات أمنية خاصة لمعرفة أسباب الوفاة وغيرها من الإجراءات التي تحتاج لفترة زمنية أطول، منوهاً إلى تضرر إدارة المستشفى والمرضى ومرافقيهم من الروائح المنبعثة من المشرحة، مؤكداً أن السبب الرئيسي هو خروج المشرحة عن الخط الساخن قبل شهر، واصفاً قرار خروج المشرحة عن الخط الساخن بغير الموفق مما انعكس فوراً على الجثث وذوبان ثلوج الجثث وتحللها وخروجها من الثلاجات إلى فناء المستشفى في شكل دماء سائلة، وأضاف أن المشرحة بها عدد 3 ثلاجات اثنان داخل المشرحة بها جثث لحديثي الوفاة، والثلاجة الثالثة خارجية وهي الأكبر والتي تتكدس بها الجثث، مناشداً اللجان بالإسراع في عملية التشريح ودفن الجثث في أسرع وقت ممكن.
تكَدُّس (1.300) جثة بالمشارح!!
وكشف مُدير عام هيئة الطب العدلي بوزارة الصحة ولاية الخُرطوم د. هاشم محمد صالح فقيري لـ(السوداني) عن أن اسباب تُحلُّل الجثث بمشرحة المستشفى الأكاديمي نتيجة لقطوعات التيار الكهربائي وخروج المستشفى من الخط الساخن ما أدى لتفاقم المشكلة بصورتها الحالية وتَمَدُّدَها بكافة مشارح الولاية. موضحاً أن الولاية بها عدد ثلاث مشارح فقط بكل من مُستشفى بشائر الجامعي، والمستشفى الأكاديمي، ومستشفى أم درمان التعليمي وأن طاقتها الاستيعابية لحفظ عدد (100) جثة فقط، ونوّه إلى تَكَدُّس أعداد كبيرة من الجُثث بالمشارح وظلت في ازدياد مُستمر منذ العام 2019م حتى وصلت الآن إلى (1.300) جُثة الأمر الذي أثَّر على كفاءة الثلاّجات ، مُشيراً إلى أن النيابة العامة سمحت بتشريح ودفن الجُثث والاحتفاظ بالعينات لفحص الـ (دي إن إ) وربطها بقبر المتوفي والشاهد عند التَعرُّف على أهله منذ سبتمبر 2019م لكن لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص رفضت ذلك ، وكشف عن تجهيز مقبرة مُنفصلة بمحلية شرق النيل لتتم بها عملية دفن الجُثَث بالمشارح في الأيام المُقبلة إلا أن المواطنين بشرق النيل رفضوا ذلك واحتجوا بشدة مع إصرارهم على التصدي لعدم إنجاح عملية الدفن ، وناشد فقيري جهات الاختصاص ولجان المقاومة بحي الامتداد بالتدّخُّل العاجل لمعالجة ودرء الكارثة الإنسانية.
رواية رسمية.. النائب العام ماذا قال؟
على المستوى الرسمي سارع النائب العام تاج السر الحبر بنفي أي علاقة للجثامين الموجودة في مشرحة مستشفى التميز بحي امتداد الدرجة الثالثة جنوب الخرطوم، بالمفقودين في فض اعتصام القيادة العامة بحسب التحقيقات. وأضاف الحبر في تصريحات نقلتها تقارير إعلامية، أن النيابة العامة سمحت لهيئة الطب العدلي بتشريح ودفن الجثث الموجودة في المشارح السودانية منذ 9 من أكتوبر 2020م. موضحاً : “هناك إجراءات متبعة في التعامل مع جثامين الأشخاص مجهولي الهوية، وهو بروتوكول عالمي، حيث تتخذ جميع الإجراءات الجنائية ومن ثم توجه النيابة هيئة الطب العدلي بتشريح الجثامين ورفع بصمة الحمض النووي (DNA)، ومعرفة سبب الوفاة، ومن ثم يتم دفن الجثامين في مقابر محددة ومعروفة ولدينا قاعدة بيانات تفصيلية بذلك”.
وأكد النائب العام في تصريحاته أن هناك مشكلة في أجهزة هيئة الطب العدلي أدت إلى تأخر تشريح الجثامين الموجودة في مشرحة مستشفى التميز، الأمر الذي أدى لتحلل الجثث وتضرر أهالي الأحياء المجاورة للمستشفى بعد انبعاث روائح كريهة وتسرب سوائل الجثث المتحللة من الثلاجة التي تحتوي على العشرات من جثامين مجهولي الهوية.
وحمّل الحبر مسؤولية الحادثة لوزارة الصحة وهيئة الطب العدلي، مؤكداً أن نقص الطاقة الاستيعابية للمشارح السودانية أحد أسباب المشكلة.