الراى السودانى
تتملكني حساسية شديدة جداً تجاه بعض المفردات التي يستخدمها بعض كبار المسؤولين، من هذه المفردات (وجه وطالب) حين تصدر من المسؤول الأول لأحد مرؤوسيه، وقد راودتني هذه الحساسية عند مطالعتي لخبر مفاده أن رئيس الوزراء حمدوك وجه وزير الطاقة والنفط المهندس جادين، بضرورة الإسراع في إيجاد حلول إسعافية وفورية لقطاع الكهرباء، وسبب حساسيتي من عبارة (وجه) الصادرة من رئيس الوزراء لأحد وزرائه، أن الرئيس يأمر ويتخذ القرارات ولا يوجه أو يطلب خاصة في أزمة الكهرباء، فأسباب أزمة الكهرباء التي تدنت بالانتاج الكهربائي الى مستوى كارثي، صارت معلومة حتى لأبسط الناس، وبالضرورة لا يجهل هذه الاسباب رئيس الوزراء بل المؤكد انه يعلم تفاصيل تفاصيلها، ولهذا لم يكن المتوقع منه عند اجتماعه بوزير الطاقة، أن يصدر منه مجرد (توجيه) للوزير بالاسراع في ايجاد حلول فورية لقطاع الكهرباء، فلو كانت للوزير امكانية لهذا الحل العاجل الذي طالب به رئيس الوزراء لما تأخر عنه، وعليه كان المأمول من رئيس الوزراء اصدار قرارات ناجزة لمعالجة ولو جزء معقول من جذور أزمة الكهرباء ومسبباتها، ومن ذلك مثلا اصداره قرار لوزارة المالية يقضي بتخصيص مبلغ على وجه السرعة لمقابلة عملية الصيانة التي تحتاجها المولدات الحرارية، وعلى ذلك قس من قرارات وليس محض توجيهات ومطالبات لن تغني عن الأزمة شيئا..أما أن يكتفي الرئيس بأن يوجه أو يطلب من مرؤوسه عمل كذا، فهذه والله لا تعدو أن تكون مجرد (مخارجة) على طريقة (عدي من وشك).. وتذكرني حكاية أن الرئيس يأمر ويقرر ولا يطلب من مرؤوسيه ان افعلوا كذا ولا تفعلوا كيت، بمشهد في مسرحية (الزعيم) الشهيرة لملك الكوميديا عادل امام، فحين أكثر ممثل الكومبارس المغمور زينهم الذي خدمه وجه الشبه الكبير بينه وبين رئيس الدولة المتوفي بأن احتل مكانه، حين أكثر من طلباته الغريبة من شاكلة ( لو ممكن سندوتش بيرقر) و(سلفوني عشرة جنيه)، صرخ فيه كبير الوزراء (ايه الطلبات الغريبة دي انت رئيس الجمهورية، البلد كلها تحت أمرك، الرئيس يأمر ولا يطلب)..وعليه وعطفا على توجيه حمدوك (الهوائي) مقرؤوا مع وعود وزير الطاقة التي اطلقها ولا يملك امكانات تحقيقها فان الازمة (ستمد رجليها)، كما مد الامام أبو حنيفة رجليه، فعندما كان الامام أبو حنيفة يجلس مع تلامذته في المسجد، وكان يمد رجليه بسبب آلام مزمنة في الركبة، وكان قد استأذن طلابه أن يمد رجليه لأجل ذاك العذر. وبينما هو يعطي الدرس، جاء إلى المجلس رجل عليه أمارات الوقار والحشمة، فاضطر ابوحنيفة لعقص رجليه احتراما للرجل، ولكن حين سأله الرجل سؤالا غبيا فحواه (متى يفطر الصائم) اجابه (يفطر اذا غربت الشمس)، ثم عندما أردف الرجل سؤاله الغبي بآخر اكثر غباء عن ماذا يفعل الصائم اذا لم تغرب الشمس، ما كان من الامام ابي حنيفة عندما تكشفت له حقيقة شخصية الرجل الذي لا يدل مظهره الوقور على خواء عقله، الا ان أعاد مد رجليه وأطلق مقولته التي ذهبت مثلا (آنَ لأبي حنيفة أن يمد رجليه)..
الجريدة