الراى السودانى
الذهب من اهم ثروات البلاد التى اتجهت اليها الاعين بغرض تحقيق مكاسب شخصية باموال طائلة، ولاجل الذهب اسست شبكات منظمة ذات اذرع عاملة بمخارج الدولة تتقاضى اموالاً طائلة لتسهم فى نجاح عمليات التهريب الى الخارج، وتحقق مكاسب مليارية لتجار قد يكونون معروفين لدى السلطات المختصة، وقد يكونون نكرات. ولكن يبقى الذهب هو القاسم المشترك بينهم، مما جعلهم يتجهون لتطوير اساليب تهريبه وتحديثها وابتكار السبل وشراء الذمم لاجل استمرار عمليات التهريب .
ويعتبر تهريب الذهب من الانشطة الضارة بالاقتصاد والهدامة لاقتصاديات الدول وله صلة وطيدة بتجارة العملات الاجنبية، وبلغت جملة الذهب المهرب منذ يناير وحتى الاسبوع الماضى ــ اى خلال الشهرين الاوائل من بداية العام ــ نحو (25) كيلوجراماً من الذهب، وهو اعلى بكثير من جملة الذهب المضبوط لعام 2020م كاملاً، ونجد ان هنالك نوعين من المهربين او التهريب، اما تهريب عادي او تهريب منظم.
شبكة النساء
وبما أن سعر الذهب فى البورصة العالمية يختلف عن سعره فى الداخل، لذلك اتجه المهربون لتهريبه بغرض تحقيق مكاسب وعائدات مالية، وهنا برزت عمليات تهريب اعتيادية او تتم من قبل اشخاص وسيدات وليس شبكات منظمة، وهؤلاء الاشخاص يحققون هامش ربح يفوق الألف دولار فى حال تم تهريب (300) جرام فقط من الذهب، اى ما يعادل (400) الف عبارة عن ارباح .
وحينما صدر القرار بتقليص كميات الذهب والعملات المسموح بحملها واصطحابها فى كل رحلة، حيث قلصت العملات من عشرة آلاف دولار الى ثلاثة آلاف دولار فقط ومن (300) جرام من الذهب الى (150) جراماً من الذهب، هنا برز دور النساء الناشطات فى مجال تهريب الذهب عن طريق ارتداء (150 ــ 200) جرام من الذهب .
وتسافر تلك النساء الى الهند تحديداً، وتحقق السفرية الواحدة هامش ربح يصل الى الف دولار، مما جعل الكثيرين يتجهون لتهريب الذهب. ورصدت التقارير الاحصائية لعام 2018م نحو (1200) امرأة سافرن الى الهند، وبحسب تحليل المعلومات فإن من بين اولئك النسوة (6) سيدات ظللن يسافرن الى الهند بمعدل ثلاث مرات شهرياً، كما تم رصدت (18) امرأة تكررت سفرياتهن بمعدل مرتين كل شهر، ورصدت (90) سيدة يسافرن بمعدل مرة كل شهر، وهؤلاء النسوة يعملن لصالح تجار ذهب ويحققن ارباحاً تصل الى الف دولار فى السفرية الواحدة .
عمال المناولة
ويظهر التهريب المنظم فى شكل تهريب بالاتفاق مع شبكات تهريب منظمة لديها اذرع تعمل داخل المطار قد يكونون نظاميين او موظفين او عمالاً، ويتم الاتفاق بين المهرب والذراع الموظف او العامل او النظامى، بحيث يمر الذهب دون اخضاعه للتفتيش بطريقة او بأخرى، وهنا يكون حجم كمية الذهب اكبر قليلاً ولكن لا يتجاوز كيلوجراماً وهذا يحقق ربحاً اكبر .
وهنالك نوع من التهريب اكثر تنظيماً يتم من قبل تجار عملات كبار، وهنا يتم الاتفاق مع عمال المناولة الارضية، حيث يمنح الذهب للعامل ويتم التعليم على حقيبة محددة سواء كانت بلون محدد متفق بينهما او بكتابة الاسم بصورة واضحة عليها، ويكون لدى عامل المناولة شفرة فتح الحقيبة او نسخة من مفتاح الطبلة الخاص بها، ويذهب المهرب تاركاً الذهب بمعية العامل الذى يقوم بفتح الحقيبة وادخال الذهب فيها، ولكن تلك العملية تتم عقب مرور العملية بكافة اجراءات التفتيش وعقب اخضاعها لكافة المراحل الرقابية ومرورها من آخر جهاز فحص، واثناء عملية نقلها الى داخل حوض الطائرة تتم عملية وضع الذهب من قبل العامل، ومن ثم قفل الحقيبة باحكام، وبالتالى تنقل الحقيبة الى الطائرة، وبذلك تكون عملية التهريب قد نجحت .
وابرز دليل على هذه النماذج لتلك العملية حادثة مقتل اثنين من العمال من ابناء العسيلات تعرضوا للتعذيب قبل نحو ثلاثة اعوام، بعد ان اتهمهم صاحب الذهب بعدم وضع الذهب في حقيبته حسب الاتفاق والاستيلاء على الذهب، ووقتها كان الضحايا يصرون على انهم وضعوا الذهب في الحقيبة، ولكنهم ولا يعلمون اين اختفى، وربما حدث خطأ ما ووضع الذهب فى حقيبة مشابهة، او ربما حدث خطأ ما كان سبباً فى قتل الضحايا عقب تعرضهم للتعذيب .
صناديق الطعام
واخطر انواع التهريب ذلك الذى يتم بطريقة منظمة جداً وبالاتفاق مع شركات، ويتم الاتفاق بين المهربين الكبار او رجال اعمال بارزين مع شركات طيران او شركات مناولة، وفى هذه الحالة يتم تهريب الذهب وادخاله في الطائرة اما اثناء عمليات صيانة الطائرة فى لحظة عدم وجود رقابة عليها او بنقل الذهب الى الطائرة عبر (الكاتارينق)، وهى ناقلات صناديق الاطعمة. وذهب المهربون الى ابعد من ذلك، حيث يتم اخفاء الذهب داخل الاطعمة، وهذا ما يسمى بالتهريب المنظم الذى تشترك فيه اكثر من جهة ما بين الشركة والعمال والمناولين وشركات تعمل فى مجال النقل الجوى .
وكشفت مصادر مطلعة ان الذهب لا يدخل في الطائرة مع الركاب بل يسبقهم، وانه فى بعض الاحيان حينما تكون كمياته كبيرة يوضع حينما تكون الطائرة امام (هانقر) الشركة، وحين يتم فتحها لاخضاعها للصيانة. واضافت المصادر انها ليست المرة الاولى التى يضبط فيها ذهب في طائرة، بل سبق ان ضبط ذهب على متن طائرة الخطوط المصرية, ويذكر ان الذهب سرب الى الطائرة بواسطة عمال تلك الخطوط، ولفتت ذات المصادر الى صعوبة تهريب الذهب عبر الطائرات الاجنبية، ولكن تهريبه يكون سهلاً عبر طائرات سودانية باعتبارها تمكث فترات امام هناقر شركاتها، وبذلك تصعب عمليات مراقبتها لانها تكون مفتوحة بغرض الصيانة.
أساليب التهريب
واشارت المصادر الى اساليب متعددة للتهريب، اما عن طريق الركاب الذين يعملون على اخفاء الذهب في اماكن حساسة باجسادهم كظاهرة بعض السيدات اللائي ضبطن اثناء تهريب ذهب باخفائه فى ارحامهن او بوضعه في مناطق حساسة بطرق ابتداعية، وايضاً استغلال بطانة الحقائب واطرافها فى عمليات تهريب الذهب، الا ان اخطر انواع التهريب ذلك الذى يتم عبر المناولة ويتورط فيه نظاميون او عمال بالمطار، واشارت مصادر مطلعة الى ان ابرز التحديات فى كبح جماح عمليات التهريب تكمن فى الذهب الذي يهرب الى الطائرات دون المرور عبر الصالات، ويتم باتفاق مسبق بين اطراف وعملية تنظيمية خطيرة تمثل تحدياً للدولة، لافتة الى ان الذهب الذى يهرب عبر الصالات يكون بكميات قليلة، ولكن الذي يتم تهريبه دون المرور بالصالات يكون بكميات ضخمة مما يشير الى وجود اختراق بالمطار .
وأكدت المصادر ان كاميرات (التارمك) لا تعمل بالكفاءة المطلوبة، كما ان هنالك كاميرات متعطلة وان هنالك اتجاهاً لاحضار كاميرات متحركة عبر سيارات لتغطية التارمك كاملاً، مشيرة الى ان الكاميرات التى تعمل نحو (100) كامير، لافتة الى ان كاميرات الصالات تعمل بكفاءة ولكن الكاميرات الخارجية لا تعمل بكفاءة ربما لتعرضها لعوامل الطبيعة التى تتسبب في تعطلها او ربما لعدم الصيانة بصورة دورية .
البوابات والثغرات
وحسب المعلومات الواردة فإن هنالك بوابات متعددة تؤدى للتارمك، ابرزها بوابات الصالة الوزارية وبوابات صالتى المغادرة الاولى والثانية بالاضافة الى بوابة سودانير، وهذه البوابة تقود الى مجموعة من هناقر الشركات، وتعتبر من أخطر البوابات فهى لا تقود مباشرة الى التارمك ولكنها تفتح فى الاتجاه الشمالى، ويتفرع منها طريق مسفلت متجه صوب مجموعة من هناقر الشركات، وهذه البوابة تم قفلها حسب افادات المصادر ولم تعد تعمل، واشارت مصادر الى انه الآن هنالك اربع بوابات تعمل وتنفد عبرها السيارات الى داخل التارمك بصورة مباشرة، لافتة الى ان جملة البوابات المؤدية للتارمك تصل الى نحو (17) بوابة تم تقليصها الى اربع بوابات مزودة باجهزة كشف، ولكن عليها حمولة ضغط كبير بسبب مرور اعداد كبيرة من السيارات عبرها، وهذه البوابات الاربع هى البوابة الشمالية، وهذه تؤدى الى صالة التشريفة علماً بأن الركاب يمرون عبر بوابات الصالات، والبوابة الثانية هى بوابة شركة (ب) للطيران، والبوابة الثالثة هى بوابة الهندسية، والبوابة الرابعة هى البوابة (17) وهى بوابة مرور الوقود وسلاح الطيران .
اما الشركات العاملة بالمطار فهنالك اكثر من اربع شركات مناولة ارضية تضم نحو (1500 ــ 1700) عامل يعملون بنظام الورديات الرباعية .
كاميرات المراقبة
وحسب المعلومات المتوفرة فإن بمطار الخرطوم اكثر من (305) كاميرات للمراقبة موزعة على الصالات وبعض المناطق بالمطار، الا ان تلك الكاميرات غير موجهة بصورة صحيحة للقيام بدورها فى الرقابة، وهنالك عدد منها متعطل ولا تجرى لها صيانات دورية لاسباب تتعلق بالشركة القابضة، كما ان هنالك مشكلات فنية في عدد منها، والآن معظمها متعطل فنياً او غير موجه بصورة صحيحة، اضف الى ذلك انه ليس لها اى دور فى كشف عمليات التهريب او اساليبه، كما ان هنالك ثغرات ومناطق بالتارمك لا تغطيها تلك الكاميرات وهى ما تعرف بـ (النقاط الميتة) مثل منطقة السير الخلفى والتارمك، وعلى الرغم من امتداد التارمك على طول كيلومترين الا ان الكاميرات لا تغطى الكثير من اجزائه .
خطة الآلية
وسبق ان شكلت آلية لمكافحة التهريب برئاسة وزير مجلس الوزراء عمر مانيس، وعقدت اجتماعاتها بمجلس الوزراء ووضعت خططاً لمحاربة التهريب. ولعل ابرز محاور تلك الخطط الحد من البوابات لتصبح بوابتين فقط بدلاً من اربع بوابات، واخضاع جميع العاملين للتفتيش عبر اجهزة الاشعة السينية بتلك البوابات، وعدم السماح بدخولهم او خروجهم دون تفتيش، بالاضافة الى نشر قوات مشتركة في كل البوابات وقوات مشتركة بالتارمك لتأمينه، والوقوف على عمليات نقل العفش ومتابعة الثغرات واحضار اجهزة اشعة سينية محمولة باليد لتفتيش جميع الداخلين في المطار، وعلى الرغم من قوة الخطة الا انها لم تنفذ ولم يتم تطبيقها على ارض الواقع نهائياً وظلت حبيسة الادراج .
ومازالت تتجدد الافكار وتتطور فى سبيل استحداث اساليب جديدة لانجاح عمليات التهريب، وكل ذلك سعياً لتحقيق مكاسب، فى حين ان سياسات بنك السودان وسياسات الدولة تعتبر من اهم الاسباب التى تقود لتنامي ظاهرة تهريب الذهب، حيث انه من المفترض اتباع سياسات محددة للحد من التهريب، اضف الى ذلك ان اهم اسباب تنامى عمليات التهريب تحجيم دور جهاز المخابرات فى المطارات والموانئ، الامر الذى اسهم فى تنامى الشبكات الاجرامية واتباعها أساليب متطورة. واحسب ان التنسيق الذى تم أخيراً بين جهاز المخابرات والجمارك كان له دور كبير فى عملية ضبط الذهب، واشارت المصادر الى ان عمليات التهريب تتم عبر (لوبيهات) ومافيا للذهب تمارس عملها بطرق منظمة ومستحدثة تصعب السيطرة عليها.
ضوابط جديدة
وبحسب المعلومات الواردة لـ (الإنتباهة) فإنه عقب ضبطية الذهب الاخيرة البالغة (18) كيلوجراماً من الذهب على متن طائرة شركة بدر، فإن سلطات مطار الخرطوم اتجهت الى وضع ضوابط جديدة للحد من التهريب، تتمثل فى سحب الطائرات من امام الهناقر الى الجزء الشمالى من المدرج بغرض اخضاعها لعمليات تفتيش دقيقة قبل السماح للركاب بالصعود على متنها، بجانب ضوابط اخرى سيعلن عنها فى حينها .
الانتباهة