(1 )
بعد غياب طويل من الخرطوم بسبب الاغلاق من جائحة الكورونا عدت اليها الاول من امس الاثنين (امشي اتنين وارجع تلاتة) تلبية لدعوة من مؤسسة طومسون بالاشتراك مع البريتش كاونسل لسمنار حول قضايا الإعلام فلم تخيب الخرطوم ظني اذ وجدتها تعج بالخبوب والطين والشوارع المترسة والنيران المشتعلة في اللساتك فاضطررت الى تغير مساري ثلاث مرات ففي كل مرة تجد شابين ثلاثة ومعهم عدد من الاطفال وشوية فراجة ونار مشتعلة في منتصف الزلط وسيارات في حالة يوتيرن ولا احد يسأل احد والكل مكتفٍ بأضعف الايمان فوصلت مقر السمنار متأخرا بضع دقائق وتزامن معي اثنان آخران ثم بعد دقائق جاءنا رابع وبعد ربع ساعة جاء خامس ثم توالت الاعتذارت لان الطرق مغلقة فانعقد بربع المدعوين وقبل أن ننفض بدقائق حضر اثنان متأخرين ليحكيا معاناتهما مع نيران الطريق وبعد الاجتماع ذهبت الى السوق المركزي حيث متاجر المدخلات الزراعية لشراء مبيد حشري للذرة الذي بدأت تغزوه دودوة غريبة فوجدت معظم المتاجر مغلقة بسبب الطرق المغلقة وبسبب ارتفاع الدولار فالتجار لايريدون أن يبيعوا السلعة بثمن وعندما يذهبون لشرائها يجدون السعر قد تضاعف وهذه قصة اخرى.
(3 )
وانا في معركة الدخول والخروج من الخرطوم عملت فلاش باك ليوم الاحد الذي سبق اثنين الخرطوم اذ كنت في الحواشات حيث الخضرة والماء وكد المزراعين في ابهى صوره فالحمد لله المطر الذي جاء متأخرا انقذ الموقف فكل المزارعين زرعوا محصولات عروتهم الصيفية بعد معارك مع الجازولين وبقية المدخلات من تقاوى واسمدة فالاسعار مرتفعة والبنك الزراعي في اسوأ حالاته والشركات التي كانت تتعاقد معهم شبه محجمة هذا العام وسيظهر هذا في محصول القطن وهذه قصة اخرى. المهم في الامر أن المزارعين بمختلف طبقاتهم قد زرعوا، منهم الميسوري الحال الذي استطاعوا مجاراة ارتفاع الاسعار ومنهم المعسرون الذين استدانوا وبعضهم عصر على الزراعة اذ قلل حرثات التحضير واشترى التقاوى الأرخص وقلل جرعات السماد وطبعا النتيجة معروفة في النهاية وهذه قصة ثالثة نرويها فيما بعد إن شاء الله.
(3 )
المسافة بين الخرطوم والحواشات التي ذكرناها وهي في القسم الشمالي حوالى سبعين كيلومتر وهناك حواشات اقرب للخرطوم وهي حواشات القسم الشمالي الغربي من الجزيرة ولكن من حيث المناظر تتباعد هذه المسافة وكأنهما في بلدين فالناس في الحواشات المخضرة يعملون ويكدحون ويعانون وينتجون ويرومون الاكبر ولكن العين بصيرة والحيلة قليلة والناس في الخرطوم يترسون الطريق ويعيقون الاسواق ويرفعون الدولار . نحن هنا لا ندعو لتغيير وظيفة العاصمة لتترك مجال الخدمات وتعمل بالزراعة ولا تغيير الريف ليترك الزراعة ويعمل في مجال الخدمات فلتكن المدينة في خدماتها وليكن الريف في انتاجه ولكن عندما تترك المدينة وظيفتها ويتصاعد دخانها فانها تحرق نفسها وتحرق الخدمات وتحرق معها الريف فلا يجد الجازولين ولا يجد المدخلات ولا يجد السوق ويتوقف كل شيء بحجة أن البلد مكركبة فعندما تجرح العاصمة يسيل الدم من شرايين الريف . هذا الوطن شجرة واحدة لايمكن أن ييبس منها فرع ويخضر فرع آخر فإما أن تيبس كلها او تخضر كلها . وللحديث بقية إن شاء الله
صحيفة السوداني