السودان اليوم:
من بذل نفسه رخيصة وعاش على موائد من يصنع منهم أسيادا، فإنه لا يفتخر بذلك ولا يجاهر.
وسيظل حتى مع نفسه يغلف هذه الذلة، ويظهر كرامته ولو كذبا وزورا، ففطرة الإنسان التي غرسها فيه هي الكرامة وليست الذلة.
فمن أراد أن يمسح ثورة ١٩ ديسمبر من ذاكرة الإنسان السوداني فعليه أولا أن يزيل عنه الكرامة والعزة التي تلبس بها وهو يثور، وهو ينظر لأحبابه جرحى، وهو يفقد أحبابه، وهو يبكي فرحا بانتصاره.
أزل هذه الحالة أولا وابدلها بكرامة وعزة.
الأزمة الاقتصادية ومكايدتك ربما تؤجلها فقط تخمد جذوتها لحين لكن استحالة أن تموت إلا إذا ماتت الروح هكذا خلق الله الإنسان.
هذا الإنسان الذي خلقه الله لمهمة عظيمة هي عبادته سبحانه، وهو العزيز لا يريد أن يكون معبوده ذليلا إلا له، ولا يريده أن يكون منكسرا إلا له.
لا تستطيع أن تزيل الثورة وتداعياتها بأن تنشر بأن باطلك كان حقا، وأن شرك كان خيرا، وأن عسرك كان يسرا.
فهذا لا يزيد الثورة إلا تمسكا وقوة.
إن كنت تريد الثورة أن ترفض ويعود الناس إلى سابق عهدهم غير فطرتهم اجعلهم بلا كرامة ازل عنهم كل صفات الإنسانية وابدلها بصفات حيوانية حينئذ وحينئذ فقط سوف يقبلك ويرفضها.
السذج من يعتقد أن الناس ثارت من أجل خبزة.
السذج من يعتقد أن الناس خرجت من أجل التخلص من صفوف البنزين وانعدام السيولة في البنوك.
وما دروا أن هذه المظاهر العصيبة عليهم ما كانت إلا بمثابة الجذوة التي أذكت لهيب الثورة.
هذه الثورة ثورة الكرامة والعزة فانزع منها هذه العزة والكرامة لكي تقبلك.
هذه الثورة ثارت لأن الذل والاحتقار لم يعد خاصا على مجموعة معينة، ولم يعد خاصا بحزب معين وإنما شمل كل الشعب.
يقف المسؤول من الإنقاذ ويخاطب الجماهير في كل بقعة من بقاع الوطن المكلوم وينثر عليهم فضله ونعمه، وكيف أنهم كانوا قبل الإنقاذ لا يساوون شيئا، ويدرك كل الشعب أن الذي يحدث هو العكس.
أصابه الذل والهوان معها فقسموا الشعب إلى قسمين قسم يجلد وقسم يعلف.
فالجلد وظيفة جهاز الأمن حسب المجال فمنهم من يكون جلده حبسه أو حرمانه من وظيفته أو مصادرة جريدته أو التضييق عليه في السوق، فصار كل شخص معهم ليس له سوى خيارين إما أن يرضخ ويسير على موجتهم أو يشرد.
والقسم الثاني يعلف توضع أمامه الفرص ليأكل مال هذا الشعب فمن جهة يرضونه بعدم محاسبته وتسهيل سرقته ومن جهة يمسكونها عليه ذلة يسكتونه بها ويذلونه فلا يستطيع بعد سرقته أن يتكلم عن السرقة وعن الفساد.
فظنوا وتوهموا بأنهم بهذا التقسيم سوف يسيطرون على البلد إلى الأبد.
فنسوا وتناسوا القسم الذي يبحث عن كرامته وعزته فقط ينتظر لحظة الصفر فحينما جاءت هب وثار وكشف صدره فرحا برصاص ينفيه من الوجود ولا يبقيه ذليلا مهانا.
افهموا تركيبة هذا الشعب فهو يختلف عن بقية الشعوب.
إذا ثار فلن يوقف ثورانه إلا عزة وكرامة.
فإن نجحت خططكم في جلده أو إعلافه فلا يعني أن هذه صفات أغلبيته.
صفات أغلبيته العزة والكرامة.
The post إنها ثورة العزة والكرامة.. بقلم محجوب مدني محجوب appeared first on السودان اليوم.