السودان اليوم:
تحكي ذاكرة التأريخ: عندما تم الغزو المباغت لدولة الكويت الشقيقة، هبت كتيبة من قواتنا المسلحة الباسلة لصد الغزو الغاشم. وبعد ان فكت قواتنا الخناق، وأكملت مهمتها الدفاعية بنجاح تام وببسالة نادرة، توجهت للتو صوب مطار الكويت للمغادرة لأرض الوطن.
وقبل إقلاع الطائرة ،تعطر وجدان امير الكويت بنشوة من فرح دافق، ووفاء غامر دفعتا به لتتويج ذلك النجاح الباهر بمنح وتسليم كل جندي سوداني ظرفا مليئا بأوراق مالية مقدرة. وعلى الفور هب قائد الكتيبة منفعلا، وأصدر امره لجنده بوضع الظروف أرضا والتحرك صوب الطائرة.وقد كان.بينما ملامح من الدهشة والاستغراب لا تخلو من إعجاب ورضاء خفي كانت تتقاذف من عيون المودعين الكويتيين الحائرة التائهة! اليس هذا الحدث دليلا دامغا وقاطعا بان الجندي السوداني يتوشح بعباءة القيم السودانية السمحة values: عفة، نزاهة، و زهدا؟ أليس هذا الحدث يعكس بجلاء انموذجية ومثالية idealism الجندي السوداني: شجاعة، بسالة وتضحية؟ ان صفحات التأريخ الوطني والعربي تعج ببطولات وإشراقات قواتنا المسلحة الشامخة في شتى المعارك البطولية.
ألم تتألق قواتنا وتسمو في الحرب العالمية الثانية؟ ألم تصد قواتنا بجدارة فائقة فلول الايطاليين القادمين لغزو “كرن” رغم تفوق عددهم في معركة برع ونبغ فيها قادتنا العسكريون:اللواء احمد عبد الوهاب، اللواء حسن بشير نصر، اللواء مصطفي الكمالي “الهاشمابي القح”، واللواء حمد النيل ضيف الله، عطر الله قبورهم. وقد زينت الحكومة البريطانية يومذاك صدور هؤلاء القادة “بنياشين” الشجاعة والجسارة. والتي شهد بها مقدرا شجاعة الجندي السوداني، سير ونستون تشيرشل القائد الإنجليزي الشهير، كما منح الملك جورج ملك بريطانيا العظمى القائدين العسكريين السودانيين اعلى وسام ببريطانيا لم يمنح من قبل لعسكري اجنبي. وهما: الاميرلاي الامين حميدة العجباني والاميرلاي الجاك طه. اي فخر هذا.
وكلنا يعلم ان قواتنا المسلحة قد خاضت اللهيب من أجل طرد القوات الاستعمارية. فهي بلا شك الدرع الواقي، والحصن المنيع المتين لوحدة الوطن وحمايته، والحفاظ على ترابه الغالي: هيبته ووقاره وقيمه السمحة. وكان لقواتنا القدح المعلى في انتصارات ثوراته المتعددة، وثورة ديسمبر العظيمة خير دليل وشاهد على ذلك.وعبر التأريخ لم تبخل مؤسستنا العسكرية الشامخة ان مدت يدها البيضاء وأنجبت للوطن الغالي أفذاذ الرجال الذين اثروا الفكر السوداني من المبدعين والشعراء امثال: محمود ابو بكر مؤلف النشيد الوطني”صه يا كنار”، والشاعر اللواء عوض احمد خليفة، ومن الإداريين :حكام الولايات في شتى الحقب الذين أداروا دفة الحكم بحكمة وحنكة واقتدار. ومن الرياضيين: حسن ابو العائلة القطب المريخي المعروف، وكابتن سبت دودو حارس مرمى السودان الشهير.كما قدمت لنا قواتنا المسلحة” والمتخمة بالخبرة والتجربة”، وفي طبق من ذهب رجالا افذاذا طوقوا عنق بلادي بقلائد من الفخر والاعتزاز نذكر منهم: الفريق احمد باشا محمد، الفريق عبود، اللواء خلف الله خالد ، اللواء طلعت فريد، اللواء عروة، اللواء الزين حسن الطيب هاشم المشير جعفر نميري، المشير سوار الدهب، وآخرون كثر.
ابت ذاكرتي المترعة بهموم الوطن وجلائل أعماله، ابت الا ان تروي قصة تدل على امانة ونزاهة احد منسوبي قواتنا المسلحة. في الزمن الجميل كلف الرئيس الأسبق جعفر نميري “طيب الله مثواه” صديقه الحميم سعادة العميد م. مصطفى احمد بشير العبادي لثقة مفرطة فيه، ليمسك بزمام شأن المال والادارة بالاتحاد الاشتراكي السوداني “الحزب الحاكم آنذاك”.وفور تسلم “مصطفى” المنصب، ” وتحكر” في الكرسي الساخن المغري، لخص فلسفته ونهجه في العمل بلوحة ذهبية تحمل العبارة الروحية (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) وضعت بعناية فائقة على قمة خزانة مكتبه”وقيل قد أزيلت عقب مغادرته الموقع”.
عرف “مصطفى” بين رصفاء السلاح بعطائه الثر الذي لا ينضب، وقد زينه بنزاهته الفطرية، وأمانته الباذخة.كيف لا فهو الابن البار بوالده معلم الأجيال الرجل الخلوق العفيف عمنا احمد طيب الله مرقده.الأخ الصديق “مصطفى” هدية قيمة من قواتنا المسلحة للمجتمع السوداني… حفظه الله وأبقاه …عاشت قواتنا المسلحة حامية للوطن الحبيب.
عاشق أول للوطن
The post “جيشنا جيش الهنا “.. بقلم حسين الخليفة الحسن appeared first on السودان اليوم.