يثير سد النهضة الهائل، الذي يقع على نهر النيل ويبلغ ارتفاعه 145 متراً، توتراً كبيراً مع دولتي المصب والممر مصر والسودان، ودولة المنبع إثيوبيا، خصوصاً بعدما أعلنت الأخيرة هذا الأسبوع أنها أنجزت المرحلة الأولى من ملء الخزان أما الإجابة فتكمن في أن السد الذي تبلغ كلفته أكثر من أربعة مليارات دولار، يقع في غرب إثيوبيا على النيل الأزرق الذي يلتقي مع النيل الأبيض في العاصمة السودانية الخرطوم قبل مواصلة جريانه باتجاه مصر ليصب في البحر المتوسط وتخشى مصر والسودان من أن يؤثر تشييده بشكل سلبي على حصتهما من مياه النيل.
كما لا بد من الإشارة إلى أن مصر التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، تعتمد على مياه النيل في قطاعي الري ومياه الشرب بنحو 97%، وتؤكد أن لها “حقوقاً تاريخية” في مياه النهر بموجب اتفاقيتين موقعتين في 1929 و1959، لم توقعهما إثيوبيا التي تعتبرهما باطلتين.
في حين وقعت أديس أبابا اتفاقاً منفصلاً قاطعه السودان ومصر في 2010 مع دول حوض النيل، يتيح لتلك الدول إقامة مشاريع للري وتشييد سدود كهرمائية أما النقطة الأكثر جدلاً في هذا الملف فهي مسألة ملء الخزان، وقد احتدم هذا الجدل بل الغضب، بعد أن أعلنت إثيوبيا في الأيام الماضية تنفيذ المرحلة الأولى من ملء الخزان الذي تبلغ طاقة استيعابه 74 مليار متر مكعب من المياه.
وكانت مصر والسودان حضتا إثيوبيا في وقت سابق هذا الشهر على تأجيل خططها بشأن الملء حتى التوصل لاتفاق شامل حول كيفية إدارة وتشغيل السد لكن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أكد أن ملء الخزان خطوة أساسية في عملية بناء السد، وهنأ شعبه قبل يومين على المرحلة الأولى.
أتى ذلك، بعد أن أقرت إثيوبيا الأسبوع الماضي بأن مستويات المياه خلف سد النهضة الكبير الذي تبنيه على نهر النيل الأزرق تتزايد، لكن المسؤولين عادوا وأوضحوا أنه جزء “طبيعي” من عملية البناء، وأن إثيوبيا راهنا في منتصف موسم الأمطار الموسمية ما يرفع من منسوب المياه والثلاثاء، أعلنت إثيوبيا أنها أنجزت المرحلة الأولى من ملء خزان السد البالغة 4,9 مليار متر مكعب والتي تسمح باختبار أول توربينين في السد، وهي خطوة مهمة لجهة توليد الكهرباء وتأمل إثيوبيا أن تبدأ توليد الكهرباء من السد بحلول نهاية العام أو بداية العام المقبل على أبعد تقدير.
لكن ما زال من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت إثيوبيا قد اتخذت خطوات فعّالة مثل إغلاق البوابات للإسراع بملء الخزان، رغم أن المياه تراكمت في شكل طبيعي من جانبه، قال كيفين ويلر، وهو مهندس درس السد، في جامعة أكسفورد “لم يكن على إثيوبيا أن تفعل أي شيء نشط حتى يبدأ الخزان في الاحتفاظ بالمياه. فالمياه تراكمت نتيجة تدفقات كبيرة بشكل طبيعي هذا العام والقدرة الهيدروليكية لقنوات المرور، والارتفاع الحالي لجسم السد”ومع تقدم البناء وارتفاع جسم السد، يتم وضع ممر السد على ارتفاع أعلى، ما يعني الاحتفاظ بالمزيد من المياه كما تخطط إثيوبيا لملء الخزان خلال السنوات الخمس المقبلة لكنّها أعربت عن استعدادها لتمديد ذلك إلى سبع سنوات.
من جانبهم، حذر مراقبون من أن الخلاف على الشروع في ملء خزان السد يمكن أن يشتت الانتباه عن مجالات الخلاف الرئيسية الأخرى، وهذا يشمل أي آلية ينبغي اللجوء إليها لحل النزاعات حول عمليات السد وكيف ينبغي إدارة السد أثناء فترات الجفاف.
وفشلت جولات متتالية من المباحثات في تحقيق اختراق في هذه النقاط. ويشرف الاتحاد الإفريقي راهنا على المفاوضات.
والثلاثاء، عقد القادة الأفارقة قمة افتراضية كجزء من عملية التفاوض، وأعلنت جميع الأطراف بعدها أن هناك اتفاقاً على مواصلة المحادثات، ولكن من غير الواضح ما هو التقدم الذي تم إحرازه ووصف مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، التطورات الأخيرة بأنها “كارثة للدبلوماسية المصرية”. وقال “نظراً لعدم وجود ما يشير إلى أن الحكومة الإثيوبية خففت موقفها، لم يتم إبلاغنا بالتطورات على الإطلاق”.
يشار إلى أن السد وفق سكاى نيوز يمثل منذ فترة طويلة مصدر فخر وطني في إثيوبيا، التي راهنت في 2011 تحت حكم رئيس الوزراء آنذاك الراحل ميليس زيناوي على السد، الذي قدمه كعامل محفز للقضاء على الفقر فيما ساهم موظفو الخدمة المدنية في ذلك العام براتب شهر لمصلحة بناء المشروع الطموح، وأصدرت الحكومة منذ ذلك الحين سندات للسد تستهدف الإثيوبيين في الداخل والخارج وبعد حوالي عقد، لا يزال السد رمزا قويا لتطلعات التنمية الإثيوبية كما أنه يوفر قضية نادرة للوحدة في بلد متنوع عرقياً يمر بمرحلة انتقالية ديمقراطية مليئة بالمشاكل وينتظر انتخابات تأخرت بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد.
دبي : ( العربية نت )