في غمرةِ بحثِه المُضني عن مخارج لكسر الطوق المضروب على عنقه، وإيجاد وسيلة لفك الإختناق الذي كان يعانيه بسبب العُزلة الدولية المفروضة عليه، تفتقت عبقرية نظام «الانقاذ» في سنواته الأخيرة عن مبادرة أطلق عليها اسم “ضيف على البلد”
تقوم الفكرة كما شرحها وزير إعلام النظام آنذاك، أحمد بلال، تقوم على دعوة المشاهير في العالم من ممثلين، ومطربين وقادة رأي، ونجوم هوليود ونحوهم، لزيارة البلاد لعكس صورة جميلة عن النظام، و(تحسين) وجه السودان في الإعلام الخارجي، و(تصحيح) تلك الصورة (المغلوطة)…!!!..
«2»
لكم أن تتخيلوا المبالغ الطائلة التي كان سيدفعها النظام من مال الشعب السوداني الكادح لتحسين صورته القبيحة، من تذاكر سفر “فيرست كلاس” واستضافة في أرقى الفنادق لنجوم هوليود، والمشاهير، وتكلفة الرحلات النيلية السياحية الدعائية، ومايصاحبها من بذخ، وكرم ضيافة مصطنع، وحوافز دولارية، ورشاوي لتحسين الصورة القبيحة، وكم يستمر ذلك من الوقت..
«3»
ومن المعلوم بالضرورة أنه كلما كانت الصورة قبيحة ونتنة يحتاج تنظيفها وتجميلها إلى الكثير من بذل المال والجهد والوقت…
والصورة التي يُراد تحسينها بالطبع هي صورة الدماء والأشلاء والحرق، والقتل والتنكيل، والتعذيب والاعدامات خارج إطار القانون، وصورة القتل بـ”المسمار” و”الخازوق” والاغتصاب، والفساد ولكم أن تتخيلوا كم يكلف ذلك خزينة الدولة، وماهي جدواه لنظام يتشبث بالبقاء ويبحث عن النجاة ويتعلق بـ “قشة” مثل الغريق تماماً..
«4»
كتبتُ عشية إطلاق تلك المبادرة ساخراً منها، وقلتُ لهم، إن أردتم تحسين صورتكم القبيحة، فحسنوها بالعدل ورَدْ المظالم، والقصاص لكل مفجوع في عزيز قتل ظلماً…وماكان لأحمد بلال ولانظامه المستبد أن يفعل شيئاً من ذلك، لأن عدالة السماء أقتضت أن يُمعن الظالم في ظلمه ليكون حجةً على هلاكه، (وماكان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) ..
«5»
الغريب في الأمر، وقوة العين التي لم أرَ لها مثيلاً، أن إعلان أحمد بلال لهذه المبادرة جاء بعد أيام قليلة من أكبر مجزرة شهدتها الصحافة السودانية، حيث صادر جهاز أمن البشير وقتها «14» صحيفة من المطبعة في ليلة واحدة في إطار حملة تأديبية قائدها اللواء “تبيدي”، وهي المجزرة التي انحاز فيها وزير الاعلام احمد بلال إلى جانب جهاز الامن، محاولاً تبريرها…
(عليكم الله دي صورة تتحسن).؟!!.
«6»
تذكرتُ هذا الشريط المؤلم، والسفه و”البلطجة”، وأنا أشاهد مشاهير العالم ونجومه، وقادة الرأي المؤثرين اثناء مؤتمر برلين، ينشدون شعراً وغزلاً في سودان ثورة ديسمبر ويرسمون بكلمات صادقة صورة معبرة عن وجه السودان المشرق، وبشكل تعجز عنه ريشة فنان حاذق، يفعلون كل ذلك دون أن ندفع لهم جنيهاً واحداً، بل هم يمدحون، ويتغزلون، ويرسمون تلك اللوحة الجميلة و(يدفعون) أيضاً…
سادتي قراء النبض عرفتم كيف كان البونُ شاسعاً، والفرقُ كبيراً بين سودان الثورة، وسودان المؤتمر الوطني..ذلك الحزب الذي سطا على الحكم واحتكر كل شيء واستأثر بكل شيء وأحال بلادنا إلى جحيم لايُطاق، وملك خاص له يفعل به مايشاء..
.اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة