غير مصنف --

وجهان للقاطرة السياسية.. بقلم محجوب مدني محجوب

السودان اليوم:
أرى أمامي وجهتين للقاطرة السياسية السودانية.
كل وجهة تتصارع ضد الأخرى بغرض السيطرة على قيادة القاطرة .
طبعا كان بإمكان الصراع أن يكون مكانه انسجاما ، وتلاحما ، وتناغما في حالة أن الوجهة الأولى نجحت نوعا ما في مسيرتها ؛ لتفسح المجال طواعية للوجهة التالية لتستمر المسيرة بلا صراع.
إلا أن الصراع ظهر كنتيجة طبيعية لفشل الوجهة الأولى مع استحقار واستهجان للوجهة الثانية.
وعليه فكل واحدة منهما تريد أن تسير القاطرة على وجهتها.
فأي الوجهتين ستتغلب على الأخرى؟
الوجهة الأولى تسير على النسق القديم الذي يتمثل في الأحزاب السياسية التقليدية بكامل شكلها ومضمونها.
كل حزب منها يرى كعادته أنه بطريقته المعهودة التي كان يقدم بها طرحه السياسي يستطيع أن يجعل القاطرة تسير على وجهته.
لا أحد من هذه الأحزاب يكترث للتغيير الذي طرأ على العالم.
ولا يريد أن يكترث إلى الوعي والتطور الذي طرأ على جيل الألفية الثالثة من الشباب.
فبالنسبة للعالم فلم يعد كتلا تخدم مسارا محددا ، وإنما أصبحت كل دولة تتعامل مع العالم وفقا لمصالحها ، ووفقا لموقعها الجغرافي ، ووفقا لمصالحها الاستراتيجية ، والاقتصادية.
وهذا التحول العالمي الجديد يحتم على كل دولة إدراكها وحدها مواطن قوتها ؛ لتستعين بها على مواطن ضعفها.
يظهر حدث سياسي في دول الاتحاد الأوروبي ليؤثر مباشرة في سياسات ومواقف القرن الأفريقي ، أو دول شرق آسيا.
يصيب العالم فايروسا مهددا لحياة واستقرار الشعوب ليظهر معه مدى وعي وإدراك وتجاوز كل دولة لهذه المحنة.
فلم يعد العمل جماعيا تحالفيا كالسابق بحيث كان لا يكلف الدولة سوى أن تختار الحلف الذي يروق لها ؛ لتجد سياستها تلقائيا تسير وفقا لسير حليفها.
وبالنسبة للأجيال فكذلك حدث فيها تغييرا نوعيا ، فلم يعد جيل الألفية الثالثة على ذات طراز الأجيال السابقة.
لم يعد يسيطر عليه إعلام موجه.
كما لم يعد يأخذ المعلومة من مصدر واحد.
تعددت مصادر المعلومة لديه مع سهولة الحصول عليها.
كما ارتفع سقف مطالب هذا الجيل سياسيا ولم يعد يقبل لنفسه أن يكون مستقبلا فقط للسياسات المطروحة. وإنما يريد أن يكون مشاركا ومتفاعلا فيها.
صار يدرك أن السياسة التي لا يكون جزءا منها سوف تبتلعه وتقضي عليه.
كما أدرك أنه لا أحد أحرص على مصلحته منه ، ولا أحد يستطيع أن يطوره سواه.
وعلى هذا التغيير الذي طرأ على مستوى سياسة العالم ، ومستوى الأجيال ، فإن لم تنقرض هذه الأحزاب السياسية بواسطة هذه الأجيال الحديثة ، فإنها سوف تنقرض بواسطة فقدانها لأي قطعة غيار تتناسب مع ماكنتها التي تحرك بها عملها السياسي.
أما التحدي الذي يواجه الوجهة الأخرى ، والذي يتمثل في وجهة البحث عن سياسة تخدم حياته ككيان له حقوق وأهداف وغايات لا يريد أن يحققها من خلال ولاء أعمى لا يفهم إلى إين يذهب به.
كما أنه يريد أن يحقق هذه الأهداف من خلال ممارسة سياسية عادلة يؤمن تماما أنها إذا طبقت فسوف تحيل حياته إلى جنة بسبب ما تتمتع به بلاده من موراد وإمكانيات.
زاده أملا وثقة الثورة التي أنجزها دون مساعدة من أحد.
واستطاع عبر قناعته أن يحول حلمه إلى واقع يعيشه .
فقد رفاق دربه ، والذين رحلوا وهم يدافعون عن غايتهم فزادوه قوة على قوته.
ومن أجل أن يجعل القاطرة تسير على وجهته يواجه صعابا لا تقل خطرا عن صعاب الوجهة الأخرى.
حيث أنه لا يجد مؤسسات تدعمه سوى التطور الإلكتروني الذي يدعم وحدته ويقوي تواصله ويعمل على استنارته ووعيه بكل ما يدور حوله.
بينما يواجه المجتمع الذي عرف بطبعه أنه لا يستجيب لما هو جديد ، فيجنح دائما على الحفاظ على ما هو قديم ومعروف.
فدوما معه في استهتار واستخفاف بإمكانياته وقدراته في سير دولاب الدولة.
والجيش أقرب لعدوهم التقليدي منه.
لكونه سهل الاختراق والسيطرة عليه من قبل أولئك.
كما أن الجيش ليس مستعدا بأن يخاطر بتجربة يؤمها شباب ، ويترك تجربته التي ألفها وألفته طول هذه السنين.
السياسات القديمة بشخوصها ما زالت ضاربة بجذورها في مقدرات البلد من خدمة مدنية وعسكرية وقضائية.
تغييرها يحتاج لوقت قد ينقض عليه عدوه قبل أن يحسم أمرها ويجعلها تسير في صفه وعلى نهجه.
مصالح الدول المجاورة وأطماعها لا تتناسب معه ولا تخدمه.
وإمكانياتها المادية ، وخدعها السياسية ؛ واستثماراتها الشيطانية ، وسيطرتها وتمكنها على عدوه تمثل عقبات أمام وجهته.
فإذا أخذنا في الاعتبار أن العالم بتطوره يدعم الوجهة الثانية.
فإن الصراع لن يستمر طويلا بين الوجهتين.
وسوف يقوم العالم الحديث المترع بالشباب والحيوية على التغلب على العالم القديم المثقل بالتخلف والرجعية.

The post وجهان للقاطرة السياسية.. بقلم محجوب مدني محجوب appeared first on السودان اليوم.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى