لأهمية ملف مدينة السودان الرياضية،المولود الذِي بلغ عمره الثلاثين ربيعاً ولم ير النور قط، ظلت(الجريدة) منذ إعلان وزيرة الشباب والرياضة “ولاء البوشي” تحريك بلاغات لدى نيابة الفساد ضد بعض رموز النِظام البائد (اكتوبر) المنصرم، وعلى مدى أشهر مُتتالية تطرق أبواب الوزيرة ونوافذها أملاً في الحصول على إجابة للسؤال الذي مازال معلقاً حتى الآن: ( أين وصل ملف مدينة السودان الرياضية) ؟.
مؤتمر مفاجئ
في يوم السبت ٢١١٠٢٠١٩ أعلنت وزارة الشباب والرياضة عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي”فيسبوك” عن مؤتمر صحفي وصفته بالمهم.
مؤتمر سيقام بعد سويعات من الإعلان عنه “والقريب يحصَّل”، وكما المعتاد هرع الصحفيين، مناديب الوكالات العالمية، والمهتمين بالشأن الرياضي عامة وقضية مدينة السودان الرياضية على وجه الخصوص.
السحب حينها كانت تنذر بدنو هطولها،الخرطوم تعج بالفوضى،انعدام شبه كامل للمواصلات، ملامح فض اعتصام القيادة العامة لم تبارح أزقة الشوارع ووجوه المارة بعد، ومع ذلك امتلئت قاعة وكالة السودان للأنباء” سونا”حتى فاضت فوقف من لم يجد مقعداً للجلوس.
أيقونة فساد حكومة المخلوع
في تمام الخامسة مساءً، اعتلت وزيرة الشباب والرياضة الباشمهندس ولاء عصام البوشي المنصة، كاشفة عن واحدة من أهم عمليات الفساد الممنهج التي حدثت في عهد النظام البائد “مدينة السُودان الرياضية “،أيقونة فساد البشير وحكومته كما أطلق عليها الاعلام حينها.
الوزيرة الشابة ولأهمية القضية حسب ماذكرت في المؤتمر أصرت على تحريك كافة اجراءاتها بنفسها، فحرصت على مقابلة النائب العام مدلية بأقوالها كاملة، معضدة ماذكرت بالمستندات، ثم طالبت بفتح بلاغات ضد كلاً من نائب المخلوع سابقاً على عثمان محمد طه، يليه والي الخرطوم ووزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم محمد حسين، يوسف عبدالفتاح، شرف الدين بانقا.
مانشيت أول
صبيحة اليوم التالي ضجت صفحات الصحف الأولى بمانشيتات عريضة، حوت كافة ما ورد في المؤتمر، وأوردت (الجريدة) وتحت عنوان (البوشي تفتح ملف المدينة الرياضية)التفاصيل الآتية: ” أعلنت وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي عن فتح بلاغ في نيابة الفساد ضد عدد كبير من المؤسسات التي شاركت في عملية التعدي على أراضي المدينة الرياضية بجانب الفساد الإداري والمالي، وجاء ذلك في مؤتمر صحفي عقد أمس.
وكشفت البوشي عن مقابلة بينها والنائب العام وتم التحري معها حول التجاوزات في المدينة الرياضية ورأت أن تشارك الجميع عبر كشف الحقائق المتعلقة بالمدينة منذ 1991م، مبينة أن المدينة الرياضية مسجلة منذ 1964م باسم وزارة الشباب والرياضة، وأوضحت ولاء أن المراجع العام لم يجد مساحة (110) ألف متر مربع مجهولة الجهة، وهناك مساحات بدون تعويض ومستند، وقطع استثمارية وزعت لـ(13) جهة مختلفة ما عدا وزارة الشباب والرياضية، وأشارت البوشي إلى أن التعديات تمت من جهات لا علاقة لها بوزارة الشباب والرياضة وليس لها اختصاص في الأمر، وحصلت وزارة التخطيط العمراني على نسبة من أراضي المدينة الرياضية أيضًا، كما حصلت وزارة الشؤون الاجتماعية عبر جمعية دينية غير مسجلة على (4) الف متر من مساحة المدينة الرياضية، وابانت: ان عبدالرحيم محمد حسين تدخل في مخاطبات وايضا علي عثمان محمد طه ويوسف عبدالفتاح لمنح مساحات لجامعة افريقيا التي تمددت في أكثر من (85) ألف متر مربع، واعتبرت الوزيرة ان كل هذه المخالفات تعتبر جنائية، وبالرغم من وجود قرار من رئاسة الجمهورية بعدم التصرف في الأراضي لحين الفصل في القضايا من وزارة الشباب والرياضة وتم تكسيرها جميعًا في عام 2003م.
وكشفت أن مساحة المدينة الرياضية المخصصة أكثر من مليون و(400) متر مربع، تم التعدي على أكثر من مليون متر مربع، وقالت “سجلت زيارة للمدينة ووقفت على العمل برفقتي وليد محمد أحمد الحكم الدولي واتضح سلامة قياسات الملعب” وعن العقود الخاصة بالمدينة أوضحت البوشي أن المراجع العام لا يعترف بالأرقام لأن هناك اختلاف في أرقام العقود في البداية وعند نهاية العمل، ورغم ذلك تم تسديد مبالغ للشركات متجاوزا المراجع المالي، وذكرت البوشي أن كل المستندات والتفاصيل والأوراق والتجاوزات المالية والفنية تم تسليمها للنائب العام.
وطالبت ولاء البوشي بمزيد من الصبر بشأن تأهيل المدينة الرياضية حتى يتم الإفصاح حول الأمر بصورة كبيرة، ورأت وزيرة الشباب والرياضة باسترجاع الأراضي غير المستخدمة للمدينة الرياضية، وأن ما تم التصرف فيه يجب معالجته، لجهة أنها ملك وطني وقومي، واعترفت البوشي بعدم وجود منشآت رياضية جاهزة لاستضافة ولو حتى مباريات المنتخب الوطني ولكنها لن تتحرك ما لم يحسم أمر المدينة الرياضية، وان حياة الإنسان أهم من كل شيء، مشيرة إلى أن لديهم خطة للنهوض بالرياضة ولا تمانع في تبني صندوق لتأسيس البني التحتية في البلاد.
أين وصل الملف؟
مضت (٧) أشهر منذ اقامة المؤتمر سالف الذكر ولا جديد يذكر، لم تورد وزارة الشباب والرياضية أي معلومة توضح أين وصل ملف القضية التي باتت بمثابة قضية رأي عام يترقب الجميع تفاصيلها.
كما أنها ضربت بمبدأ الشفافية والوضوح اللذان أكدت “البوشي” اعتناقهما مع الإعلام والصحافة الاستقصائية تحديداً عرض الحائط، إذ ظلت الصحيفة ومنذ التاسع من ديسمبر الماضي تحاول وبشتى السبل التواصل مع الوزيرة أو من ينوب عنها للإجابة على السؤال اليتيم ( أين وصل ملف المدينة الرياضية بعد فتح بلاغات ضد من تم ذكرهم)؟ ولا مُجيب، صمت كما القبور تماماً.
بلغت جملة المكالمات على هاتف الوزيرة الشخصي أكثر من (٥٠) مكالمة – إن لم تكن أكثر – ، هذا إضافة لعدد من الرسائل النصية التي تطرح السؤال ذاته، وتوضح الشارة بتطبيق (واتساب) قراءة الوزيرة لأسئلة ( الجريدة) إلا أنه وحتى كتابة هذه الأسطر لم يتم الرد عليها.
على الصفحة الرسمية لموقع وزارة الشباب والرياضة طرح عدد من المتابعين السؤال ذاته يتبعه آخر، فجاء الرد من قبل إدارة الصفحة بأن الملف بكل ماحوى في يد المراجع العام، وقد تم فتح بلاغات ضد عدد من الأسماء وهذا ماذكر في المؤتمر قبل أشهر، أي أنه لا توجد مستجدات أخرى.
إلا أنه لم يتم الرد على السؤال الآخر:(ماذا فعلتم على أرض الواقع الآن )، بالرغم من اصرار الحصول على اجابة إلا أن”خُفي حُنين” كانا المُحصلة، للسائل وللجريدة.
سلمى عبدالعزيز
صحيفة الجريدة