يصبغون العيد بلون الدم، كان ذلك في العام 1990 حين اغتالوا بدم بارد 28 ضابطاً في القوات المسلحة ويكررون رسم ذات المشهد في العام 1998م.. كانت الرصاصات تحصد أرواح الصغار ويبتلع النهر من تبقى منهم. الثاني من أبريل وعشية عيد الأضحى طالب المساقون قسراً لمعسكر التدريب العسكري من المجندين منحهم إجازة لثلاث أيام من أجل قضاء عطلة العيد مع ذويهم لكن إدارة المعسكر رفضت طلبهم وحين غادروا في طريقهم نحو الهروب عاجلتهم إدارة المعسكر بإطلاق الرصاص عليهم وقتلت منهم بحسب التقديرات حوالي 100 مجند هارب من جحيم معسكرات التجنيد القسري أو ما كان يصطلح علي تسميته الخدمة الإلزامية حيث تقوم (دفارات الكشة) بالقبض على الشباب ونقلهم إلى معسكرات التدريب في الطريق نحو مشاركتهم بالحرب في جنوب وشرق السودان.
1
بعد 22 عاماً من تنفيذها تعود مجزرة العيلفون للصعود على سطح الأحداث عقب إعلان لجنة تم تشكيلها من قبل النائب العام في شهر يناير الفائت اكتشافها مقبرة جماعية تحتوي على حوالي أربعين جثة بحسب بيانات أولية كشفتها لجنة التحقيق التي تم تكوينها من قبل النائب العام وقال عضو اللجنة المحامي وائل علي سعيد لموقع القدس العربي بأنهم قاموا بجهود مضنية أوصلتهم إلى نتائج أولية متعهداً بتقديم قضية متكاملة في وقت قريب للرأي العام. وكشف سعيد عن وصولهم إلى مقابر جماعية عبارة عن حفرة كبيرة تم فيها دفن الضحايا دون التعرف على هوياتهم أو حتى على طريقة قتلهم وهو الأمر الذي سيجيب عليه الطب العدلي بعد نبش الجثث وتشريحها.
2
وبالعودة إلى ذات التاريخ وما حدث في المعسكر الذي كان واحداً من معسكرات متعددة تستخدمها الحكومة لتدريب الشباب من أجل المشاركة في حروبها ويشرف عليها منسقون من قيادات الحركة الإسلامية؛ فقد كان كمال حسن علي هو منسق معسكر العيلفون والمسؤول المباشر عما حدث فيه، لكن القيادي في النظام المخلوع والذي شغل عدة مناصب من ضمنها وزير الدولة بالخارجية وممثل السودان في الجامعة العربية وانتهى به المطاف الآن مساعدا للأمين العام للجامعة العربية. لكن حسن علي ينفي عنه تهمة إصدار أوامر إطلاق الرصاص على المجندين يومها إلا أن تقارير حقوقية محلية ودولية تقول بأن المسؤولية المباشرة تقع على عاتقه. وفي السياق فقد كشفت اللجنة الخاصة بالتحقيق عن توجيهها الاتهامات لعدد من المتهمين وإصدار أوامر قبض في مواجهتهم.
3
تمثل النتائج المعلنة من قبل لجنة التحقيق في أحداث العليفون امتداداً لنتائج أخرى تم الإعلان عنها ومعظمها مرتبط بالكشف عن مقابر جماعية فقد أعلن في وقت سابق عن تحديد المكان الذي تم فيه دفن جثث شهداء حركة 28 رمضان للخلاص الوطني وهو المطلب الذي كانت أسر الشهداء تردده علي الدوام في مطالبها بالكشف عن وصاياهم وبالطبع عن مكان دفنهم الذي ظل سراً إلى حين سقوط النظام حيث بدأت تتكشف تفاصيل ما جرى يومها، وهو ما اعتبره البعض خطوة أولى تأتي بعدها المزيد من الخطوات في سبيل الحصول على العدالة التي ينتظرها أهالي الضحايا في مجزرة العيلفون ممن عاشوا اللحظة الصادمة بعد وفاتهم وهي لحظة تأتي لاحقة للحظات وجع أخرى كان عليهم التعايش معها حين ألقت عليهم حملات النظام القبض من أجل استخدامهم في حروبها العبثية.
4
كان المعسكر يقع في أطراف مدينة العيلفون ويطل من ناحيته الشرقية على النيل الأزرق حيث تم تحويله لاحقاً لسلاح المهندسين حيث تم تشييد مستشفى عسكري عليها.. يسرد شهود عيان تفاصيل تلك الليلة وهم من سكان المنطقة التي وبكل تاريخها العريق صارت ترتبط في المخيلة الشعبية بأنها أرض المجزرة؛ وفي وقت متأخر من ليل يسبق العيد فوجئ السكان بطرق عنيف على الأبواب وتناهت إليهم ايضاً أصوات رصاص قادمة من جهة بعيدة.. وجدوا ساعتها المجندين يستيغثون بهم ففتحوا لهم الأبواب وقاموا بإخفائهم داخل مخازن الذرة وأنكروا وجودهم حين لحق بهم عساكر الجيش من أجل إعادتهم مرة أخرى.. بينما ساهم شباب المنطقة في تهريب عدد كبير من الناجين إلى الخرطوم عبر سيارات نقل الخضر والفاكهة.
5
يقول (عصام الصائغ ) في حديثه عن أحداث المعسكر طبقاً لصحيفة (التغيير) الإلكترونية إن ما حدث هو معرفة المجندين نية السلطات التي جلبتهم من الشوارع بنقلهم للمشاركة في الحرب المشتعلة في الجنوب وقرروا الرفض وهو ما دفع بها لتهديدهم بإطلاق الرصاص إن قاموا بتنفيذ الهروب وهو ما حدث بالفعل وبحسب أحد الناجين الذي وصل إلى القاهرة ونقل عنه الصحفي في جريدة الخرطوم يومها ووزير الإعلام الآن فيصل محمد صالح فإنهم قرروا تنفيذ قرار مغادرتهم المعسكر وقاموا بتحطيم السلك الشائك حوله وخرجوا ليجدوا النيل في مواجهتهم واستقلوا بعض المراكب التي لم تحتمل الحمولة الزائدة فغرقت لتطفو أحذيتهم الباتا ومن بعدها جثثهم. وبحسب الصائغ فإن الجثث التي تم التخلص منها بدفنها كان عددها 117 جثة بين مقابر الصحافة ومقابر فاروق ومقابر أمبدة وتم ذلك بإشراف وزير الداخلية ومدير شرطة العاصمة بالإنابة بينما تم تسليم 12 جثة لذويها. جدير بالذكر أن معظم الضحايا كانوا ممن يعملون في مهن الحلاقة والتجارة الهامشية والورنيش في أسواق العاصمة.
الخرطوم : الزين عثمان
صحيفة ( اليوم التالي )