السودان اليوم:
ليست كل الخلايا قابلة للانقسام ..او التجديد ….مثال لذلك خلايا الاعصاب ..ولو كانت تتجدد لاحتجنا الى تعبئة الذاكرة كل عدة سنوات بالبديهيات مثل لغتك الام والارقام وملامح اقربائك وتفاصيل حياتك .. هذه الخلايا لا يمكن تعويضها اذا تلفت ..اي تلف او اصابة لاحداها لا مجال لتعويضه بإنقسام ثنائي بسيط أو معقد ..ولا يحزنون..عند موت الخلايا العصبية تكون النتيجة باهظة ..اما شلل احد الاعضاء ..او فقدان البصر او السمع او الاحساس .. ربما يتعطل عضو واحد لكن تاثيره يمتد الى بقية الجسد طوال العمر.
ما علاقة هذا بما حدث في تجمع المهنيين ؟ العلاقة هي المشابهة ..فتجمع المهنيين مثله لدي الشعب السوداني كتجمع الخلايا العصبية والتي كانت توجه مسيرة الثورة السودانية وتتحكم فيها بتميز واعجاز استحق الاعجاب والدهشة ..و بعد الثورة ظل يقف حارسا ومراقبا للاحداث مترفعا عن الخوض في غمار الخلافات والتعقيدات ..حتى صدمنا كلنا بالأشياء التي برزت الى السطح وتم رفض نتيجة الانتخابات الاخيرة في مؤتمر صحفي عبر اجهزة الاعلام المختلفة.
نرجع بالزمن مرة ونتساءل ما هو أصل تجمع المهنيين ؟ هو تجمع نقابات الظل (والمصطلح من عندي وحقوق الطبع محفوظة) ..نقابات الظل هي النقابات المقابلة لتلك التي كان يتم تعيينها وليس انتخابها طوال عهد الانقاذ ..فقد اجتهدت الانقاذ في تفتيت عضد النقابات وخلق غيرها باختيار اسماء منسوبي الحزب الحاكم في كل مؤسسة لشغل مقاعد النقابات التي كانت اجسادا بلا روح …تخدم مهمة الحزب اولا وآخرا ..لذلك نشأت تجمعات مقابلة في الظل لمناهضة هيمنة الحزب الحاكم على النقابات ..مما يعني بالضرورة انها لم تنشأ بالانتخاب الحر ..وانما نشات نتيجة الاوضاع الصعبة التي كانت تمر بها البلاد.
نجحت نقابات الظل في الائتلاف والتفاهم طوال فترة الاعداد للثورة ..وكذلك اثناء الثورة ..يبقى ما الذي حدث لكي تحدث الاختلافات التي تؤدي للخلافات التي تصل الى الانقسامات ؟؟ ..هل وصل تجمع المهنيين الى نقطة الانقسام الثنائي البسيط ؟؟ طيب لو همسنا لهم انهم من ذلك النوع الذي لا يتجدد ولا يمكن تعويضه اذا تلف ..هل يمكن تدارك الامر ؟ ..الشئ المعروف بالضرورة في الديمقراطية ..ليس هو تقبل الآخر فقط ..ولا السماح له بالتعبير عن رأيه بوضوح وشفافية ..لكن هو ان تعطي ولو نسبة ضئيلة لاحتمالية صحة افكار الآخر ..فالرقم (9) ..يقراه الذي يقف على الجانب المقابل (6) ..ولو استمر الجدال بينهما الى ابد الآبدين ..سيكون كل واحد منهما مصرا على موقفه الذي يراه من جانبه ..ولن يتزحزح عنه الا في حالة ان وضع كل منهما نفسه مكان الآخر … كما يجب الا تفوت على فطنة المهنيين سياسة (فرق تسد) التي كانت الحيلة التي يستخدمها المؤتمر الوطني لكي تتفرق الجماعات ويظل هو سيد الموقف.
كل التجمعات السياسية والفكرية والثقافية ..تضم افرادا مختلفي الافكار والثقافات والهوية ..لا يجمعهم الا احترام هذه الاختلافات والايمان بحق كل منهم في التعبير عن رأيه ..والتبشير بفكرته والسعي لنجاحها بكل الوسائل المشروعة والمتاحة للجميع ..الاختلاف في مجمله (رحمة) و سيكون نقمة عندما يصير خلافا لا يمكن تجاوزه ..و يؤدى الى انقسام خلايا لا يمكن تجديدها عند التلف ..واذا حدث الانقسام سيؤدي مباشرة للسرطان لانه لا يمكن السيطرة عليه …وسيأتي بخلايا لا تشبه الخلية الام ..خلايا مشوهة لا تقوم بوظيفتها ..وانما تستنزف دماء وغذاء الجسم ومن ثم تقوده الى حتفه باسرع مما يتصور ..
لذلك وبناء على ما سبق ذكره من حيثيات اعتقد من وجهة نظري المتواضعة انه من الاجدى لتجمع المهنيين .. الرجوع الى الاصل .. الى القواعد..و الاشراف على انتخاب نقابات شرعية تمثل رؤى التغيير والثورة ..ومن ثم بعد ذلك يتم التوافق على ما يمكن عمله فيما بعد ..اما ما حدث من اختلاف وتشرذم ..فهو امر لا يشبه المهنيين ولم نتوقعه من جسم قاد الملايين في اعظم ثورة في القرن الواحد وعشرين ..والسلام ختام
The post سنة اولى ديمقراطية ..(2).. بقلم د. ناهد قرناص appeared first on السودان اليوم.