غير مصنف --

التفاوض بين مصر والسودان واثيوبيا حول سد النهضة ( عدم تفاؤل ) وتوقعات ( فشل )

أنهى وزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا أمس (الخميس) ثلاث جولات حول سد النهضة عن طريق الفيديوكونفرانس، وبحضور ثلاثة مراقبين من الولايات المتحدة الأمريكية ومفوضية الاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا بتعثر جديد وتباعد كبير في النقاش حول ورقة تقدمت بها إثيوبيا تضمنت 13 بندا، حول قواعد الملء والتشغيل تخالف ما تم الاتفاق عليه في اجتماع واشنطن الأخير والذي عقد في فبراير الماضي واقترب من التوقيع لكنه فشل بعد تهرب الجانب الإثيوبي في اللحظات الأخيرة، فيما تتمسك مصر بوثيقة 21 فبراير والتي توصل إليها الأطراف الثلاثة في واشنطن ووقعت القاهرة عليها بالأحرف الأولى بحضور قوي من الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، إلا أن أديس أبابا جاءت إلى هذه الاجتماعات بأجندة جديدة تفتح باب التفاوض من جديد، مع تصميمها على الملء الأول للسد في يوليو المقبل بقرار منفرد منها.

اليوم الثالث

بعد نهاية اليوم الثالث أمس (الخميس) أصدرت وزارة الري والموارد المائية المصرية بيانا قالت فيه إن وزراء الري في مصر والسودان وأثيوبيا عقدوا الإجتماع الثالث حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وهي المشاورات التي كانت بدأت منتصف الأسبوع الجاري بمبادرة مقدرة من جمهورية السودان، حيث تمت مناقشة ورقة تقدمت بها إثيوبيا تتضمن رؤيتها حول أسلوب ملء وتشغيل السد، وأعربت مصر والسودان عن تحفظهما على الورقة الإثيوبية لكونها تمثل تراجعاً كاملاً عن المبادئ والقواعد التي سبق وأن توافقت عليها الدول الثلاث في المفاوضات التي جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، بل وإهداراً لكافة التفاهمات الفنية التي تم التوصل إليها في جولات المفاوضات السابقة، وأكدت مصر استمرار تمسكها بالاتفاق الذي انتهى إليه مسار المفاوضات التي أجريت في واشنطن لكونه اتفاقا منصفا ومتوازنا، ويمكن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية مع الحفاظ على حقوق دولتي المصب، وأكدت مصر ضرورة أن تقوم إثيوبيا بمراجعة موقفها الذي يعرقل إمكانية التوصل لاتفاق، مشددة على أن تمتنع إثيوبيا عن اتخاذ أية إجراءات أحادية بالمخالفة لالتزاماتها القانونية، خاصة أحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 2015، لما يمثله هذا النهج الإثيوبي من تعقيد للموقف قد يؤدي إلى تأزيم الوضع في المنطقة برمتها، كما أكدت مصر أهمية قيام إثيوبيا بالتفاوض بحسن نية أسوة بالنهج الذى تتبعه مصر منذ بدء المفاوضات من أجل التوقيع على اتفاق عادل يراعي مصالح الجميع.

رفض المماطلة

من الواضح أن القاهرة دخلت هذه الاجتماعات وهي تدرك تماما أن إثيوبيا سوف تواصل في تماطلها وتعنتها، ولذلك استبقت الاجتماعات ببيان واضح ومحدد ومباشر من مجلس الأمن القومي المصري برئاسة السيسي تؤكد فيه رفضها لأي مماطلة وطالبت بسقف زمني حتى لا تجد نفسها متورطة في مفاوضات مفتوحة لن يصل فيها الطرف الإثيوبي لنهايات، والغرض منها فقط كسب الوقت تصل فيه لملء سدها دون الرجوع لمصر والسودان، وبعد نهاية اليوم الأول من الاجتماعات تأكد للداخل المصري والخبراء أن أديس أبابا لن تخيب الظنون وأن نهجها كما هو ولن يتغير، ولم يتخوف الخبراء المصريون من وجود مراقبين داخل الاجتماعات لأن ذلك سيكون شاهدا دوليا على أسلوب ونهج إثيوبيا.

اللعب بالنار

الدكتور أحمد المفتي الخبير في القانون الدولي قال في منشوراته حول سد النهضة إن إثيوبيا قدمت مقترحا في اليوم الثالث للاجتماعات يلغي كل المفاوضات السابقة ويربك السودان ومصر، مضيفا أن إثيوبيا قد ضربت عرض الحائط بكل ما تم التوصل إليه منذ بدء المفاوضات، وتقدمت بورقة جديدة عن تصورها للملء الأول والتشغيل، وتابع أن ذلك تكتيك تفاوضي لا غبار عليه، لأن إثيوبيا ترغب في المماطلة ، التي حذرها منها مجلس الأمن القومي المصري، وهي تهدف إلى مواصلة التشييد ولتبدأ في الملء يوليو القادم، أي بعد حوالي 18 يوما تنفيذا لتصريح رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، لأن وزير الري الإثيوبي لا يملك مخالفة رئيسه، وزاد: أما الأغرب من ذلك ، فهو أن السودان ومصر قد تحفظتا على الورقة الإثيوبية، لكن في ذات الوقت ناقشاها، معتبرا ذلك ارتباكا لا يخدم مصلحة الدولتين، وقال: نصف تصرف إثيوبيا خلال الجولة الحالية من المفاوضات بأنه تفاوض على حافة الهاوية، مضيفا: وبعد الجولة الثالثة من المفاوضات والتي تقدمت فيها إثيوبيا بورقة جديدة بتصورها للملء الأول والتشغيل، متجاهلة كل ما تم التوافق عليه، ونصف ما تقوم به إثيوبيا باللعب بالنار، وتابع: ما يجعلنا نقول ذلك ما تردد عن بناء قاعدة عسكرية في جنوب شرق مصر مؤخرا، وهي المنطقة الأقرب لهجوم إثيوبيا على مصر أو العكس، واتصال الرئيس السيسي هاتفيا مع الرئيس الأمريكي لمناقشة سد النهضة، وكذلك اتصال وزير الخارجية المصري مع العديد من نظرائه، وتسرب عن تواصل مصري ثان مع مجلس الأمن الدولي، علاوة على إفصاح مجلس الأمن القومي المصري عن أن مصر تشارك في الاجتماعات الحالية للتأكد من الإرادة السياسية لإثيوبيا للوصول إلى اتفاق قبل ملء السد، مضيفا: وإشارة محللين سياسيين مصريون إلى أن مصر سوف تستخدم كافة الوسائل للدفاع عن حقوقها المائية وهو تعبير دبلوماسي يشير إلى القوة العسكرية، مؤكدا أن الحل التوافقي هو الأفضل للجميع.

عدم التراجع

الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق طالب من جانبه الرئيس عبدالفتاح السيسي بعدم تراجع مصر عن أي بند من بنود وثيقة واشنطن في المفاوضات القائمة، مشددا على أن الهدف الإثيوبي من السد هو تغيير موازين القوى في المنطقة من خلال بيع المياه لمصر وتطويقها استكمالا لما يتم من توظيف دولي للإرهاب في سيناء وفى ليبيا. وقال علام في تصريحات صحفية اليوم (الجمعة) إن إثيوبيا ما زالت تتلاعب بالمفاوضات، وإن تحفظ مصر والسودان على مقترحها الجديد لقواعد التشغيل والتخزين السد لأن المقترحات الإثيوبية تهدم كل ما تم الاتفاق عليه مسبقا، مشددا على أن إثيوبيا لا تحترم تعهداتها كما هو واضح من تاريخها، ولن تلتزم بأي اتفاق حول سد النهضة وأن مصر لديها كل الوقت لرد الفعل المناسب سواء لألاعيبها التفاوضية أو البدء في الملء للمرحلة الأولى، ويجب عدم استعجالها شعبيا حتى للوقت والأسلوب المناسبين.

إعلان فشل

أما الدكتور عباس شراقي الخبير المصري في المياه فأكد من جانبه أن بيان مصر حول مفاوضات سد النهضة بمثابة إعلان عن فشل الجولة الحالية. وقال شراقي لـ(اليوم التالي): كنا في غنى عنها طالما لم تغير إثيوبيا من موقفها، وكان يجب رفض المقترحات الإثيوبية حول قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة وليس التحفظ عليها، مضيفا: كان يجب ضمان تعهد إثيوبيا بمسار واشنطن قبل الدخول في هذه الاجتماعات حتى لا نعطيها هذه الفرصة لمزيد من المماطلة، وتابع: السير في النقاشات بهذه الطريقة وكأننا نلغي مسار واشنطن خصوصا وأنه لم يتم تحديد المراقب الأمريكي الموجود في الاجتماعات هل هو وزارة الخزانة أم طرف ثان في الولايات المتحدة، لافتا إلى أن إعلان فشل المفاوضات ليس في صالح الطرف الإثيوبي وهو على أعتاب الملء الأول ويزداد التوتر بشدة، وزاد: إثيوبيا تقدمت بخطة جديدة مكونة من 13 بندا، ووجود أطراف جديدة كالاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا مع أمريكا، وتشترط عليهم إثيوبيا عدم تجاوز دور المراقب أو التسهيل، وألا يتحدثوا إلا إذا طلب منهم الحديث عن خبراتهم السابقة، وقال إن مصر بعد هذا الصبر الطويل لن يكون أمامها سوى مجلس الأمن، وبإمكانها طلب جلسة طارئة للمجلس لوقف بناء السد تماما وليس الملء الأول فقط حتى إتمام المفاوضات، مشيرا إلى أن توافق الموقف السوداني مع الموقف المصري سيعطي قوة لأي إجراء، متوقعا أن إثيوبيا قد تتراجع في الجولات المتبقية وتعلن تعديلات في البنود التي قدمتها، مضيفا أن التحفظ المصري السوداني الأخير يفتح الباب أمام مزيد من النقاشات، فلم يذكر في البيان رفض المقترحات الإثيوبية تماما وهذا يعطي الأمل في مزيد من النقاش، مبينا أن مصر من مصلحتها ملء السد هذا العام لأنها عملت حساباتها لذلك، مستدركا في الوقت نفسه: لكن قبل الموافقة على هذا الملء يجب الاتفاق أولا على قواعد الملء والتشغيل، ولابد من تنفيذ البند الخامس من إعلان المبادئ الموقع بين الأطراف الثلاثة بالخرطوم عام 2015 لضمان التعاون في الملء والتشغيل، مضيفا: يجب تشكيل لجنة فنية مشتركة من الدول الثلاث خاصة بالملء والتشغيل تكون مهمتها كل ما هو متعلق بالملء والتشغيل وتعطى كافة الصلاحيات في ذلك، وأن هذا فيه مصلحة للجميع، ورأى أن مصلحة إثيوبيا مواصلة التفاوض وعدم التعنت خصوصا وأنها غير جاهزة تماما لتخزين كمية كبيرة من المياه هذا العام، وأن الانتخابات تم تأجيلها، وليس هناك ضغط جماهيري يستوجب هذا التعنت.

مواصلة التفاوض

وسوف تواصل الإجتماعات جلساتها غدا (السبت) حتى الثلاثاء عدا (الأحد) – وفق ما تم الإعلان عنه في بداية الجلسات- على أن تكون كل أيام الأسبوع عدا الجمعة والأحد، وأن يكون هناك تقييم يومي الاثنين والثلاثاء القادمين، ويبقى السؤال: هل ستستطيع الاجتماعات تحقيق اختراق إيجابي يدعو إلى مواصلة النقاش، أم أن التحفظ المصري السوداني سيتصاعد إلى رفض نهائي وتصل المفاوضات بموجبه إلى طريق آخر مسدود لتكون بذلك كل الطرق السلمية قد تم إغلاقها، ليضطر الموقف إلى فتح مسار مختلف أكثر تشددا؟ كما يبقى الاستفسار عن دور المراقبين في هذه الاجتماعات هل هم مجرد شهود أم مسهلون كما طلبت مصر؟، ولو أنهم منعوا من التدخل إلا إذا طلب منهم كما طلبت إثيوبيا فما معنى وجودهم وإلى أي مدى سيكون لهم تأثير؟.

القاهرة : صباح موسى

الخرطوم : صحيفة ( اليوم التالي )

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى