(1 )
في لقائه التلفزيوني يوم الخميس الماضي، قال السيد رئيس الوزراء ان في خططهم رؤية تقسم السودان الى خمسة أحزمة، وهي حزام الجنوب (الجديد ) والجديد دي من عندنا حتى لا يقع لبس مع الجنوب القديم وهو حزام السافانا الغنية والذي يمتد من أم دافوق غربا الى الكرمك شرقا وهو حزام غني بالموارد من أمطار ومعادن وثروة حيوانية ومن عندنا نقول انه حاليا غني بالدوشمان. الحزام الثاني وهو حزام الصمغ العربي الذي يمتد من النيل الأبيض الى تشاد ليشمل شمال كردفان
وشمال دارفور. الحزام الثالث حزام الأنهار اي حزام المشاريع المروية وهو يشمل مشروع الجزيرة والرهد والسوكي وحلفا الجديدة. الحزام الرابع هو الحزام النيلي الذي يبدأ من الخرطوم الى حدود مصر. ثم حزام البحر الأحمر . بالطبع لم يمكن اللقاء التلفزيوني حمدوك من تقديم مختصر للحيثيات او الدراسات التي قام عليها ذلك التقسيم وفيما يليني شخصيا لم اطلع على دراسة مفصلة في هذا الشأن ولكن هذا لا يمنعني من ممارسة اللفحي أي لفح الفكرة ثم محاولة إثرائها لأنها أدهشتني
واستملحتها، وبالطبع سيكون جهدي هنا محدود جدا لأن الفكرة اصلا أوردها حمدوك على الطائر، فقلنا نمررها على الطائر وبعدين بيني وبينكم إنني أخشى على هذه الفكرة لانه غدا عندما توضع على الأرض سيبدأ الناس تناولهم لها بمن الذي قدمها وما هي الجهة التي تدعمها والجهات الخارجية التي تقف وراءها، فنحن في السودان غرقانين لشوشتنا في نظرية المؤامرة وإذا عرضت علينا اية فكرة لا نبدأ بجوهرها
إنما بالذي قدمها ثم نصنفه وبعد ذلك نتخذ موقفنا منها أي نعرف الحق بالرجال وليس الرجال بالحق لذلك سنظل نرزل الى يوم الدين.
(2)
عندما رفع رواد الحركة الوطنية شعار التحرير قبل التعمير نحوا بذلك عملية
التنمية جانبا وركزوا على الناحية السياسية وأعطوها الأولوية ولكن المؤسف أن تلك اللبنة الخالية من البعد التنموي ظلت تحكمنا الى اليوم فالتنمية ظلت غائبة عن خططنا طويلة الأجل اي الاستراتيجيات وبالتالي كان الاهتمام بشكل الدولة مقدما على جوهر الدولة , حكم فدرالي أو حتى كونفدرالي وحكم إقليمي وحكم ولائي وحكم ذاتي وكلها قائمة على الرقعة الجغرافية بالطبع مع استصحاب التكوينات العرقية من قبلية وإثنية وبعض المكونات الثقافية من دينية ولغوية والتبرير جاهز وهو
تقليص الظل الإداري وتقديم الخدمات والذي منه ولا يتحدث أحد عن الاقتصاد
والتنمية التي ينبغي أن تكون الأساس والذي يبنى عليه الوضع الإداري وليس
العكس فنحن دوما نقدم الكارو على الحصان عفواً الحمار.
(3)
إن هذا التقسيم وان شئت قل التحزيم المطروح (خطفا) أمر مستجد لأنه قائم على الموارد أي تقسيم اقتصادي تنموي بحت وهذا الذي كان ينقصنا فإذا ما سلمنا بهذا التقسيم أو التحزيم فهذا يعني ان شكل الدولة يجب أن يتغير لا ولايات ولا أقاليم إنما إدارة موارد وهذا لا يمنع من استخدام المسميات الإدارية المعروفة فنقول ولاية الجنوب أو ولاية السافنا او إقليم السافنا وتختفي الى الأبد الأسماء الإدارية التي لازمتنا دهورا مثل النيل الأزرق ونهر النيل وكردفان ودارفور وجبال النوبة ينتهي معها هذا الواقع الأليم , ليقول عبد القادر سالم انه قادم من إقليم الهشاب ويكون مكتول هوا الصمغ ويقول عمر إحساس انه قادم من إقليم السافنا الغنية ويغني للتنمية بدلا من دار فور بلدنا ومحمد الأمين من إقليم الأنهار ويغني للمحاصيل الشالت بدلا
من نوار إسحاق الحلنقي الذي جعل الشباب يتوجع ويئن وينصرف عن النشاطات المنتجة ويصبح عبد الواحد محمد نور وعقار والحلو من إقليم واحد ولن يفكر واحد منهم في الانفصال لان امتداد الإقليم أفقي ويحتوي على ثقافات وعرقيات مختلفة ولكن موارده موحدة وما أقوى الوحدة القائمة على البطن .لان البطن هي البتشيل الكرعين وليس العكس وأجمل ما في هذا الأمر ان محادثات السلام في حالة التحزيم الجديد سيكون محورها المشاريع الاقتصادية هنا مشروع زراعي وهنا مشروع تعديني وهناك خزان وهناك طريق بري معبد او خط سكة حديد بدلا من توزيع الوظائف 20% من الخدمة المدنية لإقليم كذا و10% لإقليم كذا فما يجري الآن في جوبا يجسد ثقافة النخبة القائمة على التحرير قبل التعمير حيث لا فرق بين التعايشي وإسماعيل الأزهري نفس الكتاب ونفس الصفحة.
(4)
لما تقدم نرجو من أصحاب الفكرة هذه ان يظهروا ويبانوا وبقدر تماسك الفكرة
وقوة حيثياتها سوف تجد الدعم من الرأي العام . والرأي العام أقوى بكثير من النخب بعبارة أخرى نريدهم ان يقدموها للرأي العام كي يمتلكها ويفرضها على السياسيين . اما (هترشنا) به هنا لا تعدو أن تكون عرضة خارج الحلبة لأنها قائمة على لفح الفكرة والعزف على اسمها دون الوقوف على حيثياتها وكافة مكنوناتها, ونستند هنا إلى المثل السوداني الذي يقول (العرس من بشته والصبي من تبته والخريف من رشته ) فهذه الفكرة بشتها مبهجة وتبتها قوية ورشتها مبللة.
صحيفة السوداني