-1-
تعجبني طريقة الصحفي الشاب المتميز محمد عبدالعزيز- من ركائز (السوداني)- في التقاط الملاحظات واستنطاق ما تحمله من معان ودلالات، لا تخطر لسامعه.
كثير من ملاحظات محمد لا تخلو من الطرافة اللاذعة والمغازي العميقة والموجعة أحياناً.
ملاحظات، رغم بساطتها تقول الكثير الذي يجمع بين المتعة والفائدة والضحك الجميل.
بترشيح من الصحيفة، قضى محمد تسعة أشهر في برنامج المركز الإعلامي الصيني الإفريقي.
ذهب محمد إلى الصين وعاد بمكاسب عديدة أهمها أضاف إلى تجربته الصحفية الكثير وإلى شخصيته المفيد.
أصبح محمد أكثر نشاطاً وحيوية وتوقداً ذهنياً وقادراً على القيام بأعمال متعددة في وقت واحد بجودة عالية.
الأهم من كل ذلك أصبح يمتلك زاوية نظر مختلفة وفاحصة في كل موضوع أو قضية يشارك فيها بالنقاش أو يتناولها كمادة صحفية.
-2-
في إحدى جلساتنا العفوية حدثني محمد عن سر نجاح الصين، قال إنهم بارعون في القيام بالأعمال الجماعية لأن التنشئة والتكوين تعززان فيهم منذ الطفولة سلوك العمل الجماعي.
معظم ألعاب الأطفال جماعية وليست فردية، كل طفل في اللعبة له دور وواجب محدد، صغر أم كبر.
الجميع يعملون لتحقيق هدف مشترك والوصول إلى نتيجة واحدة تكون ذروتها تتويج لمجهوداتهم.
في تلك الألعاب قد يكون واجب طفل القيام بدور صغير جداً في ثوانٍ خاطفة ولكنه مهم في المحصلة النهائية، ولا يتحقق النجاح بدونه.
-3-
أكثر ما أعجبني في حديث محمد إشارته لمفارقة طريفة وهي أن لعبة الكراسي الموجودة في السودان ومارسناها في المدارس والأحياء، توجد لها نسخة صينية مغايرة.
لعبة الكراسي في النسخة السودانية- وربما العربية – قائمة على وجود مقعد ناقص، ومن لا يجد مقعدا له أثناء المنافسة عليه المغادرة مهزوماً.
-4-
النسخة الصينية كما يرويها محمد، نعم هنالك مقعد ناقص في اللعبة ولكن مناط النجاح أن يجلس الجميع دون أن يضطر أحد للوقوف أو السقوط.
الفكرة الأساسية أن روح العمل الجماعي المنتج يؤسس لها منذ وقت باكر، لتؤتي حصادها في الكبر نجاحات وتسامحاً وتعاوناً.
لعبة الكراسي في نسختنا ترسخ الأنانية وحب الذات والاستئثار بالنجاح لمصلحة الفرد.
أما لعبة الكراسي في النسخة الصينية فتعزز ثقافة التسامح وإيجاد حيز للآخر رغم محدودية الفرص.
-4-
أغلب أنشطتنا تنتهى إلى فشل وخيبة، لضعف الحس الجماعي وتعاظم تقدير الذات.
أحزابنا تنقسم على نفسها عدة مرات ﻷتفه الأسباب، شراكاتنا التجارية غير قابلة للاستمرار حتى داخل الأسرة الواحدة، يقبلون بالفشل الفردي ويرفضون النجاح المشترك.
فرقنا الغنائية مثل عقد الجلاد تناثرت حباتها على بلاط الخلافات المتعددة، فضاع اللحن وسط الضجيج .
فرقنا الرياضية لا تعرف جماعية الأداء، معظم الأهداف بمجهودات فردية أو بأقدام الصدفة الطائشة .
-5-
حينما سأل المحاور علي الظفيري بقناة الجزيرة، مهاتير محمد عن محاولات بعض الدول الإسلامية الاستفادة من التجربة الماليزية؛ بابتسامة جمعت التعاطف مع السخرية، أشار مهاتير إلى السودان، وقال إن عدداً كبيراً من المسؤولين السودانيين أرادوا نقل التجربة الماليزية إلى بلادهم، ولكن مثل هذه المحاولات تبوء بالفشل لاختلاف التكوين الثقافي للشعوب.
-أخيراً-
في السودان نعاني كثيراً من العلل التي تُقعِد بنا عن النهوض وتُثقل خطانا عن التقدم نحو الأمام، مجتمعين على هدف مشترك.
يختلف الحُكَّام وأنظمة الحكم وتتعدد التجارب والمحصلة النهائية واحدة، متنافسون مجهدون وكراسي محطمة!
*اعادة نشر بمناسبة انقسام (تجمع المهنيين).
صحيفة السوداني