للحقيقة لسان
رحمة عبدالمنعم
فرحة وسط الرماد
في خضم المحن التي تعصف بالسودان، وفي زمنٍ صار فيه الفرح نادرًا كالمطر في صيفٍ قاحل، جاء تأهل المنتخب الوطني إلى كأس الأمم الإفريقية 2025 ليبث الحياة في النفوس ويمنح الشعب لحظة استثنائية من البهجة ،ليس التأهل مجرد إنجاز رياضي عابر، بل هو ملحمة مكتوبة بالإصرار، شاهدة على قدرة الإنسان السوداني على مقاومة اليأس وصنع الأمل من عمق المعاناة.
من وسط رماد الحرب التي أحاطت بالوطن كطوقٍ خانق، خرجت صقور الجديان لتثبت أن الرياضة ليست مجرد لعبة، بل روح تتحدى كل ما يعترضها هؤلاء الشباب، الذين حُرموا من أبسط مقومات الإعداد، حملوا راية الوطن وساروا بها وسط رياحٍ عاتية، غير مبالين بالآلام والظروف التي كانت كفيلة بتحطيم أعتى الفرق.
في كل مباراة خاضها المنتخب، كان الحلم يكبر رغم القهر، والأمل يضيء رغم الظلام. أقدام اللاعبين لم تكن تركل الكرة فحسب، بل كانت تكتب قصيدةً جديدةً عن العزيمة والشغف والانتماء، كانت قلوبهم تنبض بنبض الوطن، وأعينهم ترى في كل هدفٍ يسجله السودان خطوةً نحو رفع راية الوطن عاليًا، في زمن تكاد تُطمس فيه ملامح الفرح.
أما الشعب السوداني، الذي أنهكته الحرب وأرهقته الأيام، فقد وجد في هذا التأهل متنفسًا ونبضًا جديدًا، خرج الناس من كل الفئات، في المدن والقرى، يحتفلون بعفوية تشبه روح السودان نفسها، في لحظة واحدة، تلاشت الاختلافات وتوحد الجميع خلف راية الوطن، وكأنما المنتخب لم ينتصر في الملعب فقط، بل في القلوب التي تبحث عن بارقة أمل تعيد لها الإيمان بالمستقبل.
هذا التأهل، الذي جاء في أصعب الظروف، لا يُعد مجرد انتصار رياضي، بل هو درسٌ عميقٌ في معاني الإرادة والتحدي. إنه شهادةٌ على أن السودان، رغم كل الجراح، قادر على النهوض والوقوف مجددًا، لقد أثبتت صقور الجديان أن الأحلام لا تموت، وأن الإصرار قادر على أن يُذيب الحديد ويُعيد بناء الجسور بين الحلم والواقع.
في كأس الأمم الإفريقية القادمة، لن يكون المنتخب السوداني مجرد مشارك، بل سيمثل أمة بأكملها، أمة تتطلع إلى أن تكون الرياضة أحد أعمدة وحدتها وأسباب فرحها. وسيظل هذا التأهل علامة فارقة في تاريخنا، ونقطة انطلاق جديدة نحو المستقبل الذي نأمل أن يكون أكثر إشراقًا.
مباركٌ للوطن، مباركٌ لصقور الجديان، مباركٌ للشعب السوداني الذي يثبت كل يوم أن جذوة الحياة فيه لا تخبو أبدًا.