السودان اليوم:
القرار الذى أصدره الفريق البُرهان فى الثامن عشر من مايو الجاري بإعتبار الضُباط الذين تم إعدامهُم فى المحاولة الإنقلابية التى جرت العام 1990م شُهداء وترقيتهم لرُتبتين أعلى وفقاً للوائح القُوات المُسلّحة ، نسأل الله أن يتقبلهم مع الشُهداء والصديقين وأن يربط علي قُلوب أهلهم وذويهم وأسرهم صبراً وإحتسابا فبعد أن حدث التغيير وفُتح هذا الملف المُحزِن بالطبع قد تجدّدت معه أحزان تلك الأسرالمكلُومة ، وحسناً فعل البُرهان أن أعاد لها حقاً مادياً ومعنوياً كاد أن يُطويهُ النسيان .
كنتُ أتوقع أن تستبق هذه الخُطوة الشُجاعة الخُطوة الأهم وهى (برأيي) تقديم من أعدموا هؤلاء الضباط الى المُحاكمة وهم أحياء يقبعون خلف القُضبان ويُفتح هذا الملف بالكامل فأكيد هُناك سجلات للمُحاكمة التى يُمكِن الرُجُوع إليها ، حتى لا تدخُل الدولة في مسؤلية (شرعنة) بعض الإنقلابات العسكرية وترك الأخري تحت بند الخيانة العُظمي ومعلومٌ أن للقوات المُسلحة لوائحها ومحاكمها العسكرية الخاصه بها وكان يجب أن تُعقد المحاكمة أولاً ليعرف الناس بأي ذنب و قانون أعْدِم هؤلاء النفرالكريم من أبناء القوات المُسلحة وفق قانون مُعيّن أم ظُلماً هكذا أُخِذوا . و أعتقد أنْ من حَقِ الأسر التى أعدِم أبنائها فى إنقلابات سابقة فى عهد الرئيس (نميري) أن يُطالبوا بحقوق أبنائهم في الترقى والشهادة طالما أن قانون القوات المسلّحة يستوعب ذلك فمثلاً إنقلاب الرائد هاشم العطا في العام 1971م الم يكُن هو من أكفأ الضباط بالجيش وله حق الترقي والشهادة أيضاً ، الم يكُن الرائد فاروق حمد الله ضابطاً ؟ ألم يكُن المُقدم بابكر النور ضابطاً بالجيش السوداني اليس من حق ذويهم أن يسمعوا من الفريق البرهان ما يُسعدهُم مادياً ومعنوياً ، ثم بعد فشل محاولة هاشم العطا بعد ثلاثة أيام فقط ألم تُرتكب مجزرة بيت الضيافة و أعدم فيها تسعة عشر ضابطاً هُم من خيرة أبناء القُوّات المُسلّحة بدمٍ بارد اليس من حق هؤلاء الترقي والشهادة حسب قانون القُوات المُسلّحة ألم يتركوا ذريّة و ورثه ومن حقهم أن ينال الورثة والذرية هذا الحق؟
ثُمّ إنْ المُحاولة الإنقلابيه الثانية ضد النميري التى تمّت فى الخامس من سبتمبر 1975 بقيادة المُقدم حسن حسين عثمان ألم تكُن من أجل حياةٍ كريمة لهذا الشعب؟ فأعدم قائدُها ورفاقه ألم يكُن هؤلاء ضُباطاً فى الجيش السوداني ومن حقهم الترقي وإعتبار الشهادة ورد حقهم المعنوي والمادي أسوةً بغيرِهم ، العميد محمد نور سعد ، الرائد حامد فتح الله والرائد محمد علوب وغيرهم من ضباط تلك المحاولة الفاشله ألم يكونوا ضُباط فى الجيش فأين حقهم؟ أتمني من الفريق البرهان أن (يأخُد العملية بالراجع) طالما أن الشرف هو شرف الإنتماء للقوات المُسلّحة الباسلة فليس هُناك أحد أفضل من الآخر وكل الذين أعدموا في سبيل التغيير والبحث عن حياة كريمة لهذا الشعب الكريم يستحقون الترقية وإعتبارِ الشُهادة حتى لا يُقال أنْ المُؤسسة العسكرية تُفرقُ بين أبنائها فهلّا تفضلتُم فخامة الفريق البُرهان بالقرار رقم (2) لصالح شُهداء المُحاولة الانقلابية للعام (75) والقرار رقم (3) في حق شُهداء المحاولة الانقلابية للعام (71) ولن ينساها لكُم التاريخ.
من إخفاقات السياسة السودانية وللأسف أننا نُحاولُ إعادة كتابة التاريخ مع كُل حقبة جديدة من الحكم فما أسهلُ نعتُ الخصم بالعمالة وعدم الوطنية وشطبه من التاريخ بجرة قلم ثم نفسح المجال لصُنّاع تاريخ جُدُدْ سُرعان ما يأتي آخر ويزيحهُم عن المشهد السياسي تحت ذريعة العمالة والفساد وهكذا دواليك لن يستقر لنا حال لذا ظللنا نتخبطُ سياسيّاً فشرفاء اليوم هُم عُملاء الأمس وكُلٌ يرتدي (طاقية) الوطنية يخُصُ بها نَفسهُ علي حساب الآخرين ، نيفٌ وستون عاماً لم نُحدد هوّيتُنا الإقتصادية مَنْ نحنُ وماذا نُريد صُناعٌ نحنُ أم ذُراع ؟ ، لم نتوافق على دُستورٍ جامع طيلة ستة عقود فالى أين نسير بالوطن؟ فيا سادتي فالنكتُبُ التاريخ بصدق وشفافية حتى لا يتغولُ عليه اللاحقون فالتاريخ لا ينامُ مهما حاول البعضُ إغماضُ عينيه وتاريخ السودان لم يبدأ بالإنقاذ وتاريخ الإنقلابات العسكرية لم يبدأ بمحاولة 1990م وقد لا ينتهي عندها فمن يعلم! فلِماذا القفزُ فوق الحقائق؟
قبُل ما انسي: ــ
ماذا لو طالب الجمهوريون بتعويضِهِم عمّا لحق بهم طيلة الفترات السابقة بما فيها حقهم فى معرفة قبر (كبيرهم) محمود في الثمانينيات وماذا لو طالب الصادق بإسترداد مُلكه المسلوب فى الثمانينيات وماذا لو طالب الشيوعيّون برد حقهم المعنوي بطردهم من البرلمان فى الستينيات وماذا لو جاء (المايويون) يُطالبون بالقصاص من قبر المُشير سوار الذهب وماذا لو جاء كُلّ اللاعبون يُطالبون بحقِهم في تمزيق (الكُرة) فماذا سيتبقى من الوطن؟ اليس هذا هو التاريخ وهذه مُشاكساتُنا وللأسف؟
و أخيراً :ــ
تمنيتُ لو أنْ الجيش طبّق لوائحه بعيداً عن الإعلام بالإجراءات العادية المُتبعه ليعلمُها من يهُمه الأمر فقط حتي لا يؤخذ الجيش على حين غرّة الي منابر السياسة.
بقلم: صبري محمد علي (العيكورة).
The post أظُن من حقهم يا بُرهان.. بقلم العيكورة appeared first on السودان اليوم.