مذكرات ومذاكرات من أزمة نادي المريخ (٧)
خاص كورة سودانية
– أبوعاقله أماسا
* حاولنا تجميع وتشخيص جذور أزمات نادي المريخ من وجهة نظرنا كمعاصرين ومعايشين للأوضاع والتطورات داخل هذا النادي من بداية التسعينات وحتى الآن مع ثمانية رؤساء تعاقبوا على رئاسة هذا النادي، وكشهود عيان، كنا فيها ومازلنا أعضاء في المنظومة الإجتماعية، نكتفي كثيراً بقراءة الأحداث وتدوين الملاحظات ومتابعة ردود الأفعال، ومن خلال كل هذه التجارب توصلنا لبعض الحقائق التي كانت وماتزال سبباً في تعقيد أزمات المريخ.. مثال:
* في كل الحقب السابقة لم تكن المعارضة لمجلس إدارة النادي تعني القطيعة التامة وعدم التواجد في مناسبات المريخ والتوقف عن دعمه، وكثيراً ما كنا نرى مجموعة النهضة في طورها الأول تعمل جنباً إلى جنب مع مجالس الإدارات خاصة في التسجيلات مع أنها كانت جسماً معارضاً، وأحيانا تساهم بالمال فضلا عن الجهد كما حدث في ملحمة إعادة قيد فاروق جبرة موسم 2002، عندما تكفلت النهضة بجزء من الحافز كان له الأثر المباشر في موافقة اللاعب وإعادة قيده كأفضل نجوم تلك الفترة، وأحد صانعي المجد المريخي في الدوري الممتاز والمجلس بقيادة محمد الياس محجوب لم يرفض دعمهم كما فعل المجلس الحالي مع حازم وبعض الأقطاب ولم يطلب كذلك ضخ المال في خزينته وأذكر أن النهضة سلمت نصيبها للاعب مباشرة بتنسيق مع رئيس النادي وبحنكة تامة ومشرفة، أما الآن فقد تغيرت المفاهيم، وحدث تباعد أضر كثيراً بكيان نادي المريخ، وكانت واحدة من نتائجه (الراهن) الذي نعيشه بكل تعقيداته، ولأننا تابعنا مراحل نشوء أزمة المريخ من مجرد مشكلات صغيرة حتى تضخمت ووصلت مرحلة الأزمة وشارفت على الإنفجار هذه الأيام اخترنا أن نسهم بهذه الحلقات لتوضيح بعض الجوانب من أصول الأزمة.
* المجلس الحالي ولد من رحم التدهور والتناثر والتشظي الذي يعانيه مجتمع نادي المريخ، وتخاذل الأقطاب وكبار الإداريين عن أدوارهم التي كانت تتكامل في السابق لترسم لوحة نادي المريخ بكل تأريخه وعظمته، وبعد ظهور جمال الوالي كرئيس توارى الكثيرون ولم يتقدموا للعمل الإداري واستمرأ الجميع نظرية الإعتماد على داعم (سوبر مان).. أو صراف آلي كما وصفه البعض، وهذه أثبتت فشلها الذريع وكانت سبباً في انتكاسة أندية عالمية أكبر وأعرق من المريخ، مثال لذلك (ميلان) الإيطالي صاحب السبعة ألقاب في دوري أبطال أوروبا وقد أصبح بعد بيرلسكوني يقاتل من أجل المشاركة في كأس الإتحاد ويغادرها مبكراً بدلاً أن كان رقماً صعباً في البطولة الأقوى، وكذلك تجربة إتحاد جدة مع منصور البلوي وقبلها النصر مع الأمير الراحل والقوي عبدالرحمن بن سعود، وبعض من تقدموا مع الوالي كانت تجربتهم ضعيفة لدرجة أنها لم تترك بصمة تذكر والبعض كانوا عبئاً عليه وعلى النادي، وقد ذكرت في حلقة سابقة أنه وبرغم المليارات التي أنفقت في فترة الرئيس الأبرز في الألفية الثالثة والحركة المتصاعدة التي تجاوزت حدود الوطن وإنعكست على سمعة النادي خارجياً وعالمياً بمردود مثير للفخر والإعتزاز، لم يكن هنالك عمل إداري يذكر فيما يتعلق بأسلوب إدارة دولاب العمل، ولازمت مسيرة النادي عشرات الأخطاء والتجاوزات خاصة في المال، وشاعت عادة التشكيك في ذمم الأبرياء بشكل رهيب ومنفر، بينما كان المخالفون الحقيقيون يتسربون من بين ثنايا الفوضى وغياب الضبط دون أن يتعرضوا ويخضعوا للحساب والمساءلة، وانتقل الحديث من مرحلة السر إلى الجهر والعلن، عن قصور بنيت، وفارهات وأملاك ومشاريع على حساب المريخ والتكسب منه وشبهات تحوم هنا وهناك، وهنا يجب التفريق بين المسارين…. الأول كان هو مسار القيادة واستقطاب الدعم والمال الذي تفنن فيه رئيس النادي جمال الوالي وأبدع كذلك في المشروعات العملاقة مثل صيانة الإستاد وتحديثه والإرتقاء به بحيث يبلغ ذلك المستوى الذي استضاف فاصلة مصر والجزائر لكأس العالم، وملف التعاقدات التي نقلت نادي المريخ من نادٍ يبحث عن الرخيص في سوق اللاعبين إلى رقم ينافس على الأجود والمحترم من النجوم الذين أضافوا لمسيرة النادي الكثير بمستوياتهم الرفيعة وكان مجرد وجودهم بين كشوفات الفريق حدثاً يجعل اسمه متداولاً في وسائل الإعلام الدولية… والمسار الآخر كان ذلك المسار التنفيذي المثير دائماً للجدل والمشاكل.. وقد كان أقل بكثير من المسار الأول وغير مواكب له وتسبب في إخفاقات كثيرة ولم يرتق إلى مستوى الحدث.. لذلك نركز أن تلك الفترة لم تخلف الإدارات التالية إرثًا تنفيذياً تستند عليه، ولا حتى على مستوى خزينة المستندات.. بينما كان الأداء المالي كارثي بحق من حيث الميزانيات ومراجعتها، وزاد الطين بلة، تغييب متعمد لدور الجمعيات العمومية العادية والطارئة، لأن عافية العمل الإداري في أي ناد جماهيري في الدور الرقابي الذي تمارسه الجمعيات العمومية خاصة السنوية التي تناقش خطابات الميزانية السنوية وتراجع أعمال السنة، وعبرها يجدد الولاء والثقة ويتم تدارك الأخطاء وتصحيحها وتقويم المسيرة عامة وتنشط الذاكرة الديمقراطية…. وهو ما لم نشهده فكان ذلك سبباً في تراكم المشاكل والأزمات لتكون النتيجة الحتمية هذه الحقبة التي يمر بها النادي الآن.
* نعود إلى نقطة سابقة ونؤكد أن أزمة المريخ أكبر من مجلس إدارة ورئيس يذهب أو يبقى، وملامحها تظهر جلياً في الذاكرة الديمقراطية المشوشة لأنصار النادي، وبالتالي نكون مطالبين بتوسيع حقل الرؤية لقضايا النادي.. والتحدي الماثل هو تحدي إعادة بناء المجتمع ليستعيد عافيته، وبدلاً من تلك السلبية التي سمحت للإنتهازيين بإستقطاب العضوية المستجلبة والصعود على أكتافها، للجلوس على مقاعد ربما كانوا أقل منها، يلتقط المريخاب زمام المبادرة ويقودوا نهضةً تبدأ بإصلاح العضوية، وإعادة النشاط للذاكرة الديمقراطية لأنه لامجال للتعيين بعد الآن، ولا طريق آخر أفضل وأنسب من الديمقراطية.
* المخرج المثالي والآمن الآن هو الدخول في محادثات مع مجلس الإدارة للقبول بخيار الإنتخابات المبكرة… بإعتبار أن هنالك قرار متوقع أصلاً بفتح باب العضوية فور انتهاء حالة حظر التجوال وجائحة كورونا.. وهذا يعني إلزامية إنعقاد الجمعية العمومية ومن ثم الإنتخابات لمجلس جديد… أما التوقيعات لسحب الثقة فهي من وجهة نظري طريق طويل وشائك ومحفوف بالمغالطات والتقاطعات القانونية وربما استغرقت وقتاً أطول من عمر المجلس المتبقي… لذلك نرى أن المخرج الآمن والأقرب الذي يقضي على الأزمة وينتزعها دون أن تخلف جذورا هو الإنتخابات المبكرة بتسهيلات وتنازلات من الطرفين…
….. نواصل
المصدر: مذكرات ومذاكرات من أزمة نادي المريخ (٧) بموقع صحيفة كورة سودانية الإلكترونية.