جريدة بريطانية : هل ينتقل صراع السودان بعد توقف الحرب لشكل الحكم؟
هل ينتقل صراع السودان بعد توقف الحرب لشكل الحكم؟
“وجود المكون العسكري في المشهد السياسي أضر كثيراً بالبلاد”
على رغم اشتداد المعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري، وتمددها إلى إقليمي دارفور وكردفان، تبذل في المقابل قوى مدنية سودانية عدة والمجتمع الدولي والإقليمي جهوداً حثيثة لإيقاف هذه الحرب والدخول في عملية سياسية تؤدي إلى تشكيل حكومة مدنية لإكمال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية، وصولاً لانتخابات عامة، لكن جدلاً واسعاً يدور هذه الأيام حول شكل الحكم المقبل ما بين حكومة مدنية وأخرى عسكرية يشرف عليها المكون العسكري بالنظر إلى الوضع الأمني والتحديات التي ستواجه البلاد بعد الحرب. فما رؤية المراقبين السياسيين والعسكريين للحكومة المقبلة التي من شأنها أن تقود السودان للاستقرار وتجد السند الشعبي؟
مواقف وتضحيات
وقال الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية معتصم عبدالقادر إن “الحرب المريرة التي تعرضت لها الدولة السودانية بصورة تدميرية مباشرة في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وما تعرض له المواطن السوداني من انتهاكات غير مسبوقة في تاريخه المعاصر، يجعل الحديث عن مستقبل السودان حديثاً مقتصراً على القوى الوطنية التي قدمت مواقف وتضحيات واضحة ضد الطرف المعتدي، وتتمثل هذه القوى في المواطن، لذلك لا بد من رد الأمر السياسي للمواطن الضحية بعد وقف نزيف الحرب، وهناك تجارب سابقة ومماثلة، سواء في السودان، أو في عدد من الدول الأخرى”.
وتابع عبدالقادر “لمقاربة الوضع الراهن، فإن خطاب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان في عيد الجيش، منتصف أغسطس (آب)، قدم طرحاً عملياً للمرحلة المقبلة يتمثل في تعويضات المواطنين وإعمار ما دمرته الحرب وتشكيل حكومة تكنوقراط تقود البلاد إلى انتخابات حرة، مما يعنى إعادة القرار للمواطن السوداني”. وأضاف الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية “في تقديري أن أية محاولات تقوم بها حالياً أية قوى سياسية تستعين بالدول الخارجية أو المنظمات الأجنبية لفرض رؤيتها على الوطن لن تنال النجاح، خصوصاً أن المواطن خبر هذه القوى الداخلية والخارجية، منذ أبريل (نيسان) 2019، حيث أدخلت البلاد في حالة من التدهور والفوضى، الأمر الذي قاد إلى هذه الحرب، لكن صمود الشعب السوداني وجيشه أبطل أشكال التآمر كافة، وجعله يتجاوز هذه المرحلة لينطلق ويتحرر من القوى المعوقة نحو آفاق التقدم والازدهار”.
وضع معقد
من جانبه، قال مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الولائية عبدالجليل الباشا “في اعتقادي، الواقع السياسي في البلاد معقد جداً، والسودان واجه حروباً عديدة منذ استقلاله، عام 1956 وحتى اليوم، وكلها تدور حول السلطة والثروة والهوية وعلاقة الدين بالدولة، صحيح أن إيقاف الحرب يشكل أولوية لمعالجة التداعيات الإنسانية الناتجة منها، لكن الأهم من ذلك كله مخاطبة جذور الأزمة السودانية حتى لا ترحل للأجيال المقبلة، لذلك يشير الواقع إلى ضرورة تكوين جبهة مدنية عريضة تضم معظم أهل السودان على أساس أن يكون هناك تأمين لعملية الانتقال، ومن ثم تكون حكومة تقود البلد لإجراء انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية، لأن السودان ما بعد الحرب يحتاج إلى ترتيبات كثيرة وجبر الضرر لما حدث من خسائر بالأرواح والبنى التحتية”.
ورأى الباشا أن “وجود المكون العسكري في المشهد السياسي أضر كثيراً بالسودان، وهو أمر واضح للغاية من خلال الحرب الدائرة الآن في العاصمة وأجزاء من البلاد حيث قضت على الأخضر واليابس، لذلك لا بد من إبعاد العسكر عن الحكم بطريقة تضمن تكوين جيش مهني قومي واحد، ما يمكنه من أداء دوره كاملاً كما هو منصوص عليه في الدستور باعتبار أن الانتقال يجب أن يكون من خلال حكومة ديمقراطية مدنية تؤسس لتحول ديمقراطي حقيقي يؤدي لانتخابات حرة ونزيهة يحدد من خلالها الشعب من يحكمه”.
أضاف مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الولائية “هذا هو الطريق الأسلم والأفضل للخروج من هذه الأزمة، والذي يبدأ أولاً بإيقاف الحرب ومعالجة آثارها الإنسانية، ثم الدخول في مفاوضات سياسية تنتج حكومة مدنية تعبر عن الواقع الديمقراطي في البلاد، ومن ثم الذهاب إلى الانتخابات بعد فترة انتقالية متفق عليها، لكن أي حديث عن أي حكومة يشكلها المكون العسكري بعد الحرب تحت أي مسمى أمر غير وارد، ولن يكون تحت أي ظرف”.
مؤتمر دستوري
في الأثناء، أشار المتخصص في العلوم السياسية بجامعة “أفريقيا العالمية” في الخرطوم محمد خليفة صديق إلى أن “مستقبل الحكم في السودان يجب أن يقسم إلى جزأين، الأول الحكم في الفترة الانتقالية، والثاني ما بعد المرحلة الانتقالية، لكن يجب الآن أن ينصب التفكير في كيفية حكم فترة الانتقال وتأجيل الحديث عما بعدها ليترك إلى حكومة المرحلة الانتقالية التي من مهامها تحديد كيف يحكم السودان من خلال المؤتمر الدستوري الذي سينعقد في هذه الفترة بمشاركة جميع القوى السياسية”، مضيفاً “يفترض بعد الحرب أن يتم تشكيل حكومة قادرة على إدارة البلاد بطريقة جيدة تعمل على إنهاء آثار هذه الحرب، وأن يتم تشكيلها بالمواصفات المعروفة التي يجمع حولها معظم السودانيين، فالمواطن الآن لا يتحدث عن أشخاص ولا عن شكل الحكومة ولا عن طبيعة عملها، لكن يهمه أن تكون هناك حكومة تقوم بواجبها تجاه معيشته وإعمار ما دمرته الحرب، وأن تعيد للمواطن آماله وحياته الطبيعية، لذلك فإن حكومة بهذه المواصفات سيشكلها المنتصر في الحرب وليس للشعب بديل إلا أن يساندها للخروج من الهوة السحيقة التي وقع فيها”.
واستبعد المتخصص في العلوم السياسية أن يكون هناك خلاف كبير حول شكل الحكومة المقبلة ومهامها ومن يقودها، لكن يجب أن تشكل بسرعة لأن الحكومة الحالية تم تشكيلها لتصريف الأعمال، وتضم وكلاء الوزارات وشخصيات أخرى، وأثبتت أنها غير جديرة بأي ثقة ولم تعمل بالشكل المطلوب، بخاصة أنها عجزت عن دفع مرتبات العاملين في الدولة خلال الحرب على رغم وجود مصادر عدة للإيرادات، لكن المشكلة في عدم إدارتها الاقتصاد بصورة جيدة.