الخرطوم: هنادي النور ــ هالة حافظ
أجبرت إجراءات (25) أكتوبر وزارة المالية على إعداد موازنة صفرية خالية من المنح والقروض الخارجية، وكشفت مصادر وزارية لـ (الإنتباهة) عن أن تجميد البنك الدولي وأصدقاء السودان مساعدتهم للاقتصاد جعل وزارة المالية توجه بإعداد موازنة بدون منح وقروض خارجية، مما يعني فقدان 40% من إيرادات الموازنة مما يعرضها إلى خطر عجز كبير في تغطية إيراداتها في ظل انفاق كبير سعت الحكومة إلى تخفيفه عبر برنامجي (ثمرات) و(سلعتي) المجمدين عقب رفع الدعم عن الوقود، وكانت موازنة العام الحالي قد أظهرت فيها قوائم المنح والقروض المتوقعة نسبة عالية من التوقعات بشأن السحب للمشروعات المستمرة والجديدة. ويأتي ذلك وقد وبلغ إجمالي القروض والمنح النقدية والعينية بالموزانة 3.786.37 دولاراً والمنح العينينة 2.108.55 دولاراً وجملة التمويل الأجنبي (قروض+ منح) 1.678.37 دولاراً. ومع ذلك جاءت تقديرات السحب من القروض والمنح الأجنبية للمشروعات المستمرة والجديدة في الموزانة حوالى 3.79 مليار دولار بما يعادل 208.25 مليار جنيه بحسب القائمة التي تحصلت عليها (الإنتباهة)، ووفق ذلك شملت القائمة 39.90 مليار جنيه سحب على القروض بنسبة زيادة 17٪، مقارنة باعتمادات عام 2020م البالغة 34.10 مليار جنيه، ومبلغ 168.35 مليار جنيه سحب على المنح منها 52.41 مليار جنيه منح نقدية و115.94 مليار جنيه منح عينية.
في حين شملت تلك المنح من مؤسسات التمويل العربية (85) مليون دولار من البنك الإسلامي للتنمية، والصندوق القومي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي 335.30 مليون دولار، والصندوق الكويتي 120.92 مليون دولار، والصندوق السعودي للتنمية 550.195 مليون دولار.
وحوت القائمة كذلك جملة مؤسسات التمويل العربية والبنك الإسلامي بـ735.02 مليون دولار، و (226) مليون دولار من البنك الدولي وصندوق المانحين، وأيضاً من البنك الإفريقي للتنمية (148) مليون دولار، والصندوق الدولي للتنمية الوراعية (إيفاد) 34.19 مليون دولار، وجاءت المنح من الأمم المتحدة وكالات 377.92 مليون دولار، والاتحاد الأوروبي مليون دولار، والصندوق العالمي للقاحات والتحصين خمسة ملايين دولار، وبلغت جملة مؤسسات التمويل الدولية 792.11 مليون دولار، ومنح الصين 84 مليون دولار، وإيران 30 مليون دولار، والوكالة اليابانية للعون 16.66 مليون دولار. وفي ذات الإتجاه تمنح وكالة العون الألماني أربعة ملايين دولار، والوكالة الفرنسية 2.41 مليون دولار، والوكالة الكورية ثلاثة ملايين دولار، ووالوكالة الأمريكية للتنمية 13 مليون دولار.
وفي نفس الوقت وبحسب القوائم فقد بلغت قوائم تقديرات الأصول المالية في موازنة 2021م حوالى 6.7 مليون جنيه، وذلك لسداد مساهمات الحكومة في رؤوس الأموال وأهمها البنك الإسلامي للتنمية العربية ومصفاة الخرطوم، وأبانت القوائم أن التوقعات الخاصة بتوقيع اتفاقيات القروض والمنح خلال 2021م بحوالى 349.7 مليون دولار، منها 197.7 مليون دولار اتفاقيات منح، بينما توقعت اتفاقيات قروض بقيمة 152.0 مليون دولار.
وتشمل تلك التوقعات الخاصة بالاتفاقيات مشروع طوارئ كورونا بقيمة 27 مليون دولار، ومشروع تمكين المرأة بقيمة 15 مليون دولار، ومشروع الإحصاء الزراعي الشامل 29 مليون دولار، وشبكة مياه كوستي 39 مليون دولار.
كما تحتوي على 0.78 ألف دولار دعم فقراء الريف المتأثرين بكورونا، وصندوق النقد العربي ــ القرض التلقائي ــ 82 مليون دولار، ومشروع حماية النظم البيئية والمحميات الطبيعية ــ وكالات الأمم المتحدة بقيمة 41 مليون دولار.
وبلغت التوقعات حول المنح من الصين بشأن حفر آبار نهر النيل والشمالية 14 مليون دولار، ومشروع التعاون الفني للقصر الرئاسي المرحلة الثانية 13 مليون دولار، ومشروع التعاون الفني مركز الصداقة للتدريب المهني 6 ملايين دولار، ومشروع معهد كونفيشوس وقاعة المؤتمرات بجامعة الخرطوم 39 مليون دولار.
فيما بلغت التقديرات حول برنامج الانتقال إلى سودان جديد المرحلة الثانية المقدم من الوكالة الأمريكية والبنك الدولي للشؤون الإفريقية، وقالت إن هنالك عدة مشروعات بجانب (ثمرات) تتعلق بتوفير فرص عمل للشباب في السودان، وأضافت أنهم يعملون مع الحكومة السودانية لجذب الإستثمارات وذلك عبر تحسين بيئة الاستثمار في السودان، وقد وُضِع مبلغ ٥٠٠ مليون دولار ستصل خلال شهرين لهذا الغرض. كما قالت ان هنالك مبلغ ٧٠٠ مليون دولار خُصصت للكهرباء ستصل خلال شهرين و ٣٠٠ مليون دولار أُخرى للري.
وقالت ان مجموع المبالغ القادمة للسودان في الشهور المقبلة حوالى ملياري دولار تشمل الصحة والتعليم.
وفي ابريل وقعت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي على اتفاقية منحة مقدمة من المصرف العربي للتنمية الاقتصادية بمبلغ عشرة ملايين دولار لدعم تنمية شبابية للتنمية الدولية بنحو 10 ملايين دولار.
عجز كبير
الا أن عضو الحزب الشيوعي كمال كرار يؤكد أن عائد المنح والقروض خلال السنوات الماضية كان شبه صفر، وأن جميع التوقعات بشأنها لم تصدق على ارض الواقع، لجهة ان العالم لا ينظر الى شكل الحكم انما ينظر الى الدولة واستقرارها، والآن السودان في وضع انقلاب، وهذا يجعل كافة مؤسسات الدولة تحجم، وايضاً الصناديق العربية وغيرها، مما ينذر بالخطر على الموازنة، وقال كرار في حديثة لـ (الانتباهة) امس: (سوف تواجه الموازنة عجزاً كبيراً، لان القروض والمنح كانت تشكل اكثر من 50% من الميزانية، وبالتالي سيكون العجز كبيراً، وبذلك سوف تلجأ وزارة المالية الى طباعة مزيد من العملة، مما يعني ان قيمة الجنيه سوف تتدهور وسيرتفع التضخم، وبالتالي سيكون هنالك وضع اقتصادي قاسٍ جداً على الجميع بما فيه حركتا الميزان التجاري والمدفوعات والصادرات والورادات، وكل هذا سيتراجع الى الوراء، وبالتأكيد تستفحل الازمة الاقتصادية، وبالتالي عدم المنح والقروض، ولا تكون هناك تنمية، وهذا مؤشر خطير لا سيما ان السودان في عزلة لا يحسد عليها دولياً، وفي ظل شح مصادر النقد الاجنبي من الصادرات فإن هذا الامر يلقي بظلال سالبة على سعر العملة الحرة، وهذا ظاهر للعلن بعودة تجار العملة الى النشاط، وتوقع كرار ان يقفز سعر الدولار في القريب العاجل الى 100 % اي يصل حاجز 900جنيه، وهذا يؤثر سلباً على السلع المستوردة، والازمة الاقتصادية تزداد عمقاً والتدهور الاقتصادي على اشده.
تأجيل الموازنة
وفي 24 مايو من العام الحالي حصل السودان ايضاً من البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد على 700 مليون دولار في تمويل لدعم قطاعي الطاقة والاتصالات.
وأبلغ حمدوك مؤتمراً صحفياً عقب وصوله إلى الخرطوم من العاصمة الفرنسية، بعد نجاح مؤتمر باريس في دعم السودان، أن هذا الوعد قُدم أثناء اجتماع مع مسؤولين بالبنك في باريس.
وقال إن البنك وافق أيضاً على شراء 22 مليون جرعة من لقاحات كوفيد ــ 19 للسودان، قيمتها 220 مليون دولار، ليصل إجمالي التمويل إلى حوالى مليار دولار، ويرى رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد الفاتح عثمان تأجيل الموازنة الى ما بعد تشكيل الحكومة التنفيذية من مجلس الوزراء الجديد الذي سيقوم بالتفاوض مع المؤسسات الدولية، واكد في حديثه لـ (الانتباهة) انه قد تم تجميد المنح والقروض من البنك الدولي وليس الغاؤها، مشيراً الى ان التجميد يمكن ان يفك حال اثبتت الحكومة الجديدة انها تمثل الديمقراطية والمجتمع المدني، مشيراً الى ان الحديث عن الموازنة بعد ان تم تجميدها يصبح حديثاً سابقاً لاوانه الى ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وعلى ضوء مفاوضات الحكومة مع المؤسسات الدولية سيتم اعداد الموازنة سواء بقروض ومنح او بدونها، واوضح انه يمكن ان تتم الاستعاضة عن منح الدول الغربية بدعم اقليمي، وتابع قائلاً: (لا يخفى ان هناك دعماً اقليمياً خليجياً) وتوقع ان تأتي منح وقروض من دول الخليج، او ان يتم التصالح مع البنك الدولي ووزارة الخزانة الامريكية، وقال ان الباب يظل مفتوحاً الى حين تشكيل الحكومة الدستورية، واضاف قائلاً: (المعلومات المتاحة الآن أنه تم تجميد عملية اعداد الموازنة الى ما بعد تشكيل الحكومة التنفيذية الجديدة، مما يعني انه من السابق لاوانه ان يتم تحديد ما اذا كانت الموازنة الجديدة ستتم بمنح وقروض او بدونها، او انها ستكون من ذات الجهات الغربية او من جهات اقليمية.
وضع موجهات
ومن جانبه اكد الخبير الاقتصادي عادل عبد المنعم على توزيع موجهات موازنة العام القادم ٢٠٢٢م، اذ انها خرجت بموجهات شبيهة للعام القادم، وذلك بخفض التضخم والاستمرار في مشروعات التنمية وزيادة الايرادات الضريبية، وتوقع في حديثه لـ (الانتباهة) ان نسب الموازنة للعام القادم ستزيد ٥٠٪ من بنود السنة الحالية ٢٠٢١م، مشيراً الى انها قد وصلت الآن الى ترليون جنيه، وتوقع ان تصل في العام القادم الى ترليون وخمسة من عشرة.
واوضح عادل أنه تم وضع الموجهات العريضة مع مشروعات القوانين المصاحبة للموازنة، وتم خروجها من الضرائب والجهات المختصة لتصاحب الموازنة، واوضح ان الاوضاع الحالية عملت على تأجيلها، حيث انه بعد تعيين رئيس الوزراء فإن الاجراءات يمكن ان تتم لجهة ان هناك شهراً ونصف الشهر لنهاية العام وهذا وقت معقول لرفع الموازنة، وقال ان حظر المساعدات من المؤسسات الدولية والاوروبية بحوالى (٣) مليارات دولار من المبكر الحديث عن انها ستأتي ام لا، واشار الى ان الموازنة يمكن وضعها لنصف عام مع الاخذ في الاعتبار حال توقف بعض هذه المساعدات، ويتم اللجوء الى بدائل لتغطية بنود الموازنة بتخفيض بعض بنود الصرف، وان يوضع في الاعتبار وجود ضوابط لمنع تهريب الذهب وزيادة الصادرات لزيادة الايرادات من العملة الحرة، لتعويض المساعدات والقروض التي تأتي في الاشهر الماضية، لعدم حدوث فجوة في الايرادات خاصة في العملة الصعبة. وتوقع عدم حدوث مشكلة في المكون المحلي وان تحدث مشكلة في الايرادات من الخارج، واشار الى ان الايرادات من الخارج كانت تتحول لمكون محلي بالجنيه السوداني، اذ ان الموازنة تعتمد عليه، وقال: (وحال استطعنا زيادة الجمارك والضرائب فيمكن ان يتم تعويض النقص بالتخفيض في الانفاق وزيادة ايرادات الضرائب والجمارك وتخفيض النقص بالمكون المحلي، وتتبقى مشكلة العملة الحرة التي ليست لها علاقة كبيرة بالموازنة لكن تؤثر على الواردات من الخارج خاصة الواردات للسلع الاساسية مثل القمح والبترول، لافتاً الى ان المكون الاجنبي يساعد في الموازنة لجهة انه يتحول في بنك السودان الى عملة محلية لتدعم ايرادات الموازنة، وتوقع ان يكون هناك دعم من الدول الصديقة والعربية التي يمكن ان تعوض ٥٠٪ من فاقد دعم المؤسسات الخارجية، واوضح ان الموازنة يمكن ان تكون مرنة وتواجه اية مستجدات خلال التطبيق وان تحاول معالجة الامور، مشيراً الى ان السودان لديه خبرة في موضوع المقاطعة، فمنذ عام ١٩٩٧م لم يتلق اية مساعدات مع وجود مشكلات في التحويلات البنكية الا انه قد سلك طريقه، اي ان لديه الخبرة في التعامل وقد اعتاد الشعب السوداني على تلك الامور، وجزم بألا تشهد البلاد اي رخاء او انخفاض في الاسعار، ولذلك لم يظهر فرق ما بين وجود هذه المساعدات وعدم وجودها.
شلل
فيما قال الخبير الاقتصادي محمد نور كركساوي ان الموازنة تعتمد على الضرائب المباشرة وغير المباشرة وارباح الشركات والهيئات الحكومية والقروض والمنح، وغيابها في موازنة 2022 سيكون اشبه ببتر الارجل، لجهة ان الضرائب لم تصل الى 6%، واردف قائلاً: (اذا وصلت الى 15% لا تسيطع تغطية شيء، اضافة الى ان ارباح الشركات لدى الجيش لم تدخل في الموازنة، وبالتالي ستكون فقط ارباح الهيئات والشركات البترول والذهب) وجزم كرساوي بأن الموازنة ستصاب بالشلل، وهذا سينعكس سلباً على الميزان التجاري والسياسات المالية والنقدية والتمويلية، وبالتالي يلقي ذلك بظلال سالبة على سعر الصرف، وقال: (لا استطيع تقدير نسبة العجز، لجهة ان ملامح الموازنة انها ستواجه بشلل).
حصار داخلي
ولم يكن الخبير الاكاديمي عبد العظيم المهل بعيداً عما ذهب اليه المحللون عن ضابية الرؤية في موازنة العام المالي 2022م، وجزم خلال حديثه لـ (الانتباهة) بأنه لم يحدث من قبل ان نكون في نهاية العام ولم يتم الاعداد للموازنة، واستدرك قائلاً: (للأسف حالياً المعالم غير واضحة، لجهة انها ترتبط ارتباطاً مباشراً بالوضع السياسي، وحالياً الاوضاع غير مستقرة، وبذلك فإن اهدافها غير معروفة)، وافصح عن التوتر الذي حدث بين المكونين قائلاً: (لا نعرف المعانا منو)، واردف قائلاً ان السودان يعيش في حصار داخلي، وقال: (كان يجب ان يتم الاعداد للموازنة منذ شهر سبتمبر الماضي، ولكن لم تتم معرفة الموجهات العامة لها بسبب الوضع العام بالبلاد)، وجزم المهل بأن الوضع ضبابي بسبب عدم وضوح رؤية الوضع السياسي، ودعا اليى اهمية التوصل الى اتفاق من اجل مصلحة البلاد، وقال: (حال تم فرض عقوبات اقتصادية ستكون الموازنة خالية من القروض، وبالتالي يكون بها عجز كبير)، واضاف قائلاً: (لا بد ان يتم تعويض الموازنة)، واستهجن عدم اهتمام السياسيين بالوضع الاقتصادي، قائلاً: (للأسف يتصارعون على الكراسي، وكان يجب على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ان يعلي مصلحة الوطن على المصالح الحزبية، ويتنازل حتى يتم المضي قدماً بالبلاد)، مضيفاً ان الجماهير لا تريد الوزراء السابقين، وبالتالي كان يجب الجلوس لدى نقطة معينة للحوار، وان يتم الاتفاق على تقصير الفترة الانتقالية الى ستة اشهر ومن ثم تحديد الانتخابات، وان تكون بها مرجعية، الا انه قال: (في الوضع الحالي الخسران هو الموطن فقط).